ما من شك أن الأحداث المحزنة والمؤسفة التي وقعت في تازة مؤخرا خلقت وجهتي نظر مختلفتين، الأولى تقول بأن الأحداث التي وقعت كان يجب أن تقع، وأن السكين وصلت إلى العظم كما يقال، وأن ما وقع كان نتيجة حتمية للأوضاع المزرية التي تتخبط فيها المدينة والتي كانت ورائها عدة عوامل منها التهميش والإقصاء، وسوء تسيير المدينة من طرف منتخبيها ومن طرف السلطات وغيرها من العوامل التي يعرفها القاصي والداني، أما وجهة النظر الثانية تقول بأن ما وقع في المدينة يسمى تسيبا وفوضى وإخلالا بالأمن العام وأن المشاكل لا تعالج بتلك الطريقة التي سببت الفوضى في المدينة. الأحداث التي وقعت في تازة جعلت هذه المدينة القديمة قدم التاريخ تتصدر صفحات الجرائد، وجعلتنا نحن أبناء هذه المدينة نتلقى العديد من المكالمات لمعرفة حقيقة ما وقع، لدرجة أننا بتنا نتساءل، هل كان ضروريا أن يقع ما وقع في تازة حتى يسمع أنينها؟ وحتى نكون موضوعيين يجب علينا تسليط الضوء على هذه الأحداث ومناقشتها مناقشة هادئة بعيدا عن أي تعصب أو الميل لجهة ما، لإماطة اللثام عن الأسباب الكامنة وراء تلك الأحداث، وهي دعوة للتساؤل، هل ما وقع في مدينة تازة كان يمكن تجنبه؟ أم أن الأحداث تسارعت وتيرتها لدرجة أن الأمور تطورت لتصل إلى تلك الدرجة من الاحتقان؟ ومن المسؤول عن تلك الأحداث؟ ساكنة تلك الأحياء، أم السلطة؟ مدينة تازة مدينة مهمشة على جميع الأصعدة، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان، وهذا التهميش ليس وليد اليوم، بل هو قديم وقديم جدا، وأقول من باب الإنصاف أن هذا التهميش ليس حكرا على مدينة تازة وحدها بل هي خاصية تقتسمها مع مدن ومناطق أخرى من هذا الوطن الحبيب، المهم أن تازة أهملها المسؤولون عليها بل وتنكر لها بعض أبنائها أيضا، ولا داعي لأن أذكر بأن بعض أبنائها كانوا وزراء ومنهم من تقلد مناصب سامية في الدولة ومنهم رياضيون وممثلون عالميون ولم يفكروا يوما في رد الجميل لهذه المدينة التي ينتمون إليها ولو من باب ما تغنى به المغني البشير عبدو حين قال" ونتا دايز، طلل علينا، شوفنا واش حنا لاباس طلل علينا".
الكل يعرف التهميش الذي طال مدينة تازة، لا معامل ولا شركات تستوعب أفواج المعطلين الذين يتزايدون يوما بعد يوم، اللهم المقاهي التي تتكاثر وتتناسل لاستيعاب الأعداد الهائلة من المعطلين ومن المتقاعدين الذين تزخر بهم المدينة، وحتى نكون منصفين حتى الموظفين والعاملين لا ملجأ لهم إلا المقاهي التي تنبث كما ينبث الفطر، ولما لا وهو المشروع المربح في هذه المدينة.
أما الأطفال لا مرافق تحتضنهم وأماكن اللعب والترفيه منعدمة، شباب المدينة لا يجد أين يولي وجهه، لا مراكز ثقافية ولا مكتبات عمومية، لا أنشطة ثقافية، لا مركبات رياضية، لا شيء سوى الفراغ ثم الفراغ، والطبيعة كما نعرف لا تقبل الفراغ، لذلك من الطبيعي أن يرتمي الشباب في أحضان الإدمان وغيرها من الموبقات التي تنهش جسده وعقله. هذه عينات بسيطة مما يعانيه سكان هذه المدينة، و بالإضافة إلى كل هذا تنضاف مشاكل أخرى من غلاء السكن بهذه المدينة مقارنة مع مدن أخرى فالسكن الذي يسمى اقتصادي لا وجود له في تازة، والنقطة التي أفاضت الكأس وأدت إلى اندلاع الأحداث الأخيرة هي غلاء فواتير الماء والكهرباء التي لم تكن منصفة ولا عادلة وإغلاق بعض المسؤولين لباب الحوار مع المتضررين.
إذن كل هذه الأشياء التي ذكرت وغيرها مهدت بل وأدت إلى اندلاع المواجهات بين ساكنة بعض الأحياء في المدينة وبين الأمن.
لكن في المقابل وحتى نكون منصفين، ألم يكن حريا بأولئك الذين دخلوا في صدامات مع الأمن أن يعبروا بطريقة أخرى غير العنف؟ ألم يكن بالإمكان إسماع صوتهم للمسؤولين بطرق سلمية؟ ألم يكن من الواجب التفكير مليا قبل الاعتداء على رجال الأمن والقوات المساعدة؟ وفي نفس الوقت ندين التدخل المفرط للأمن في حق الساكنة.
هي دعوة للتعقل نعلنها، علها تجد أذانا صاغية من الجميع، الفوضى ليست في مصلحة أحد يا سادة، الفوضى في مصلحة أعداء الوطن وما أكثرهم، دعونا نحكم العقل عوض العنف، فما كان الرفق في شيء إلا زانه.