الصين: ارتفاع في إنتاج ومبيعات السيارات في فبراير 2025    توقعات طقس اليوم الأربعاء بالمغرب    أمن تطوان يجهض عملية تهريب 17 ألف قرص مخدر ويوقف أربعة متورطين    مفتي تونس: عيد الأضحى سُنة مؤكدة ولا يمكن إلغاؤه    أمن ميناء الناظور يحبط محاولة تهريب 26 كيلوغراما من المخدرات كانت متجهة صوب أوربا    باريس سان جيرمان يقصي ليفربول بركلات الترجيح ويتأهل لربع نهائي دوري الأبطال    الملك يزور ضريح جده محمد الخامس    أمطار الخير ترفع مخزون سدود الحوض المائي لأم الربيع إلى 84.5 مليون متر مكعب    دعم إفريقي لترشيح السيدة بوعياش لرئاسة التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان    سان جرمان يتأهل إلى الربع بفوزه على ليفربول بركلات الترجيح    زلزال إداري يهز قطاع التربية الوطنية بعد إعفاء 16 مديرا إقليميا    انطلاق مسابقات تجويد القرآن الكريم في إطار رمضانيات طنجة الكبرى    انهيار مباغت لمنزل بالعكاري في الرباط.. وفاة سيدة واستنفار السلطات    تطوان.. حجز 17 ألفا و 505 من الأقراص الطبية "ريفوتريل" المخدرة وتوقيف أربعة أشخاص    تصوير الأنشطة الملكية.. ضعف الأداء يسيء للصورة والمقام    الحقائق تنتصر والشائعات تتلاشى    اتفاقية شراكة بين وزارة التجارة والصناعة و"التجاري وفا بنك" لتعزيز رقمنة التجار    أنفوغرافيك | المغرب ومؤشر القوة الناعمة العالمية لعام 2025    وهبي يقْسِم أنه لن يعدل المادة 3 من المسطرة الجنائية للتبليغ عن الفساد    الشرقاوي: وكالة بيت المال القدس الشريف نفذت أزيد من 200 مشروعا كبيرا لفائدة المقدسيين منذ إحداثها    إسرائيل تقترح تمديد وقف إطلاق النار بغزة 60 يوما    رئيس الحكومة يترأس اجتماعا لتتبع تنزيل ورش الارتقاء بالمنظومة الصحية    إجراءات وهبي تثير الجدل.. الغلوسي: إعلان غير مباشر عن "حالة استثناء" في المغرب    دوري أبطال أوروبا لكرة القدم.. برشلونة أول المتأهلين إلى ربع النهائي بفوزه على بنفيكا    موكوينا يدخل في صراع مع جماهير الوداد    مغرب الحضارة الضرورة التاريخية : شركات عمومية للأمن الغذائي    أوكرانيا تقبل مقترح أمريكي بشأن هدنة لمدة 30 يومًا    أمطار الخير ترفع مخزون سدود الحوض المائي لأم الربيع إلى 84.5 مليون متر مكعب    فيديو: أمير المؤمنين الملك محمد السادس يترحم على روح المغفور له الملك محمد الخامس    هل الصيام يشفي القلب أم يشكل خطراً عليه؟ اكتشف الحقيقة مع الدكتور حفدي المهدي (فيديو)    جائزة القيادة في النوع الاجتماعي: البنك الدولي يكرم لُبنى غالب، عضو مجلس إدارة مجموعة طنجة المتوسط    مطالب برلمانية بالكشف عن أسباب ارتفاع صادرات زيت الزيتون رغم تراجع الإنتاج    مجلس الحكومة يتدارس مرسوماً متعلقاً ب"طنجة تيك" يوم الخميس    العراق يملك واحدا من أعلى احتياطيات الذهب عربيا ب162طنا    الأداء السلبي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    الناصيري ينفي الإساءة إلى حجيب    تلوث الهواء يطال 14 مدينة هندية    الشابي يشيد بقتالية الرجاء بعد الفوز على النادي المكناسي    صيدلاني يشجع الشك في "الوعود الدعائية" للعقاقير الطبية    علماء: الإكثار من الدهون والسكريات يهدد المواليد بالتوحد    نهضة الزمامرة يعيّن الفرنسي ستيفان نادو مدربًا جديدًا خلفًا لبنهاشم    المسرح يضيء ليالي الناظور بعرض مميز لمسرحية "الرابوز"    بنكيران .. القرار الملكي لا يدخل ضمن الأمور الدينية وإنما رفع للحرج    فتح باب الترشيح للاستفادة من دعم مشاريع النشر والكتاب هذا العام    كيف يؤثر الصيام في رمضان على الصحة ويحسنها؟    تناول السمك يتيح تطور الشخصية الاجتماعية عند الأطفال    قمة ‬جزائرية ‬تونسية ‬ليبية ‬لنسف ‬القمة ‬العربية ‬الطارئة ‬في ‬القاهرة    حتى ‬لا ‬تبقى ‬الخطة ‬العربية ‬الإسلامية ‬لإعمار ‬غزة ‬معطلة ‬    تنظيم الملتقى الأول ل''رمضانيات السماع و المديح للجديدة    الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. من الشعارات الانتخابية إلى محكّ السلطة    الجديدي يفرض التعادل على الحسنية    ‬"وترة" يدخل دور العرض بعد رمضان    شخصيات عربية وإفريقية وأوروبية بارزة تنعى الراحل محمدا بن عيسى    برعاية إبراهيم دياز .. أورنج المغرب تطلق برنامج Orange Koora Talents    ملخص كتاب الإرث الرقمي -مقاربة تشريعي قضائية فقهية- للدكتور جمال الخمار    "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ..؟" !!(1)    الأمازِيغ أخْوالٌ لأئِمّة أهْلِ البيْت    القول الفصل فيما يقال في عقوبة الإعدام عقلا وشرعا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطاب العرش: رؤية متجددة واثقة للنهضة المغربية انطلاقا من مبدأ "الجدية"
نشر في طنجة نيوز يوم 05 - 08 - 2023

إذا كان خطاب العرش 2022 قد ركز على ملفات أساسية في مشاريع الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي المنشود، وعلى رأسها مشروع التغطية الصحية، ومشروع إصلاح بعض بنود مدونة الأسرة، ومشروع المناصفة بين الرجال والنساء، ومشروع النهوض بالاستثمار.فإن خطاب العرش 2023 قد ركز على رسم رؤية متجددة واثقة للتنمية عبر ترسيخ منظومة القيم المغربية، انطلاقا من مبدأ الجدية، هذا المصطلح الذي ذكر مكررا في الخطاب 14 مرة، وهو أسلوب بليغ لم نعهده في الخطب الملكية السامية السابقة، وهو أيضا، من الأساليب الخطابية البلاغية المميزة الأكثر شيوعاً واستخداماً في فن الخطابة.
أولا: فصاحة التكرار في الخطاب
اعتبر ابن منظور 1 أن تكرار كلمة أو جملة أكثر من مرةٍ لمعاني متعددة كالتوكيد، والتهويل، والتعظيم، وغيرها، من الفصاحة.
