تحل يوم الأربعاء 16 أبريل 2008، الذكرى التاسعة لوفاة جلالة المغفور له الحسن الثاني (9 ربيع الثاني) التي يستحضرها الشعب المغربي قاطبة بكثير من الفخز والاعتزاز، لما حققه جلالته من إنجازات للنهوض بالأمة المغربية، ولدوره القوي وتبصره في التعامل مع مختلف القضايا الدولية. ولا يضاهي هذه المشاعر، التي تتجدد مع كل ذكرى، سوى الفخر بما يحققه وارث سره جلالة الملك محمد السادس الذي يواصل، عبر مختلف أنحاء المملكة، العمل الدؤوب بثقة وتفاؤل من أجل وضع المغرب على سكة القرن الواحد والعشرين. فلا غرو أن يستحضر الشعب المغربي38 سنة ، تولى خلالها جلالة المغفور له الحسن الثاني مقاليد الحكم، وحرص خلالها على بناء دولة عصرية، تتوفر على المؤسسات الضامنة لوحدتها واستقلالها، والهياكل والأجهزة الكفيلة باستمرارها ونموها، وتدبير شؤونها. فلم يتوان جلالة المغفور له الحسن الثاني منذ توليه العرش في ثالث مارس1961 ، عن القيام بمنجزات كبرى على المستويين الاقتصادي والترابي لبناء المغرب المزدهر. ففي مجال استكمال الوحدة الترابية، أبدع جلالته أهم حدث سياسي عرفه المغرب الحديث والمتمثل في استرجاع صحرائه من يد الاستعمار الإسباني، حيث أعلن جلالته عن تنظيم مسيرة خضراء مظفرة في اتجاه الأقاليم الصحراوية لحمل السلطات الإسبانية على الجلاء عن الأرض المغربية التي كانت تحتلها منذ1884 . وهي الفكرة التي سارع المغاربة قاطبة إلى التجاوب معها والاستجابة إليها مسجلين بمداد الفخر والعزة ملحمة تاريخية توجت باسترجاع المغرب لسيادته على صحرائه. ومن أهم الإنجازات التي تم تحقيقها في عهد جلالة المغفور له الحسن الثاني في الميدان الاقتصادي، كان إصدار الظهير الشريف المؤرخ بيوم2 مارس1973 والذي وجه لتفعيل عملية مغربة الأطر والقطاعات الحيوية في المجالين الاقتصادي والصناعي. كما عمل جلالته على هيكلة كل القطاعات من أجل الرفع من مردوديتها وخاصة القطاع الفلاحي الذي يعد ركيزة الاقتصاد الوطني، وأولاه اهتماما خاصا تجلى في سياسة تشييد السدود واستصلاح الأراضي الزراعية، وتطوير أساليب الإنتاج، كما اهتم بخلق صناعات تحويلية مرتبطة بالمنتوج الفلاحي، وتسويق تلك المنتجات في الداخل والخارج، فضلا عن إحداث عدد كبير من المؤسسات والمكاتب العمومية للإشراف على مجموعة من القطاعات الاقتصادية والخدماتية ذات الحيوية . وعلى الصعيد الحقوقي، ركزت مقاربة جلالة المغفور له الحسن الثاني لهذا الملف على تدعيم المؤسسات الديمقراطية في البلاد ، وكان لجلالته من الشجاعة السياسية والحكمة وبعد النظر والقدرة على الإنصات لجميع الأصوات المعتملة بالمملكة، ما جعله يحدث لجنة التحكيم المستقلة التي عهد إليها بتدبير الملفات الحقوقية، بالإضافة إلى إحداثه للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في صيغته الأولى كمؤسسة وطنية للنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها.( وبذلك جعل جلالة المغفور له الحسن الثاني من المغرب دولة حديثة فخورة بتراثها وإرثها الحضاري وهويتها العربية والدينية ومنفتحة على العصر وعلى محيطها الإقليمي والدولي، فكان جلالته بحق ملك التحدي لنصرة القضايا المصيرية والقضايا الحقة والعادلة للأمة العربية والإسلامية. أما على الصعيد الدولي، فقد كان للمغفور له الملك الحسن الثاني حضور قوي ومتميز طبعته الحكمة والشجاعة في الحفاظ على المصالح الوطنية والقومية، وفي الدفاع عن القضايا الوطنية والعربية والإسلامية، مبرهنا دائما على أنه رجل الدولة المؤمن بالحوار ، وجاعلا من المملكة المغربية أرض التسامح والتعايش السلمي بين مختلف الديانات والتيارات الفكرية والمعتقدات السياسية. وكذلك أرض اللقاءات الحضارية والثقافية الكبرى. ويعتبر الملك الراحل، في هذا الشأن، أحد قادة الدول العظام في القرن الماضي الذين خلفوا وراءهم إرثا دبلوماسيا ثريا يشكل استلهام تجلياته على المستوين الوطني والدولي دروسا توجيهية لكل دبلوماسية تنشد الحيوية والنجاعة عن طريق تكريس مبادئ السلام والوفاق. وقد أقام الراحل الملك الحسن الثاني علاقات وطيدة مع جل أقطاب السياسة والثقافة في مختلف أنحاء العالم، وكان المغرب من الأعضاء المؤسسين لمجموعة من المنظمات الإقليمية والدولية ومساهما في نجاحها، مثل منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا)، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، واتحاد دول المغرب العربي، ولجنة القدس. وليس أدل على كونه شخصية مشهودا لها عالميا بحكمتها وتبصرها من مشاركة قادة وزعماء العالم في تشييع جنازته ،إضافة إلى عدد كبير من الشخصيات العالمية، واحتشاد المواطنين في مواكب ضخمة لتوديع قائد وطني عظيم، وأحد أبرز قادة العالم العربي والعالم الإسلامي والقارة الإفريقية ودول العالم الثالث، ومن أكثرهم تأثيرا في الأحداث، وإسهاما في الجهود الدولية من أجل إقرار الأمن والسلم في العالم. وبمثل ما كان المغفور له قائدا سياسيا محنكا استطاع أن يرسي أسس الدولة المغربية الحديثة، فإنه كان كذلك رمزا دينيا، وقائدا روحيا، وأميرا للمؤمنين تزكيه النسبة الشريفة إلى البيت العلوي، وسعة اطلاعه على أصول الدين الإسلامي ومصادره وعلومه، وقد كان له الفضل في إحياء مجموعة من السنن الحميدة التي دأب عليها المسلمون ومنها على وجه الخصوص تنظيم الدروس الحسنية التي كانت ولا تزال محجا لأقطاب الفكر الإسلامي من جميع الآفاق، ومن كل المشارب، ومناسبة للحوار بين المذاهب الإسلامية، ودعمه لبناء المساجد بكل أنحاء العالم وخاصة في إفريقيا، وإحداث هياكل تنظيمية لعمل العلماء. وهاهو وارث سره صاحب الجلالة الملك محمد السادس يسير على نفس الدرب مفجرا طاقات المغرب ومبلورا لها في أوراش كبرى اقتصادية واجتماعية تشهدها اليوم مختلف ربوع المملكة.