بدأت ملامح عمدة مدينة طنجة تتضح تدريجيا وإن بشكل هلامي.. حاجب هنا.. أنف هناك.. ذقن هنالك. كان البعض قد حصر المنافسة بين ثلاثة مرشحين: محمد نجيب بوليف، سمير عبد المولى، دحمان الدرهم. لكن، مع السقوط المدوي للعمدة السابق كان لا بد لمنافس، أو أكثر، أن يظهر في الساحة. المنافس الجديد هو مرشح حزب التجمع الوطني للأحرار يوسف بن جلون، وهو لم يظهر كأرنب سباق فقط، بل ظهر كمرشح قوي، إن لم نقل أقوى المرشحين لعمودية المدينة. اسم بن جلون تردد بشكل قوي إعلاميا وشعبيا بشكل جعله يبدو العمدة القادم رغم أن اللعبة لم تنته بعد والتحالفات والضربات على الرأس وتحت الحزام لازالت تتواصل. ورغم أن بن جلون نفسه صرح لأحد الجرائد أنه زاهد في المنصب. ظهور بن جلون أفرز أيضا واجهتين للصراع بين تحالفين: تحالف بين أحزاب العدالة والتنمية، التجمع الوطني للأحرار والإتحاد الدستوري. وتحالف آخر بين أحزاب حزب الأصالة والمعاصرة، الحركة الشعبية، والحزب العمالي. علما أن المفاوضات لازالت جارية لاستمالة وضم مرشحين آخرين من أحزاب لم يكن لها حظ وافر من المقاعد، لكنها قد تكون الفيصل في الاختيار في آخر لحظة. ويبدو من نظرة أولية أن حزب العدالة والتنمية بمرشحه بوليف قد تراجع خطوة أو خطوتين للوراء، وهو أمر كان متوقعا على أية حال، خصوصا بالنسبة للحزب الذي أظهر رصانة على طول فترة الانتخابات، وهو لا يريد أن يغامر بكل ما كسبه من أجل منصب العمودية الذي سيأخذ منه بالتأكيد أكثر مما سيعطيه. أيضا، تحالفه مع الأحرار يحتم عليه بالضرورة المفاوضة من أجل منصب نائب أول للعمدة تجنبا لصراع داخلي على منصب العمودية قد يفضي إلى طلاق بائن هو آخر ما يتمناه الحزب حاليا. لذا، نجد أن التحالف الأول قد سلم بشكل غير رسمي، مفاتيح المنافسة من أجل العمودية ليوسف بنجلون في محاولة لرص الصفوف ولقطع الطريق على أي محاولة خارجية – أو حتى داخلية – لنسف التحالف من أساسه. ولم تكن المراهنة على تحالف من هذا النوع من قبيل الصدفة، فقد أظهر حزب الأحرار قوة مفاجئة وذكاء كبيرا في التعامل مع الاستحقاقات الانتخابية، وفي وقت كان الجميع يتبادل الاتهامات كان هو يعمل في صمت، انقلب فيما بعد إلى قنبلة فاجأت الجميع. على الجانب الآخر، يقف حزب الأصالة والمعاصرة منتشيا بفوزه على الصعيد الوطني، مكتسبا الثقة من هذا الفوز على الرغم من المقاعد القليلة نسبيا التي حظي بها بطنجة، والتي نجح في زيادتها بعد أن انضم إليه اللامنتمي محمد أقبيب وخمسة آخرون. تحالف الحزب مع الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، هو في سياق " لابد مما ليس منه بد"، على اعتبار أنه من ليس خصمي فهو صديقي في الوقت الحالي على الأقل. مرشح الحزب سمير عبد المولى، وإن كان حزبه لم يحظ بترحاب كبير بطنجة، رجل قوي اقتصاديا وإعلاميا. وهو أيضا حظي بنصيب وافر من التوقعات بالوصول للمنصب، لكن على الأرجح أنه سيتراجع مفسحا الطريق لسمير بروحو للتقدم قليلا إلى الأمام كي لا يتلقى وحده كل الضربات، مع الحفاظ على موقعه قريبا من المقعد المرتقب، كي يقفز إليه في حالة وقعت أي مفاجآت في أية لحظة. المفاجآت، التي قد تقلب كل ماكتبناه رأسا على عقب، لنجد أمامنا إسما لعمدة لم نكن نتوقعه على الإطلاق، على غرار قصص شيرلوك هولمز التي يظهر في آخرها أن أخت المتوفي هي القاتلة، في حين كنا نتوقع جميعا أن الخادم هو من فعلها. وبعيدا عن كل هذه الحسابات السياسية المعقدة التي تجلب صداع الرأس، لا يهم رجل الشارع سوى أن تكون المدينة بخير، و أن تجد غيورا واحدا، ولو لمرة واحدة، يدافع عنها بصدق.. وبدون أي خطابات رنانة تصيب بالدوار. وعلى كل، على الورق، وإذا سارت الأمور بشكل منطقي، فيمكن ليوسف بن جلون أن يبدأ الابتسام منذ الآن. عبد الواحد استيتو – رئيس تحرير طنجة نيوز [email protected]