واعتبر السيوطي رحمه الله: تكرار الكلمة " أبلغ من التأكيد، وهو من محاسن الفصاحة خلافًا لبعض من غلط" 2
كما يعد أسلوب التكرار مظهر من مظاهر الجمال البارزة في الخطاب الملكي السامي، وهو مصدر يدل على المبالغة، وفي الاصطلاح هو أسلوب تعبيري يصور التعظيم، واللفظ المكرر منه هو المفتاح الذي ينشر الضوء على الصورة 3. لذلك فتكرار مصطلح الجدية في الخطاب الملكي السامي 2023 مقصود به الإفهام والترسيخ في الذهن لدى المستمع، وما تكرر إلا إبرازا لأهميته وحرصا على تنزيله وتمثله، قال ابن الجوزي: ((أما إعادة الكلمة لتفهم فلا تعدو ثلاثة أشياء: إما ليفهم معنى اللفظ بإعادته، أو ليتضح اللفظ فينقطع عنه المحتملات، أو لتحفظ فيكون المراد بالفهم الحفظ))
حسن الطويل – أستاذ باحث
ثانيا: مصطلح "الجدية" في خطاب العرش:
ورد مصطلح "الجدية" في خطاب العرش 14 مرة، وبالنظر إلى حجم هذا الورود، وبالتأمل والاهتمام والتبصر العاطفي والعملي حوله بقدر حجم وروده، نستشف دلالة بينة على كونه مصطلحا حاملا لمفهوم أساس في رؤية جلالة الملك حفظه الله التنموية، خاصة بالتأمل في الكلمات والجمل المقرونة به، وبدلالاتها العظيمة والمتنوعة نوردها كالآتي:
"بالجدية" والتفاني في العمل. (التفاني في العمل)
فإننا في حاجة إلى هذه "الجدية"، للارتقاء به إلى مرحلة جديدة. (الارتقاء)
فكلما كانت "الجدية" حافزنا، كلما نجحنا في تجاوز الصعوبات، ورفع التحديات. (الحافز)
وتتجلى "الجدية" كذلك، في مجال الإبداع والابتكار. (الابداع والابتكار)
كما تتجسد "الجدية" عندما يتعلق الأمر بقضية وحدتنا الترابية. (الوحدة الترابية)
فهذه "الجدية" والمشروعية هي التي أثمرت توالي الاعترافات بسيادة المغرب. (سيادة المغرب)
وبنفس "الجدية" والحزم، نؤكد موقف المغرب الراسخ، بخصوص عدالة القضية الفلسطينية. (الحزم/ العدالة)
و"الجدية" يجب أن تظل مذهبنا في الحياة والعمل. (مذهب في الحياة)
"الجدية" في الحياة السياسية والإدارية والقضائية: من خلال خدمة المواطن، واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة. (خدمة المواطن، واختيار الكفاءات، تغليب المصالح العليا، الترفع)
كما أن "الجدية" التي نريدها، تعني أيضا الفاعلين الاقتصاديين، وقطاع الاستثمار والإنتاج والأعمال. (الاستثمار، الإنتاج، الأعمال)
و"الجدية" كمنهج متكامل تقتضي ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص. (المنهج، المسؤولية، المحاسبة، القيم، الحكامة، العمل، الاستحقاق، تكافؤ الفرص)
فإننا في أمس الحاجة إلى "الجدية" وإشاعة الثقة. (الثقة)
أما في مجال تدبير الموارد المائية، الذي يتطلب المزيد من "الجدية" واليقظة. (اليقظة)
في ظل ما يعرفه العالم، من اهتزاز في منظومة القيم والمرجعيات، وتداخل العديد من الأزمات، فإننا في أشد الحاجة إلى التشبث "بالجدية"، بمعناها المغربي الأصيل. (التشبث، المعنى المغربي الأصيل للجدية)
ثالثا : الدراسة المعجمية :
1-مأخذ لفظ "جد "وأصله وما ارتبط به من المعاني في اللغة العربية.
معنى "جد " في اللغة: من المعاني الجميلة التي يكاد يجمع عليها اللغويون في هذا المصطلح والتي تعد من بدائع اللغة العربية: ربطه بالعظمة، والحظ والقطع، قال ابن فارس رحمه الله في مقاييس اللغة: "جد " الجيم والدال أصول ثلاثة: الأول العظمة، والثاني الحظ، والثالث القطع.
فالأول العظمة، قال الله جل ثناؤه إخباراً عمن قال: (وَأَنَّهُ تَعَالَي جَدُّ رَبَّنَا). ويقال جَدَّ الرجُل في عيني أي عظم. قال أنس بن مالك: «كان الرجل إذا قرأ سورة البقرة وآل عمرانَ جَدَّ فينا»، أي عَظُم في صُدورِنا.
والثاني: الغنى والحظ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه «لا ينفع ذا الجد مِنكَ الجد»، يريد لا ينفَعُ ذا الغنى منك غناه، إنما ينفعه العمل بطاعتك. وفلان أجَدُّ من فلان وأحَظَّ منه بمعنى.
