أخي علي الفكعة، ننتظر بلهفة كتبابتك الواقعية،الساخرة التي تلهب حماسنا لامتطاء اليراع من جديد رغم التضييق على بعض الأنواع من الكتابات ..إن الحديث عن الأزبال، يجعلني أستحضر العائلة اللغوية الكريمة لهذا المصطلح العتيد،الأوساخ،القمامة،الفضلات،الأدران...والعقليات المتسخة،والأيادي المتسخة،والضمائر المتسخة التي تنهل معجمها الخاص من المزابل ...وتعلن عن قيم جماعات أصبحت ذائعة الصيت في هكذا مضمار..
إن مزابلنا المغربية كما أسلفت الذكر تزكم الأنوف،ورائحتها تعبق بها شتى الأمكنة والفضاءات،فأينما حللت وارتحلت لابد وأن يَسْترْعِيك جبل الأوساخ،إذ انتقلت المزبلة من نطاق خاص والكامن في الجانب الإيكولوجي والبيئي،إلى جانب أكثر ارتباطا بمعيشنا اليومي ..فالأزبال تتخلل الصدور والسطور،وتتخلل الضمائر.فلا غرابة أن تتسع رقعة المزابل ودائرتها..لتغدو كالأخطبوط ،فتأتي على كل جميل في حياتنا ..وتحوله إلى مساحات غير قابلة للاختراق لأنها ..تخص دائرة المنتمين إلى العائلة "الزبلية".
عفواكم قراء هذه السطور..إنها حقيقة لا مراء فيها،فالأزبال تحَاصِرُنا ،والدائرة تتسع،ولا يجسر حتى "صابون تازة" على غسلها.إن الأمر مُخْزِ،ومقرف..ربما تقولون: إن الساهرين على النظافة يبدلون قُُصَارى الجهود لجعل الهواء الذي نستنشقه طيبا ولطيفا،بيد أن زَبْلُنا لا تستطيع حتى الشركات المتعاقدة مع المجالس الحضرية أن تطوقه ..لماذا..سؤال وجيه؟ !.
الأمر بغاية البساطة لأنه كما أسلفت الدائرة اتسعت،والأرض ضاقت بما رَحُبتْ والصدر لم يعُدْ رحْباً..
لقد تراكمت ديوننا المزبلية وشاخت ..ولم تعد بقادرة على ضخ دماء نظيفة في جسد إداراتنا التي استشرت بها الضائقة "الزبلية" التي يصطلح عليها بالرشوة..إن هاته الظاهرة استحكمت وتوغلت جذورها ..فرغم الدعايات والإعلانات التلفزية التي تعمل على بث وصلات تحسيسية و توعوية فإن دار لقمان ما تزال على حالها، إذ لا يزال هذا الوباء " الزَّبْلي" يتجدد من خلال هرمونات غريبة وخفية ..وهو في تناسل منقطع النظير،لا يعترف بلغة التهديد والتنديد والقوانين الزجرية،ولا حتى بالقيم والأخلاق المُجتمعية.
عموما، إن هذه الظاهرة الزبلية..ماهي إلا ملمح من ملامح عدة قد تبرز للعيان ،وقد تظل خفية عنهم..إذن هي صور مزبلية تندر بكارثة أخلاقية صِرفة.
وهنا تجدني ملزمة بأن أصرخ عاليا..إن الظاهرة المزبلاتية تطوقنا..هي أزمة مجتمعية صارخة،،لا ينفع معها التطبيل ولا التزمير ولا حتى أنواع التغاريد ..فكأننا نصرخ في وادي عميق ..و لا مَنْ يُصْغِي ..إنه فقط صدى صراخنا..هو الذي يُجيبنا.