لا زالت اللازمة الشهيرة التي رددها المتظاهرون منذ انطلاق موجة الربيع العربي تتردد صداها في الأذان، ولا زالت شعار المرحلة الراهنة التي نعيشها، فالكل طالب بإسقاط الفساد ومحاربته. لكن عن أي فساد نتكلم؟ وهل الفساد منظومة متكاملة لا يمكن تجزيئها؟ أم أنه (أي الفساد) يقتصر على الجانب السياسي والاقتصادي فقط؟
هي إشكاليات يجب الإجابة عنها حتى تتضح الرؤيا ويعرف الشعب من هو هذا الفساد الذي يريد أن يسقطه، حتى لا يدع المجال لبعض الأشخاص وبعض المنابر التحدث باسمه.
لم تتردد بعض الجرائد وبعض الأشخاص الذين ينسبون نفسهم للعلمانية والحداثة زورا بمطالعتنا في الآونة الأخيرة بأفكار غريبة ظنا منهم بأن الشعب المغربي مغفل، فعندما تخرج المظاهرات تطالب بإسقاط الفساد ومحاكمة المفسدين، فإن الجميع يصفق لذلك ماعدا" لي فكرشو العجينة"، ولكن عندما ينتفض الشعب بغية منه محاربة فساد من نوع آخر ترى هذه النوعية من الناس تصطف في خانة المعارضة، أي معارضة إسقاط الفساد، وتراهم يسمون الأشياء بمسميات أخرى تخدم مآربهم ومرجعياتهم، إن لم نقل الأجندات التي يشتغلون وفق أوامرها.
الفساد الذي يريد الشعب اليوم إسقاطه بالإضافة إلى الفساد السياسي والاقتصادي، هو الفساد الأخلاقي، وهو في نظري سبب الكثير من المشاكل التي يتخبط فيها المجتمع المغربي، فعندنا في المغرب المشكل ليس في بعض القوانين التي أكل عليها الدهر وشرب، ولكن المشكل في أخلاقنا التي أثرت فيها عدة مؤثرات ولعبت بها أياد تحت مسميات عدة، كالانفتاح والحداثة وهلم جرا من المصطلحات التي أثرت بشكل سلبي على أخلاقنا التي قال في حقها الشاعر إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
فكثرة المسلسلات المدبلجة وغيرها من الأغاني الرخيصة عملت على نوع من التطبيع بين المتلقي وبعض الممارسات التي كانت بالأمس القريب من الخطوط الحمراء، ففي سنوات خلت كانت التلفزة المغربية تحذف القبلة من الأفلام المعروضة على شاشتها، تفاديا لإحراج العائلة المغربية التي تكون مجتمعة على مشاهدة فيلم من الأفلام، كما أنني لازلت أتذكر في فترة ظهور الفيديو أننا كنا نشاهد الفيلم وأيدينا على آلة التحكم في حالة كانت هناك لقطة مخلة بالحياء نسارع إلى تجاوز تلك اللقطة، أما الآن فالأمر أصبح عاديا، خصوصا في تلك المسلسلات المدبلجة التي تحتوي على كم هائل من الكلمات الساقطة واللقطات الإباحية، الشيء الذي وطن في عقول أبناءنا وبناتنا بأن ربط علاقة غرامية أمر عادي، بل وضروري، وهنا أنتقل إلى قضية أمينة الفيلالي الطفلة التي انتحرت مؤخرا، والتي انبرت العديد من الجمعيات تدافع عن قضيتها، وإن كنا لا نختلف على أن المغتصب أو المغرر بالفتاة القاصر كيفما كانت التسمية يجب أن يخضع للعقاب، فإنه وجب التذكير بأن هذه الجمعيات أيضا مطالبة هي الأخرى برفع شعار الشعب يريد إسقاط الفساد الأخلاقي، وتكتف من حملاتها من أجل توعية الأباء بمخاطر نسج بناتهم علاقة غير شرعية، ومراقبة الأبناء داخل البيت وخارجه، فالمسكينة أمينة لو وجدت أبا (وهو بالمناسبة يتباكى اليوم على مصابها) بمعنى الكلمة لما وقع لها ماوقع، لكنها هربا من ظروفها القاسية ارتمت في حضن وحش من نوع آخر مثل عليها دور العاشق الولهان، فلو أنها وجدت من يرشدها إلى الطريق الصحيح ويحذرها من خطورة ربط علاقة غير شرعية خصوصا في تلك السن الصغيرة لما كانت نهايتها نهاية تراجيدية.
الفساد الأخلاقي له انعكاسات سلبية كثيرة على المجتمع، فعندما يتحرك بعض أفراد المجتمع مطالبين بغلق خمارة فهذا يدخل أيضا في باب محاربة الفساد، وكذلك عندما تهب ساكنة منطقة ما مطالبة بمنع دور الدعارة التي تنشط بين ظهرانيها فذاك أيضا نوع من أنواع محاربة الفساد، ولا معنى لأن تهب بعض الجرائد وبعض الأشخاص إلى التباكي على مايسمونه ظلما وعدوانا حرية فردية أو يسمون الناس الذين يطالبون بغلق خمارة بجوار منزلهم أو غلق بيت للدعارة أن ذلك نوعا من الرجعية أو إقامة شرطة للأخلاق، لأن هذه الأخيرة لا تحتاج لشرطة، بل تحتاج لأناس لديهم غيرة وأنفة، فمن يبيح للناس أمورا ليست من الأخلاق في شيء هو الذي يعتبر رجعيا، بل ويعتبر مساهما في نشر الفساد في هذا البلد الذي رفع شعار محاربة هذه الظاهرة بكل أشكالها وأنواعها ولن يتراجع عن ذلك مهما كثرت جيوب المقاومة هنا وهناك.