تظاهر أزيد من مليون شخص في أنحاء فرنسا الخميس، فيما تعطلت حركة النقل بالقطارات وأغلقت مدارس في باريس في سياق إضرابات واحتجاجات واسعة على مشروع الرئيس إيمانويل ماكرون لإصلاح نظام التقاعد. ويواجه المشروع الإصلاحي، وفي مقدمته بند رفع سن التقاعد من 62 عاما إلى 64 عاما، اعتراضا من جبهة نقابية موحدة، بالإضافة إلى نقمة كبيرة لدى الرأي العام وفق الاستطلاعات. وأحصت وزارة الداخلية الفرنسية مساء الخميس 1.12 مليون متظاهر في عموم البلاد، من بينهم 80 ألفا في العاصمة باريس، فيما تحدثت نقابة "سي جي تي" (CGT) عن "أكثر من مليوني" متظاهر. وجرت أكثر من 200 تظاهرة في باريس ومناطقها، وتمت بهدوء باستثناء بعض المواجهات في العاصمة ومدينتي ليون (شرق) ورين (غرب). وفي مستهل المسيرة بباريس، قال الأمين العام للاتحاد الديمقراطي الفرنسي للعمل لوران بيرجيه إن التعبئة "تجاوزت توقعاتنا". وتعليقا على مشروع تمديد سن التقاعد، أكدت مُدرسة تدعى مانون مارك في باريس رفضها للإصلاح، قائلة "أرى أنهم يسخرون منا. إنهم لا يعرفون ما يعني أن يعمل شخص ما حتى سن 64 عاما في هذه الظروف". ومن المقرر تنظيم يوم تعبئة جديد في 31 يناير/كانون الثاني الجاري، وهو موعد توافقت حوله أكبر ثماني نقابات فرنسية خلال اجتماع لها بعد تظاهرة باريس، وفق مصادر نقابية عدة. إضرابات متواصلة ويتزامن هذا الحراك مع تواصل الإضرابات في أكثر من قطاع، حيث خفض العاملون في "شركة كهرباء فرنسا" العامة من إنتاج الكهرباء ليصل على الأقل إلى ما يعادل ضعف استهلاك باريس من الإنتاج الكهربائي. كما سجّل فرع الاتحاد العام للمصافي في مجموعة "توتال إنرجي" إضراب 70-100% من العمال في معظم فروع المجموعة. وكان الإضراب ملموسا جدا في وسائل النقل، مع عدم تسيير أي قطار بين المناطق وتشغيل عدد قليل من القطارات الفائقة السرعة، وحرمان قسم كبير من ضواحي باريس من سهولة النقل. وطلبت هيئة الطيران المدني من شركات الطيران الخميس إلغاء 20% من رحلاتها من مطار باريس أورلي، بسبب إضراب المراقبين الجويين. كما لفت "الاتحاد النقابي الموحد" للمدرّسين في فرنسا إلى إضراب 70% من المعلمين في المدارس الابتدائية، و65% في المدارس المتوسطة والثانوية. ويتوقع مراقبون في حال كان الحراك الاجتماعي شاملا وطويلا، أن يضعف ذلك حزب إيمانويل ماكرون، خصوصا أنه لا يملك أغلبية في الجمعية الوطنية. ويشكل مشروع تعديلات نظام التقاعد محطة مهمة بالنسبة للرئيس الفرنسي في ولايته الثانية. ويأتي هذا الاختبار السياسي لماكرون، الذي لا يزال يُبقي نفسه بعيدا عن المواجهة المباشرة ويترك رئيسة الوزراء إليزابيث بورن في الواجهة، في سياق اقتصادي واجتماعي متوتر. ومن برشلونة التي زارها الخميس لتوقيع معاهدة فرنسية إسبانية، أمل ماكرون أن تتم التظاهرات "من دون إزعاج" للفرنسيين، مكررا الدفاع عن مشروعه الذي "تمت المصادقة عليه بديمقراطية"، وفق تعبيره. ويعاني الفرنسيون تضخما بلغ معدله 5.2% عام 2022، في بلد سبق أن هزّته تظاهرات "السترات الصفر" احتجاجا على غلاء المعيشة في ولاية ماكرون الأولى.