د .عياد أبلال * إلى كل من يهمه الأمر : " إذا كان السوسيولوجي يفسد على الناس حفلاتهم التنكرية، فلأنه يكره الأقنعة، و الطابوهات بالمغرب هي حفلات تنكرية بشعائر مخزنية ، وهذه الشعائر مجرد قناع إلى زوال " أتابع بكل اهتمام ما يكتبه العديد من رواد الانترنيت، وخاصة المتفاعلون مع الجرائد الالكترونية، و إن كنت أرحب بكل الآراء حتى التي تركت جوهر الموضوع، - على قلتها- وهو الحجز على كتب علمية و أكاديمية لباحث يحضر دكتوراه في علم اجتماع التدين،و تعلقت بشخصه، فإنني أعلن شكري لكل المتضامنين مع القضية، محلياً، وطنياً، و دولياً،(من كتاب،باحثين،فنانين، إعلاميين وصحفيين...)و بما أن القضية أصبحت قضية رأي عام،و من منطلق أنني أومن بالحوار و الديمقراطية وكل حقوق الإنسان كما صاغها الإعلان العالمي، دون تجزيء أو انتقاء.، أوضح لكل من يهمه الأمر: أشخاصا ومؤسسات أن هذه الكتب لا علاقة لها بالتنصير إطلاقاً،و أن موضوع بحثي تمليه الضرورة العلمية،و واقع التدين بالمغرب ،خاصة أمام ازدياد عدد الأشخاص الذين يقومون بتغيير معتقدهم الديني الرئيسي أي الإسلام بمعتقد آخر سواء المسيحية أو باقي الديانات الأخرى، وهذا لا يرتبط فقط بالمغرب ،بل يرتبط بالعديد من الدول العربية الأخرى، وبكل دول العالم.
لقد كان السؤال المركزي هو :ما هي الأسباب والعوامل النفسية،الاجتماعية،الثقافية التي تجعل جزءا من مواطني العالم العربي يغير معتقده الديني ؟ وما ينطبق على تغيير المعتقد باتجاه المسيحية ينطبق على التشييع، وهنا أشير إلى أن التنصيرية تعتبر فقط شكلاً من أشكال تغيير المعتقد..وبما أن الكتب الأكاديمية والعلمية التي تتطرق إلى الموضوع ناذرة عربيا، فمن الطبيعي جداً أن نطلع على الكتابات الغربية التي لا نتعامل معها باعتبارها مطلقة المعرفة والتشخيص، بل نتعامل معها من منطلق كونها مراجع استئناسية، أحيانا تخضع للنقد والمساءلة- من طرف الباحثين العرب- وهذه قضية معروفة في الأوساط العلمية والأكاديمية. خاصة في ظل اختلاف الأوساط الثقافية التي تنشأ فيها هذه الظواهر الدينية ، مع العلم أن مؤلفي هذه الكتب، هم باحثون لهم سمعة عالمية وتعتبر كتبهم مراجع كلاسيكية في المجال،ولا علاقة لهم بأي تنصيرية أو تبشيرية.
لقد كان التقرير الأمريكي الأخير حول التدين في العالم منطلق دراستي حين أكد أن المسيحية في ارتفاع في عدد من الدول العربية ، ومنها المغرب، و أشار وفق إحصائيات إلى عدد كل من المغاربة الذين تنصروا مغيرين إسلامهم، كما هو الشأن بالنسبة إلى المغاربة الذين اعتنقوا البهائية والمذهب الشيعي . إذن هل نكتفي بتلقي تقارير الخارجية الأمريكية فيما يخص هذه الأقليات في ارتباطها بتغيير المعتقد ،كأنه كتاب منزل؟ أم نسعى إلى دراسة الظاهرة دراسة علمية أكاديمية، تكون نتائجها - إذا وفقنا ونجحنا - بين أيدي كل الباحثين و المهتمين بالحقل الديني بما في ذلك مؤسسات الدولة ذات الصلة. أم نتعامل مع الظاهرة من منظور الطابو ونشجع بشكل غير مباشر وتيرة تضخم الظاهرة ؟ و للإشارة لقد سبق لي في تصريحات صحفية أن انتقدت التقرير الأمريكي ذاته .
