[COLOR=red]روبورتاج - الصديق اليعقوبي / عزيز زرناف:[/COLOR] لن يقتصر عملنا الصحفي على تغطية الأحداث، و تحرير الإعترافات قريبة أم بعيدة بالمجال الحضري بالإقليم فقط، بل نحن مستعدون كل الإستعداد للسفر إلى كل نقطة جغرافية في المنطقة، بادية أو قرية لفضح المستور، و نقل أنين ساكنة مناطق نائية دفاعا عن حق المواطن المنسي في المساواة و الكرامة. هي زيارات تخضع إلى إعلام القرب و الإقتراب أكثر فأكثر من هموم المواطنين، فكانت وجهتنا هذه المرة إلى [COLOR=darkblue]دوار "تيسيدال" التابع إداريا لجماعة مغراوة التي تبعد عن مدينة تازة بحوالي 55 كلم، [/COLOR]فرغم قساوة الطبيعة و غياب مواصلات النقل، فعلنا كل ما بوسعنا للوصول إلى " أنفكو" تازة لنقل معاناة هؤلاء إلى الجهات المسؤولة بعيدا كل البعد عن الشعارات الفضفاضة... كانوا في الصفوف الأولى من المناضلين، قاوموا الاستعمار آنذاك بشتى الوسائل، وضحّوا في سبيل وطنهم من أجل استقلاله وحريته، وهم الآن يعيشون صراعا من نوع خاص مع متطلبات الحياة، وهم يحنون تحت وطأة الفقر من أجل لقمة عيش لتأمين حياتهم وحياة أبنائهم ... ليس وحدهم سكان منطقة "أنفكو" من تصنفهم صاحبة الجلالة بسكان المغرب الغير النافع، والمنكوبين والمهمشين حتى الآن، بل هناك مناطق أخرى شبيهة ذلك أو أكثر منهم فقرا، وقبرا ونسيانا. منازل عتيقة، وتضاريس صعبة، وحياة على إيقاع المرارة والشقاء، هكذا حال من ليس لهم حال، دوار" تيسيدال" تابع لجماعة مغراوة، حضن دافئ للتهميش والعزلة والإقصاء، وقبر المشاريع والإنجازات المبرمجة. الوصول إلى هذه المنطقة، والتي يلقبونها ب" الشرفة" يتطلب ساعات طويلة من الانتظار والمثول، بدءا من تازة العليا نحو جماعة مغراوة، لتبدأ المحنة وتستمر المعاناة، فما عليك إلا العلو عن كعبيك، وقطع كيلومترات، وفي بعض الأحيان قد تكون مجازفة بالحياة لخطورة الوادي الفاصل بين الضفتين، فبعد المشقة وعناء السفر تصل إلى المنطقة الغالية والعزيزة، والمسماة ب" تيسدال"، المعلقة بأعالي الجبال بخيط من الأمل في الحياة، والمجردة من الكهرباء والماء الصالح للشرب،و...و... وما خفي كان أعظم و أنكى. [COLOR=darkblue]- تستمر المعاناة... مع ندرة الماء الصالح للشرب وانعدام للكهرباء.[/COLOR] أكيد منطقة كهذه ستعاني من مشكل عويص، ألا وهو الماء الصالح للشرب والكهرباء، وحله سيكون شبيها بخروج جحش من بطن بغلة، سيما وأن المنطقة لا تتوفر إلا على عدد معدود ومحدود من العيون التي تروي عطش الساكنة، وتعد المورد الرئيسي لهم ولماشيتهم، ويتطلب هذا قطع مسافات ومسافات لتأمين قطرة ماء تروي ظمأمهم، وتزن في أعينهم مخزون سد الوحدة. هذا بالإضافة إلى أنها لا تتوفر على أدنى شروط السلامة الصحية، ماعدا فضل بعض الأسماك الملقاة فيها، والتي تقوم بازدواجية الأدوار من تصفية وتطهير للمكروبات "عولنا على الحوت صفّا الما". فالساكنة لا يهمها هل هو معالج أم لا، أو غير صالح للشرب أم لا، وليست لهم دراية بذلك حتى، لأن الضرورة لا تحتم عليهم الاختيار، فالتكيف مع طبيعة المنطقة كهذه شبه مستحيلة، ما دفع بعضهم إلى ترك "الجمل أوما جمّل" والهروب من قهر المشقة والعناء، والعزلة التامة إلى المجال الحضري، فمنهم من ترك أسرته وهاجر، ومنهم من هجر أرضه بحثا عن مكان آمن للاستقرار. [COLOR=darkblue]- محنة الأعمال اليومية الشاقة. [/COLOR] بعض الناس بسماع كلمة الأعمال الشاقة تقشعر أبدانهم منها، فما بالك بأولئك الناس الذين يمارسونها يوم بعد يوم، حرا و بردا، فالكل اعتاد على الاعتناء بأرضه مهما كلفته الظروف، رغم بساطة الأدوات، بدءا بالمحراث الخشبي العتيق و الدواب، وصولا للمنجل و البيدر، كل هذا و رغبتهم الشديدة في التمسك بحياتهم و منطقتهم و أرضهم، و نسيان ما إذا كانت لهم حقوق، و تفكير في الواجبات فقط. و حرصهم الشديد على تربية الماشية ، باعتبارها المورد الأول و الأخير لهم، نظرا للتضاريس الجبلية الملائمة لماشيتهم. أعمال مضنية يصفونها أهل المنطقة بالشاقة و المتعبة، لكن لا محيد و لا هروب منها. أما الجانب الصحي فهو آخر شيء