والثالث: يقال جَدَدت الشَّيء جَدًّا، وهو مجدود وجديد، أي مقطوع. قال:
أبي حبي سُلَيْمى أَنْ يَبيدا وأمسى حبلُها خَلَقا جديدا
وليس ببعيد أن يكون الجد في الأمر والمبالغة فيه من هذا؛ لأنه يَصْرِمه صريمة ويَعْزِمُه عزيمة. ومن هذا قولك: أجدك تفعل كذا، أي أَجِدًّا منك، أصريمة منك، أعَزيمةً منك. قال الأعشى:
أجدَّكَ لم تسمع وَصاةَ محمد نبي الإله حين أوْصَى وأَشْهَدا
2-الصلة بين المفهوم الاصطلاحي والمعنى اللغوي لمصطلح الجدية.
قال الراغب الأصفهاني: الطريقة الظاهرة، ومنه جادة الطريق، وسمي الفيض الإلهي جداً، قال تعالى: (وأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبَّنا ) [الجن/ 3] أي فيضه، وقيل: عظمته، وهو يرجع إلى الأول، وإضافته إليه على سبيل اختصاصه بملكه.
وعرف مادي 5 وكوباسا (Maddi & Kobasa1984 الجدية في العمل (Hardiness) على أنها سمة من سمات الشخصية الإدارية والتي تساعده في التخلص من الضغوط المهنية وتشتمل على مجال التحدي والتغيير ومجال الالتزام والمشاركة ومجال السيطرة والتحكم.
وتشير الجدية في العمل (Hardiness) كما عرفها كوباسا ومادي (Kobasa and 1999 Maddi) أنها حالة وسطية مهمة من أوضاع الضغط في العمل 6.
بينما أشار كل من مانينج وفوسلير 1999 ,Manning and Fusilier) إلى أن الجدية (Hardiness) تتكون من ثلاثة مفاهيم هي التحكم ( Control ) والالتزام (Commitment) والتحدي (Challenge)
كذلك فإن كوباسا (Kobasa1996) عرف الجدية أنها مقياس لاتجاه الشخص لعمل علاقات مع نفسه ومع العالم الخارجي، وأنها القابلية لفهم الظروف المحيطة بالشخص 7.
أما الجرجاني فيعرف الجدية بالقول: "ضد الهزل والتهاون، والضعف والرخاوة، وهي إنفاذ التكاليف الشرعية والدعوية توًا، مع المثابرة والدأب، وتسخير كل الإمكانات المتاحة لإنجازها، ومغالبة الأعذار والعراقيل التي تعترض سبيلها 8"
انطلاقا مما سبق ومن هذا التعريف، نتلمس عناصر تحقق مبدأ الجدية والمتمثلة في:
المشاركة وسرعة التنفيذ.
العزيمة والقوة والتحدي.
المثابرة والالتزام والدأب.
تسخير كل الإمكانات.
مغالبة الأعذار.
إن كسب رهان الجدية يتطلب استحضار العناصر الخمس أعلاه، من تخطيط وتنظيم ومتابعة وإشراف، بمثابرة والتزام، وتوظيف واستثمار لكل الموارد المتاحة، مع ضمان تنفيذ وفقا للمعايير والخطط، وكذا توزيع للمهام بتحديد المسؤوليات والواجبات والصلاحيات، ومتابعة العمليات والمهام مع كافة المتدخلين، بما يضمن تحقيق الجودة والكفاءة، في الوقت الفعلي المخصص لإنجاز ما هو مطلوب، مع الإرادة وصحة العزيمة، والحرقة وتوهج الشغف، بإنجاح المهام، وبإدراك جيد لقيمة الوقت، والندم على تضييع أي جزء منه، في غير محل العمل المراد القيام به.