إن معرفة أسباب تغيير المعتقد الديني وعوامله مدخل أساسي لمعرفة الظاهرة معرفة كفيلة بوضع استراتيجيات الإصلاح و المواجهة، فإذا كنت – وهذا موقفي الشخصي ضد كل حركات التنصير ،التشييع والبهائية التي لها ارتباطات خارجية، والتي تستهدف الأطفال و المراهقين وخاصة التنصير في هذا الباب – من منطلق أن هذه الحركات هي حركات تحجر على العقليات، و تتحرك وفق إيديولوجيات تهديمية للهوية العربية، فإنني سوف أشير ضمن الأطروحة إلى حجم الأموال والميزانيات الخيالية التي تخصصها بعض الدول، و من ضمنها أمريكا وبعض الدول الغربية لحملات التنصير، مثلما هو الحال بالنسبة إلى التشييع "الايراني"، حيث تنشط هده الحركات في أوروبا بالتحديد، و تنتشر ضمن أوساط المهاجرين، مقارنة بالأرقام التي ترصدها بعض الدول العربية للتعريف بالإسلام في الغرب، وعلى رأسها السعودية . فهذا لا يعني أنني أصادر حق كل الأفراد في حرية التعبير والاعتقاد والتفكير. ولذلك من واجبي العلمي أن أحرص على حيادي التام في الدراسة والتحليل، وهذا الحياد يقتضي أن أقرأ كل الكتابات التي تناولت الظاهرة. ألا يعتبر حجز كتبي شططا في استعمال السلطة التقديرية للجمركي؟ ثم ألم تؤكد مختلف التقارير المرتبطة بالمؤسسات الدولية ذات الصلة ومنها تقرير الخارجية الأمريكية أن تغيير المعتقد الديني لا يرتبط بشكل كبير بحملات التنصير والتبشير. إذ أن هذا الجانب لا يمثل سوى 10 في المئة من عدد المنصرين، والباقي يتم بطرق أخرى من ضمنها التواصل المباشر و الأنترنيت و الفضائيات ....وما ينطبق على التنصير ،ينطبق على التشييع ... ثم في ماذا ينفع المنع الجمركي- حتى و إن لم أكن باحثا في المجال - و المواقع التبشيرية والتنصيرية تملأ الشبكة العنكبوتية،وبنقرة واحدة تحصل على المعطيات والمعلومات، مثلما هو الحال بالنسبة إلى القنوات الفضائية التبشيرية و التشييعية .... ضمن سياق الحياد والموضوعية، و الضرورة المنهجية كما يميلها المنهج الأنثربولوجي التأويلي الرمزي، كان لا بد من أن نقتفي آثر الظاهرة في دول عربية أخرى، لأنه بدون مقارنة يستحيل تعميم النتائج وصدقيتها من منظور المنهج المعتمد، ثم يستحيل الوصول إلى عمق الظاهرة و أسبابها الثقافية و الاجتماعية ... وبالتالي فإن كل خطط إصلاح وإعادة هيكلة الحقل الديني سواء بالمغرب أو أية دولة أخرى،لا يمكن أن تكون ناجعة و ناحجة إلا إذا انطلقت من دراسات ميدانية تشخص الواقع الأنثربو ديني ،ثم لنفترض أن هذه الكتب تنصيرية،فكيف يمكن مفهمة و تحليل آليات التنصير ببلادنا ، وفي البلدان العربية الأخرى دون قراءة هذه الكتب نفسها، وما ينطبق على التنصير يصدق على التشييع و هكذا ..... إن القفز على القضية، و مساءلة شخص الباحث هو تعويم للنقاش و للحقيقة، و إذا كنت قد شرحت بإسهاب خلفيات الدراسة، فإنني أؤكد على تشبثي بكل حقوقي الكونية،مثلما هو الحال بالنسبة لحقوق كل مواطن مغربي سواء اتفق معي في المعتقد و الفكر . أم لا . فأنا في نهاية المطاف لا أمتلك الحقيقة المطلقة. ولهذا يجب أن يميز الناس بين الباحث المتجرد والموضوعي أثناء دراسته، وشخصه ،ثم أن اشتغالي على الظاهرة الدينية لم يكن وليدة اللحظة، فقد سبق وكتبت عن الأقليات الدينية و عن البهائية ونشرت هذه الكتابات في الصحافة الوطنية، مثلما ترجم حواري حول البهائية وتغيير المعتقد إلى الانجليزية وصدر في مجلة انجليزية، وأحدث نقاشاً كبيراً في أوساط البهائيين خصوصاً في مصر،بل كتب لي أحدهم يقول أني أنتصر للإسلام ضد البهائية، وأنني لم أكن منصفاً و موضوعياً، وهو ما يجانب الصواب،لأنني أسعى ما استطعت أن أكون في البحث السوسيولوجي محايداً وموضوعياً، وفي هذا الصدد يمكن الرجوع إلى كتابي الأخير الصادر بالقاهرة:" الإخفاق