قد يفكرون فيه، رغم أن مثل هذه الأعمال قد تكون لها نتائج وخيمة على صحتهم بدرجة أولى. فليس الرجل وحده من يتكفل بهذه الأعمال، فحتى الزوجة لها نصيبها من ذلك، و سرعان ما تظهر عليها علامات الشيخوخة رغم صغر سنها، بفعل الأشغال التي تقوم بها يوميا فقد نقول أن المرأة القروية متعددة الشخصيات، ما يدفعها للقيام بالعديد من الأدوار المختلفة و المتعددة، داخل المنزل و خارجه، في يوم واحد، فهي من يشرف على تربية الأطفال- و كما هو معروف أن الأسر القروية يسرفن في الولادة لتوزيع الأدوارفي كبرهم و التغلب على الحياة- إضافة إلى أشغال البيت، و جلب الماء، و الحطب.... و بالمقابل فالرجل مهامه تتطلب القوة و الصلابة و الصبر، من حرث للأرض و حصادها و رعي للمعز، كما سلف الذكر فالكثير من فضل الرحيل إلى المدينة بدل الصمود ضد هذا الجلمود الصامت الذي لا يصد ولا يرد. [COLOR=darkblue]- تيسيدال بلا ممرض، و لا مستوصف.[/COLOR] نعيش عصر الطب و تقنية زرع الأعضاء، و تعيش ساكنة دوار "تيسيدال "العصر الحجري و التداوي بالأعشاب، فإذا أرادوا التطبيب أو زيارة الممرض أو شيء من هذا القبيل، ما عليهم إلا قطع مسافة لبلوغ مستوصف بجماعة "مغراوة"، و الذي بدوره قد لا يفي بالغرض، خصوصا إذا كانت الإصابة حرجة و خطيرة، و بدوره هذا الأخير يستنجد و يستغيث من طول النسيان، على حد قول أحد كبار السن الذي التقته" تازة الجهوية"، أما إذا كانت حالة المريض مستعصية أو امرأة حامل، فالله يكون في عونهما و يرزقهما الصبر على قدرهم. [COLOR=darkblue]- الفقر........و الجهل.[/COLOR] تتوفر المنطقة على مدرسة و هي فرع تابع لمجموعة مدارس مغراوة، و يتم فيها تعليم أطفال المنطقة ،و تشجيع أكثر ما يمكن من أجل محاربة الهذر المدرسي،رغم ما يعترض طريقهم من صعوبات و ظروف غير ملائمة ، و لعل من أهمها الفقر المذقع الذي يعصف بأهل المنطقة مند الأزل، و تليها بعض الأشغال التي تكون منوطة بهم كتفريغهم لرعي الماشية، و مساعدة الأب في أشغاله، ما يجبرهم على ترك الدراسة. فبمجرد نظراتهم الأولى و البريئة توحي لك برغبتهم القوية في محاربة الجهل، و رسم صورة معبرة و إرادة جامحة، على أن لا يكونوا أشباه آباءهم في الجهل و التخلف. أما البؤس فقد اختار رفاقه، فبعد مرور أزيد من شهر على التساقطات المطرية الكثيرة التي عمت المملكة و الرياح القوية، و التي أضرت بالمنازل ، و خلفت خسائر فاذحة في سقوط أشجار الزيتون و الحوامض، مما خلف تخوف و آلام حادة في نفوس الساكنة منقطعة النظير. فأبغض الأشياء هي عندما ترى منطقة يعشش الفقر في ركنها و "تيسيدال" لخير دليل على ذلك، فمعظمهم يشتكون و يتذمرون من ضعف القدرة الشرائية، و ضيق ذات اليد، فمستوى دخلهم الفردي لا تتعدى فتات ما يتخلى عنه أصحاب "الألبة"، أصحاب السهرات و الليالي الحمراء على الطاولة في الحفر الليلية. [COLOR=darkblue]- ما بين الأمازيغية و العربية.[/COLOR] بجماعة مغراوة تجد نفسك منبهرا لتعدد اللهجات، فهناك دواوير تتكلم باللهجة الأمازيغية فقط، و أخرى بالعربية "تعرابت" هذا ما يطفي عليها جمالية من نوع خاص، و تنوع في اللهجات، لكن في بعض الأحيان قد يشكل هذا عائقا، أو سوء تفاهم خصوصا من لا يجيد التحدث بكلاهما،فحسب مصادر مطلعة استقتها "تازة الجهوية" من بعض أفراد الساكنة، أن هناك العديد من رجال التعليم يجدون صعوبة في التفاهم، و التواصل مع متعلميهم. فتجد أيضا صعوبة عندما تريد قضاء مصلحة ما، فالغالبية يتحدثون الأمازيغية، فهل هذا يعتبر تشبثا بثقافتهم الشعبية؟ أم أنه صراع مع العربية "تعرابت" أو ﴿كلها يلغي بلغاه.﴾. فكيفما كانت الأحوال و شاءت الأقدار أن تعيش هذه الدواوير كباقي الأخريات في أنحاء الوطن في عزلة تامة ،دون لفت أنظار من يدعون أنهم من محبي هذا الوطن، فالحياة واحدة و أسباب العيش مختلفة، و تستمر الحياة.. ------------ [COLOR=red]روبورتاج: الصديق اليعقوبي - عزيز زرناف. نشر بجريدة "تازة الجهوية" ص 12، العدد 17، أبريل 2010.[/COLOR] [IMG]http://tazacity.info/news/infimages/myuppic/4c12a0735760b.jpg[/IMG]