رابعا: مجالات الجدية في خطاب العرش:
بالتأمل في الصيغ والدلالات الغنية لخطاب جلالته حفظه الله بمناسبة الذكرى 24 لاعتلاء العرش، وبقراءة فاحصة ودقيقة للجمل المتضمنة لمصطلح "الجدية"، نصنف الحديث عنها للمجالات الآتية:
أعتقد جازما، انطلاقا من قراءتي الأولية هذه، لخطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، بمناسبة الذكرى 24 لاعتلائه عرش أسلافه الميامين، أن خطاب العرش، يؤسس لرؤية متجددة واثقة لنهضة مغربية، تنطلق من إنجازات ملموسة لجلالته، في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، يصعب حصرها، غيرت تماما من وجه المملكة المغربية ووضعتها في مسار التقدم والنهوض والازدهار، وهي، بلاشك، تعود للتلاحم الدائم، والتجاوب التلقائي، بين العرش والشعب. وبخصال الصدق والتفاؤل، وبالتسامح والانفتاح، والاعتزاز بالتقاليد العريقة، وبالهوية الوطنية الموحدة التي تميز المغاربة، وإن التسلح بمبدأ الجدية سيجعل مملكتنا الشريفة ترتقي إلى مرحلة جديدة في طريق النهضة والازدهار كما أكد جلالته في الخطاب ((فإننا في حاجة إلى هذه الجدية، للارتقاء به إلى مرحلة جديدة، وفتح آفاق أوسع من الإصلاحات والمشاريع الكبرى، التي يستحقها المغاربة)).
الهوامش:
1 / ابن منظور لسان العرب: 5/135
2 / السيوطي الإتقان في علوم القرآن: 3/280، طبعة مؤسسة النداء
3 / عز الدين علي السيد، التكرير بين المثير والتأثير، 1978 م ص:136 / عن مجلة فكر صحيفة أدبية ثقافية عامة تصدرها مؤسسة الفكر للثقافة والإعلام
4 / كشف المشكل من حديث الصحيحين 3/279
5 / مؤسس مفاهيم الجدية في العمل ومؤسس معهد الجدية في العمل عام 1975 (الجدية في العمل وعلاقتها بالرضا الوظيفي) أطروحة ما جستير في الإدارة التربوية كلية الدراسات التربوية العليا جامعة النجاح، نابلس، فلسطين 2006 .
6 / المصدر السابق
7 / المصدر السابق
8 / الجرجاني علي بن محمد بن علي المتوفى (816 ه) كتاب التعريفات (1/74) الناشر: دار الكتب العلمية يروت، لبنان، الطبعة الأولى :1403 ه 1983 م .
إذا كان خطاب العرش 2022 قد ركز على ملفات أساسية في مشاريع الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي المنشود، وعلى رأسها مشروع التغطية الصحية، ومشروع إصلاح بعض بنود مدونة الأسرة، ومشروع المناصفة بين الرجال والنساء، ومشروع النهوض بالاستثمار.فإن خطاب العرش 2023 قد ركز على رسم رؤية متجددة واثقة للتنمية عبر ترسيخ منظومة القيم المغربية، انطلاقا من مبدأ الجدية، هذا المصطلح الذي ذكر مكررا في الخطاب 14 مرة، وهو أسلوب بليغ لم نعهده في الخطب الملكية السامية السابقة، وهو أيضا، من الأساليب الخطابية البلاغية المميزة الأكثر شيوعاً واستخداماً في فن الخطابة.
أولا: فصاحة التكرار في الخطاب
اعتبر ابن منظور أن تكرار كلمة أو جملة أكثر من مرةٍ لمعاني متعددة كالتوكيد، والتهويل، والتعظيم، وغيرها، من الفصاحة.