الاجتماعي بين الجنس،الدين والجريمة. إن عقلية المنع والحجز والمصادرة هي عقلية تنتمي لمحاكم التفتيش، ثم متى كان البحث العملي و الأكاديمي يخضع للجمارك، و واهم من يزايد علي في ديني وفي هويتي ، أو أن يزايد علي في وطنيتي وحبي لهذا البلد،الذي أعشق ترابه حد الجنون ، ثم إن مواقفي واضحة لا لبس فيها ،فقد نددت كتابة وتحليلا بالإسلام السياسي الرديكالي قبل 16 ماي وبعده، ونددت بالإسلام الوهابي وأشرت إلى سلبياته الأرثودوكسية منذ زمن، و أظن أن تصريحاتي لجريدة "نيوجرسي أمريكان" سنة 2003 خير مثال على ذلك . كما لا يخفى على الجميع مواقفي من الفساد والمفسدين. إن التضييق على الباحث والكاتب بمختلف الأشكال والصور هو حجر على شعب يتوق إلى دولة الحق والقانون،التي تنبني على المواطنة الكاملة،وليس دولة الرعايا تحت الحجر. لقد سجل ملك البلاد منذ أزيد من عشر سنوات أنه يشتغل وفق خطاطة سياسية جديدة هي خطاطة الملك/المواطن انطلاقا من إيمانه بدولة المؤسسات،دولة الحق والقانون والحريات،ولذلك اكتسب بالإضافة إلى الشرعيات الأخرى التي ميزت نظام الحكم بالمغرب شرعية شعبية مستحقة لا خلاف حولها. ،في حين ما يزال بعض المسؤولين من الذين تشبعوا بالبنية الذهنية المخزنية متشبثون بخطاطة الملك/الرعية، وهي الخطاطة التي ميزت نظام السلطنة بالمغرب في الماضي.
إنهم بذلك يعرقلون مسيرة الإصلاح و التغيير نحو مغرب حداثي ديموقراطي، والحداثة هنا لا تعني إطلاقا التخلي عن الهوية المغربية الدينية والثقافية بشكل عام كما قد يفهم ذلك أنصاف المتعلمين. وهذا ما أشرت إليه في مداخلتي في الملتقي الوطني حول الفكر السياسي بالمغرب سنة 2004 بالدار البيضاء . ولذلك علينا أن نميز بين الدولة كمؤسسات عصرية تشتغل وفق القانون، و تعمل على صيانة حقوق المواطن المغربي، حيث تؤسس هيبتها على القانون واحترام المواطنين للمؤسسات، وهنا أقر بافتخار بوجود موظفين و مسؤولين نحترمهم كثيرا ونقدر تضحياتهم الجسام ،و بين البعض الذي يشتغل وفق التأويلي المخزني للقانون. ويهدر حقوق المواطنين بشطط غير مستساغ في استعمال السلطة، ثم لماذا لا يستقبل المواطن في بعض الإدارات والمؤسسات التابعة للدولة مقابلة تليق بالمواطنة الكاملة؟ ولماذا تصمت الأحزاب عن كرامة المواطن المغربي التي تذبح على عتبات هذه المؤسسات ؟ لا غرو في ذلك إذا كان منطق الحجر هذا قد امتد حتى إلى الأحزاب السياسية، وخاصة الإدارية منها .مما يجعلها تشكل الأطر الأيديولوجية لإعادة إنتاج المخزنة وتكريسها . إن المخزن هنا ليس أشخاصاً بقدر ما هو بنية ذهنية تقليدانية،تعتبر من بين معيقات الإصلاح ببلادنا .ولذلك قد تجد هذه الذهنية تتحكم حتى في الأحزاب السياسية، كما تميز الأعيان في تعاملهم مع القانون و السلطة، بل يسعون في ظل تواطؤ تداخل المصالح على استدامة وتكريس الحجر والفساد. ولذلك يجب التمييز بين مؤسسات الدولة من جهة و الأشخاص من جهة ثانية ، والمخزنة كبنية ثقافية قد تشمل المجتمع بكل شرائحه. وهذا ما سقطت فيه بعض الكتابات و الدراسات التي ربطت بخطية أحادية بين المخزنة كبنية تسلطية لتصريف الحكم و مؤسسات الدولة وعلى رأسها الداخلية . وهو ما أوضحه تحليلياً في كتابي قريب الصدور : " الملك والرعية: دراسة أنثربولوجية للنسق السياسي بالمغرب " إن عقلية الحجر على المعتقد و على الحريات لن تحبب إطلاقا المواطن في دينه، إن الأصل في الدين هو الإيمان، والإيمان أساسه الحرية لا الإكراه، و أساس معرفة الله، هو المعرفة لا الفطرة ،وليس عبثاً أن تكون أول سورة نزلت على رسوله الكريم محمد (ص)، هي سورة العلق تؤكد على المعرفة والعلم، والبحث . أم أن المعرفة ترتبط فقط بالعلوم النقلية، في حين تعتبر العلوم العقلية تهديداً للأمن والاستقرار.