سناء العاجي* : بين الفينة والأخرى، يعجبني أن أطالع تعليقات القراء على المقالات المنشورة في الأنترنيت، سواء تعلق الأمر بمقالاتي أو بمقالات صحافيين وكتاب رأي آخرين، قراءة التعليقات هي تجربة غنية جدا يمكن أن تخرج منها بخلاصات جميلة تساعدنا على فهم مجتمعاتنا التي بدأت تتعرف بشكل خجول على شيء اسمه "حرية التعبير". حين ينشر صحافي أو كاتب مقالا على الأنترنيت، سواء في موقع إخباري أو في بلوك، فهو يقدم طرحه وتصوره الخاص لموضوع ما، إذ يقدم الكاتب/الصحافي حججه ووجهة نظره كما يراها هو. من الطبيعي جدا (ومن الصحي أيضا) أن يتفق معه البعض ويختلف معه البعض الآخر. في مجتمع سليم، يُسمى هذا نقاشا لا يكون فيه أحد الطرفين مجبرا على تبني وجهة نظر الطرف الآخر. نحن نتناقش بشكل ناضج. قد يقنع أحدنا الآخر وقد لا يقتنع كلا الطرفين بوجهة النظر الأخرى. المشكلة أننا، ربما، لم نصل بعد هذا المستوى من النضج الذي يجعلنا نناقش الأفكار، لأننا مازلنا، بكل أسف، نناقش الأشخاص. وهذا للإشارة ليس حكرا على المغرب، لأنه، للأسف، مشكل تعاني منه العديد من المواقع العربية. في الكثير من الأحيان، أنتبه إلى أن بعض القراء والمعلقين لا يملكون القدرة على مناقشة موضوع ما من خلال طرح حججهم الخاصة بالمعارضة أو بالتأكيد. يفضلون بدل ذلك سب وشتم الكاتب أو الصحافي الذي نشر المقال أو الرأي المعروض أمامهم. هل عدم اتفاقنا مع طرح معين يعطينا الحق في سب وشتم كاتبه؟ اللهم إذا كنا لا نملك من الحجج ما ندافع به عن وجهة نظر أخرى، مختلفة... لكي نفهم هذا التصرف –غير الناضج-، علينا أن نعود إلى تفصيل بسيط ومهم في الآن ذاته: السرية التي توفرها أنترنيت. حين يوقع شخص ما تعليقه باسم مستعار أو باسمه الشخصي فقط، فذلك يعطيه انطباعا كبيرا بالحرية النابعة من سرية هويته. لا أحد يعرف صاحب التعليق، وبالتالي تكون له "الحرية" في السب والشتم والدخول في اعتبارات شخصية وفي تفاهات مرضية. بالمقابل، فصاحب المقال المنشور، ومهما اختلفنا معه، كانت له الجرأة في الكشف عن هويته وعن اسمه وعن وجهة نظره. هو يناقش بوجه مكشوف ويعرض حججه للنقاش وينتظر وجهات نظر مختلفة لا يمكن إلا أن تغني النقاش. والآخر؟ المعلق المجهول؟ إنه للأسف لا يملك حتى شجاعة الكشف عن وجهه. يكتفي بالسب. ناهيك عن كونه، حين يسب، فهو يوضح بشكل جلي عدم توفره على حجج كافية للنقاش السليم والناضج. لذلك، يصبح تعليقه، بالنسبة لي، مادة غنية للتحليل لكي نفهم مجتمعنا ولنفهم جزءا لا بأس به من أمراضه. في بداية علاقتي بالأنترنيت، كنت أغضب كثيرا حين أقرأ مثل هذه التعاليق، وكنت أحزن كثيرا من المس بشخصي ومن السب والقذف بدون سبب وجيه. اليوم، أصبحت أبتسم وأنا أقول في أعماقي بأن "كل جرة بما فيها تطفح". مستعدة أنا لأن أناقش أيا كان في وجهات نظره، مهما اختلفنا. لكن، وبكل صراحة، لا أحترم شخصا لا يقدم لي أي وجهة نظر مختلفة ويكتفي، لكي يعلن عدم تقبله لوجهات نظري، بأن يعتبرني "عاهرة" و"ساقطة" و"منحلة" و"مفرنسة لم تدرس في حياتها اللغة العربية"...هل لديكم حتى الشجاعة للكشف عن هوياتكم وتحمل مسؤولية أقوالكم؟ لنرقَ بمجتمعنا من فضلكم ولنفتح النقاشات الحقيقية التي تتجاوز الأفراد والأشخاص؛ فنحن في أمس الحاجة لذلك. وحدها الأفكار تبقى في النهاية... -----------