واعتبر السيوطي رحمه الله: تكرار الكلمة " أبلغ من التأكيد، وهو من محاسن الفصاحة خلافًا لبعض من غلط"
كما يعد أسلوب التكرار مظهر من مظاهر الجمال البارزة في الخطاب الملكي السامي، وهو مصدر يدل على المبالغة، وفي الاصطلاح هو أسلوب تعبيري يصور التعظيم، واللفظ المكرر منه هو المفتاح الذي ينشر الضوء على الصورة. لذلك فتكرار مصطلح الجدية في الخطاب الملكي السامي 2023 مقصود به الإفهام والترسيخ في الذهن لدى المستمع، وما تكرر إلا إبرازا لأهميته وحرصا على تنزيله وتمثله، قال ابن الجوزي: ((أما إعادة الكلمة لتفهم فلا تعدو ثلاثة أشياء: إما ليفهم معنى اللفظ بإعادته، أو ليتضح اللفظ فينقطع عنه المحتملات، أو لتحفظ فيكون المراد بالفهم الحفظ))
ثانيا: مصطلح "الجدية" في خطاب العرش:
ورد مصطلح "الجدية" في خطاب العرش 14 مرة، وبالنظر إلى حجم هذا الورود، وبالتأمل والاهتمام والتبصر العاطفي والعملي حوله بقدر حجم وروده، نستشف دلالة بينة على كونه مصطلحا حاملا لمفهوم أساس في رؤية جلالة الملك حفظه الله التنموية، خاصة بالتأمل في الكلمات والجمل المقرونة به، وبدلالاتها العظيمة والمتنوعة نوردها كالآتي:
"بالجدية" والتفاني في العمل. (التفاني في العمل)
فإننا في حاجة إلى هذه "الجدية"، للارتقاء به إلى مرحلة جديدة. (الارتقاء)
فكلما كانت "الجدية" حافزنا، كلما نجحنا في تجاوز الصعوبات، ورفع التحديات. (الحافز)
وتتجلى "الجدية" كذلك، في مجال الإبداع والابتكار. (الابداع والابتكار)
كما تتجسد "الجدية" عندما يتعلق الأمر بقضية وحدتنا الترابية. (الوحدة الترابية)
فهذه "الجدية" والمشروعية هي التي أثمرت توالي الاعترافات بسيادة المغرب. (سيادة المغرب)
وبنفس "الجدية" والحزم، نؤكد موقف المغرب الراسخ، بخصوص عدالة القضية الفلسطينية. (الحزم/ العدالة)
و"الجدية" يجب أن تظل مذهبنا في الحياة والعمل. (مذهب في الحياة)
"الجدية" في الحياة السياسية والإدارية والقضائية: من خلال خدمة المواطن، واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة. (خدمة المواطن، واختيار الكفاءات، تغليب المصالح العليا، الترفع)
كما أن "الجدية" التي نريدها، تعني أيضا الفاعلين الاقتصاديين، وقطاع الاستثمار والإنتاج والأعمال. (الاستثمار، الإنتاج، الأعمال)
و"الجدية" كمنهج متكامل تقتضي ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص. (المنهج، المسؤولية، المحاسبة، القيم، الحكامة، العمل، الاستحقاق، تكافؤ الفرص)
فإننا في أمس الحاجة إلى "الجدية" وإشاعة الثقة. (الثقة)
أما في مجال تدبير الموارد المائية، الذي يتطلب المزيد من "الجدية" واليقظة. (اليقظة)
في ظل ما يعرفه العالم، من اهتزاز في منظومة القيم والمرجعيات، وتداخل العديد من الأزمات، فإننا في أشد الحاجة إلى التشبث "بالجدية"، بمعناها المغربي الأصيل. (التشبث، المعنى المغربي الأصيل للجدية)
ثالثا : الدراسة المعجمية :
1-مأخذ لفظ "جد "وأصله وما ارتبط به من المعاني في اللغة العربية.
معنى "جد " في اللغة: من المعاني الجميلة التي يكاد يجمع عليها اللغويون في هذا المصطلح والتي تعد من بدائع اللغة العربية: ربطه بالعظمة، والحظ والقطع، قال ابن فارس رحمه الله في مقاييس اللغة: "جد " الجيم والدال أصول ثلاثة: الأول العظمة، والثاني الحظ، والثالث القطع.
فالأول العظمة، قال الله جل ثناؤه إخباراً عمن قال: (وَأَنَّهُ تَعَالَي جَدُّ رَبَّنَا). ويقال جَدَّ الرجُل في عيني أي عظم. قال أنس بن مالك: «كان الرجل إذا قرأ سورة البقرة وآل عمرانَ جَدَّ فينا»، أي عَظُم في صُدورِنا.
والثاني: الغنى والحظ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه «لا ينفع ذا الجد مِنكَ الجد»، يريد لا ينفَعُ ذا الغنى منك غناه، إنما ينفعه العمل بطاعتك. وفلان أجَدُّ من فلان وأحَظَّ منه بمعنى.
