أصبحنا نعيش في ظل واقع سياسي مرير، وطبعا لهذا الواقع ترسبات وأثار جانبية سلبية على الاقتصاد وعلى جميع مناحي الحياة، يكفي أن تطالع جرائدنا الصحفية ومواقعنا الالكترونية لتصاب بمرض الاكتئاب المزمن، وأنا هنا لا أتحدث عن أخبار اللاأمن الذي تعيشه بعض المناطق السوداء من مغربنا الحبيب، سرقات وسطو مسلح نهارا جهارا، حالات القتل والاغتصاب والخطف والاعتداء على الأصول، ولا على كثرة حوادث السير التي تخلف موتى ومصابين جعلتنا نحتل المراتب الأولى عالميا، ولا على كثرة حالات الانتحار التي أصبحت شائعة في زمننا الأغبر هذا، ولا على كثرة نضالات شبابنا المعطل الذين ضاقت بهم جنبات عاصمة مملكتنا على رحابتها، ولا على الكثير الكثير من الأخبار التي أصبحت صفحاتها معتادة لدى القارئ وكأنه يقرأ طالعه الميمون أو يتصفح صفحة الرياضة. أنا هنا أتحدث عن الحرب ولا أدري هل أسميها المسعورة أم المستعرة بين الحكومة والمعارضة والمعارضة، وأكتبها مكررة لأن لدينا حكومة ومعارضتين، وهي حالة لن تجدها في جميع دول المعمور غير بلدنا السعيد، لن تجدها في أعرق الديمقراطيات ولن تجدها في أغرق الديمقراطيات، لكن بما أننا دولة الاستثناء فكل شيء لدينا لا يخضع لأي مقياس.
لم نعد نعرف أين هي الحقيقة، فكل يوم نطالع أخبارا لا ندري من الصادق فيها ومن الكاذب فيها ومن المكذوب عليه ومن بينهما، وفي ذلك الخضم يضيع المواطن البسيط ولا يعرف أين هي الحقيقة وأين يسير مركب هذه البلاد.
الكلمة الأولى للحكومة: نعرف أنك أتيت في ظرفية اقتصادية صعبة، وأن العفاريت والتماسيح يحومون حولك ويشوشون عليك، بل ومنهم من يضع العصي في عجلات عربتك، ونعلم أن من بين أعضاءك أناس( لحد الآن) مشهود لهم بالنزاهة وحسن النية وأن بطونهم لازالت فارغة، ونعرف انك لا زلت تتحسسين موضعك الجديد وتحاولين إظهار حسن نيتك وتعاونك، وأحيطك علما أن المغاربة أصبحوا يعرفون من هم العفاريت ومن هم التماسيح بأسمائهم وصفاتهم، ونعرف انك تعرفين أننا نعرف أنك في وضعية صعبة، لكن... هذا لا يعني أن المواطنين وقعوا لك شيكا على بياض.
أنت مطالبة بإيجاد الحلول وهذا هو دورك، وإن كانت هناك من تضحية وتزيار السمطة فليكن وزرائك ونوابك ومؤسساتك أول من يزير هذه السمطة قبل المواطنين، فلا يعقل أن يتحمل المواطن البسيط تبعات الأزمة دون غيره، فلا معنى للأسطول الكبير الذي تتوفر عليه الوزارات والإدارات العمومية من السيارات في حين أنه يمكن لسيارات اقتصادية أن تقوم بنفس دور تلك السيارات الفارهة، من جهة ندعم اقتصاد البلد ومن جهة أخرى نعطي القدوة في حسن التدبير، كما أن ركوب وزرائنا ومدرائنا ونوابنا لن ينقص من قيمتهم ركوب سيارة الشعب، بل ستضربون عصفورين بحجر واحد، ترشدون النفقات وتكسبون احترام الشعب، هذا مثال بسيط سقته لك أيتها لحكومة المحترمة من باب الاستئناس وهناك الكثير من الإجراءات التي يمكنك اتخاذها لتبيني على الأقل أن إجراءات التقشف لا تقتصر على المواطن المغلوب على أمره، وأنه بإمكانك ربح عدة ملايين دون المس بهذا المواطن. ثم هناك مطلب أخير أبلغه لك، وأنا لست تمساحا ولا عفريتا، أنا واحد من أبناء هذا الوطن وأحب أن يكون بلدي بخير وأن تجفف الترع التي تعيش فيها تلك التماسيح وتنار تلك الجوانب المظلمة التي تختبئ فيها تلك العفاريت، إن لم تستطيعوا تغيير أوضاعنا وإخراجنا من تبعات هذه الأزمة والقضاء على العفاريت والتماسيح ...فاستقيلوا بشرف.
الكلمة الثانية للمعارضة والمعارضة:
أيتها المعارضة و المعارضة الحبيبة، نعم، أنت أيتها المعارضة التي توجد خارج الحكومة وتلك التي توجد بداخل الحكومة، نعرف أنكم كنتم تهيئون نفسكم لتسيير دفة هذه البلاد، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفنكم، ونعرف أن منكم من لا زال يحن إلى كرسي في وزارة ما ولو بدون حقيبة، ولكن و من باب الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواثيق الدولية وجميع شرائع الأرض نطالبكم بأن تكونوا معارضة حقيقية، معارضة تحترم نفسها وتحترم صناديق الاقتراع التي منحتكم شرف أن تكونوا معارضين، فأنتم أعيننا على الحكومة وأنتم الضمير الحي الذي يردعها إنها أخطأت في حقنا أو مارست علينا شططا ما، لكن...اسمحوا لي أن أقول لك أيتها المعارضة مع كامل احترامي أن ما تقومين به الآن ليس بمعارضة وليس من أخلاق السياسة التي أضحت بلا أخلاق، وأن خرجاتك لا تخدم أحزابك ولا شعبيتك ولا تخدمنا كمواطنين، بل بالعكس فأنت تزيدين من شعبية الحكومة بكثرة لغوك وقولك كلاما غير منطقي، كما يؤسفني أيتها المعارضة والمعارضة أن أخبرك بأن بعض قادتك احترقت أوراقهم ولم يعد الشعب يثق فيهم، بل كلما رآهم زاد تشبثا بالحكومة، مثل تلك القصة التي تقول بأن فتى درج على الكذب ومن كثرة كذبه لم يعد يصدقه أحد، وحتى عندما أراد قول الحقيقة لم يجد من يصدقه، وهذا هو حال بعضكم، نعلم أن من بينك نساء ورجالا شرفاء لم يبيعوا ضمائرهم ولا زالوا يصدحون بالحق، لكن للأسف من يصدقهم وسط ضجيجكم ولغوكم؟ أيتها المعارضة و المعارضة، سيأتي يوم وترجعون فيه إلى الحكم، لكن لا تستعجلوا ذلك، فانتم مطالبون بتنقية بيوتكم شبرا شبرا ومناضلا مناضلا، لكن إلى أن يأتي ذلك اليوم دعوا هذه الحكومة تعمل دون تشويش ودون اعتراض طريقها، أقول لكم ذلك ليس حبا فيها، بل حبا في هذا الوطن، فلقد أضعنا الكثير من الوقت في سرقة مقدرات هذا الوطن، وحفر الحفر لبعضكم البعض، وفي كثرة الصراخ وممارسة النضال العاهر على جسد هذا الوطن العليل، لقد حان الوقت لأن نحي بكرامة لأنه لم يعد أحد في هذا الوطن تنطلي عليه المسرحيات والكلام الفارغ. وفي الأخير أقول للحكومة والمعارضة والمعارضة، اتقوا الله في هذا الوطن. يونس كحال