والثالث: يقال جَدَدت الشَّيء جَدًّا، وهو مجدود وجديد، أي مقطوع. قال:
أبي حبي سُلَيْمى أَنْ يَبيدا وأمسى حبلُها خَلَقا جديدا
وليس ببعيد أن يكون الجد في الأمر والمبالغة فيه من هذا؛ لأنه يَصْرِمه صريمة ويَعْزِمُه عزيمة. ومن هذا قولك: أجدك تفعل كذا، أي أَجِدًّا منك، أصريمة منك، أعَزيمةً منك. قال الأعشى:
أجدَّكَ لم تسمع وَصاةَ محمد نبي الإله حين أوْصَى وأَشْهَدا
2-الصلة بين المفهوم الاصطلاحي والمعنى اللغوي لمصطلح الجدية.
قال الراغب الأصفهاني: الطريقة الظاهرة، ومنه جادة الطريق، وسمي الفيض الإلهي جداً، قال تعالى: (وأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبَّنا ) [الجن/ 3] أي فيضه، وقيل: عظمته، وهو يرجع إلى الأول، وإضافته إليه على سبيل اختصاصه بملكه.
وعرف مادي 5 وكوباسا (Maddi & Kobasa1984 الجدية في العمل (Hardiness) على أنها سمة من سمات الشخصية الإدارية والتي تساعده في التخلص من الضغوط المهنية وتشتمل على مجال التحدي والتغيير ومجال الالتزام والمشاركة ومجال السيطرة والتحكم.
وتشير الجدية في العمل (Hardiness) كما عرفها كوباسا ومادي (Kobasa and 1999 Maddi) أنها حالة وسطية مهمة من أوضاع الضغط في العمل.
بينما أشار كل من مانينج وفوسلير 1999 ,Manning and Fusilier) إلى أن الجدية (Hardiness) تتكون من ثلاثة مفاهيم هي التحكم ( Control ) والالتزام (Commitment) والتحدي (Challenge)
كذلك فإن كوباسا (Kobasa1996) عرف الجدية أنها مقياس لاتجاه الشخص لعمل علاقات مع نفسه ومع العالم الخارجي، وأنها القابلية لفهم الظروف المحيطة بالشخص.
أما الجرجاني فيعرف الجدية بالقول: "ضد الهزل والتهاون، والضعف والرخاوة، وهي إنفاذ التكاليف الشرعية والدعوية توًا، مع المثابرة والدأب، وتسخير كل الإمكانات المتاحة لإنجازها، ومغالبة الأعذار والعراقيل التي تعترض سبيلها"
انطلاقا مما سبق ومن هذا التعريف، نتلمس عناصر تحقق مبدأ الجدية والمتمثلة في:
المشاركة وسرعة التنفيذ.
العزيمة والقوة والتحدي.
المثابرة والالتزام والدأب.
تسخير كل الإمكانات.
مغالبة الأعذار.
إن كسب رهان الجدية يتطلب استحضار العناصر الخمس أعلاه، من تخطيط وتنظيم ومتابعة وإشراف، بمثابرة والتزام، وتوظيف واستثمار لكل الموارد المتاحة، مع ضمان تنفيذ وفقا للمعايير والخطط، وكذا توزيع للمهام بتحديد المسؤوليات والواجبات والصلاحيات، ومتابعة العمليات والمهام مع كافة المتدخلين، بما يضمن تحقيق الجودة والكفاءة، في الوقت الفعلي المخصص لإنجاز ما هو مطلوب، مع الإرادة وصحة العزيمة، والحرقة وتوهج الشغف، بإنجاح المهام، وبإدراك جيد لقيمة الوقت، والندم على تضييع أي جزء منه، في غير محل العمل المراد القيام به.
رابعا: مجالات الجدية في خطاب العرش:
بالتأمل في الصيغ والدلالات الغنية لخطاب جلالته حفظه الله بمناسبة الذكرى 24 لاعتلاء العرش، وبقراءة فاحصة ودقيقة للجمل المتضمنة لمصطلح "الجدية"، نصنف الحديث عنها للمجالات الآتية:
المجال
الصيغ الواردة في خطاب العرش
السيادة والوحدة الترابية
كما تتجسد "الجدية" عندما يتعلق الأمر بقضية وحدتنا الترابية.
القيم والأصالة المغربية
في ظل ما يعرفه العالم، من اهتزاز في منظومة القيم والمرجعيات، وتداخل العديد من الأزمات، فإننا في أشد الحاجة إلى التشبث "بالجدية"، بمعناها المغربي الأصيل
العمل وخدمة الوطن
"بالجدية" والتفاني في العمل.
فإننا في حاجة إلى هذه "الجدية"، للارتقاء به إلى مرحلة جديدة.
التنمية البشرية
فكلما كانت "الجدية" حافزنا، كلما نجحنا في تجاوز الصعوبات، ورفع التحديات.
و"الجدية" يجب أن تظل مذهبنا في الحياة والعمل.
فإننا في أمس الحاجة إلى "الجدية" وإشاعة الثقة
الحياة السياسية والإدارية والقضائية
"الجدية" في الحياة السياسية والإدارية والقضائية: من خلال خدمة المواطن، واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة.
الاقتصاد والاستثمار وريادة الأعمال
كما أن "الجدية" التي نريدها، تعني أيضا الفاعلين الاقتصاديين، وقطاع الاستثمار والإنتاج والأعمال.
الحكامة والتدبير
و"الجدية" كمنهج متكامل تقتضي ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص.
أما في مجال تدبير الموارد المائية، الذي يتطلب المزيد من "الجدية" واليقظة.
القضية الفلسطينية
وبنفس "الجدية" والحزم، نؤكد موقف المغرب الراسخ، بخصوص عدالة القضية الفلسطينية.
أعتقد جازما، انطلاقا من قراءتي الأولية هذه، لخطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، بمناسبة الذكرى 24 لاعتلائه عرش أسلافه الميامين، أن خطاب العرش، يؤسس لرؤية متجددة واثقة لنهضة مغربية، تنطلق من إنجازات ملموسة لجلالته، في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، يصعب حصرها، غيرت تماما من وجه المملكة المغربية ووضعتها في مسار التقدم والنهوض والازدهار، وهي، بلاشك، تعود للتلاحم الدائم، والتجاوب التلقائي، بين العرش والشعب. وبخصال الصدق والتفاؤل، وبالتسامح والانفتاح، والاعتزاز بالتقاليد العريقة، وبالهوية الوطنية الموحدة التي تميز المغاربة، وإن التسلح بمبدأ الجدية سيجعل مملكتنا الشريفة ترتقي إلى مرحلة جديدة في طريق النهضة والازدهار كما أكد جلالته في الخطاب ((فإننا في حاجة إلى هذه الجدية، للارتقاء به إلى مرحلة جديدة، وفتح آفاق أوسع من الإصلاحات والمشاريع الكبرى، التي يستحقها المغاربة)).
الهوامش:
1 / ابن منظور لسان العرب: 5/135
2 / السيوطي الإتقان في علوم القرآن: 3/280، طبعة مؤسسة النداء
3 / عز الدين علي السيد، التكرير بين المثير والتأثير، 1978 م ص:136 / عن مجلة فكر صحيفة أدبية ثقافية عامة تصدرها مؤسسة الفكر للثقافة والإعلام
4 / كشف المشكل من حديث الصحيحين 3/279
5 / مؤسس مفاهيم الجدية في العمل ومؤسس معهد الجدية في العمل عام 1975 (الجدية في العمل وعلاقتها بالرضا الوظيفي) أطروحة ما جستير في الإدارة التربوية كلية الدراسات التربوية العليا جامعة النجاح، نابلس، فلسطين 2006 .
6 / المصدر السابق
7 / المصدر السابق
8 / الجرجاني علي بن محمد بن علي المتوفى (816 ه) كتاب التعريفات (1/74) الناشر: دار الكتب العلمية يروت، لبنان، الطبعة الأولى :1403 ه 1983 م .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.