"إنها بداية نهاية البام". بهذه العبارة علق أحد قياديي العدالة و التنمية على التحاق عمدة طنجة السابق سمير عبد المولى بحزب المصباح، واستقالته من عضوية المكتب الوطني للأصالة و المعاصرة، فيما اعْتُبِرَ ضربة موجعة للحزب و تنسيقيته بجهة طنجة- تطوان، وخصوصا إذا تأكدت الأنباء التي تفيد انضمام قياديين من أحزاب أخرى و الذين يشغلون مناصب وازنة إلى صفوف أصدقاء بن كيران، المنافس الشرس للبام الحزب القوي، أو حزب الرجل القوي، الذي كان بالأمس قبلة لكل راغب في تجنب الضغوط و النفوذ السلطوية، والتقرب إلى دوائر القرار، و الدخول إلى عالم السياسة من أوسع الأبواب، عبر انتخابات تعلم قيادته جيدا كيف تدار. في خضم هذه الزوبعة السياسية، تعود بنا الذاكرة إلى شهر أكتوبر من السنة الماضية، حينما قدم سمير عبد المولى استقالته من منصب عمودية طنجة، بعدما استحال استمراره على رأس المجلس الجماعي، في مواجهة عواصف من الانتقادات اللاذعة لشخصه و أدائه و أداء مكتبه، والعراقيل التي عرفتها جل إن لم نقل كل الدورات التي عقدت في عهده سواء برئاسته أو أحد من نوابه.
كما نتدكر أيضا كيف هنأ الأمين العام لحزب الأصالة و المعاصرة الشيخ بيد الله عبد المولى على شجاعته باتخاذ قرار الاستقالة، و كم كان كريما في و صفه بكل ما أوتيت خزانته اللغوية من المصطلحات التي تفيد البطولة و النزاهة و المحارب الشجاع ذو المبادئ الراسخة...في كلمته التي ألقاها بحضور العمدة المستقيل خلال اجتماع لبرلمانيي الحزب بأفورار حول مدارسة القانون المالي لسنة 2011، فيما اتضح اليوم أنها لم تكن سوى مسرحية تم إخراجها "بحكامة جيدة" لجبر خاطره ليس إلا،بعد تجنيب تنسيقية الحزب بالجهة صراعات داخلية كانت محتملة، وحفاظها على منصب رئيس المجلس بتولي بَامِيٍّ آخر، مُهِّدَتْ كل الطرق ليكون فؤاد العماري المنسق الجهوي، وما يؤكد ذلك هو عدم تجاوز الأمرمن طرف السي سمير- كما كان يحلو للمصباحيين أن ينادونه- حيث انتظر الفرصة السانحة لرد الدين، و توجيه صفعة لم تكن متوقعة، خصوصا وأنها أتت في ظرف لا يحسد عليه أصدقاء الأمس، في ظل التشتت الذي يعاني منه مكتبهم الحالي، الذي بات خارج تغطية النصاب القانوني لعقد دورة فبراير للحساب الإداري، بخطة نسب تدبيرها إليه وإلا بعض الأعضاء، فيما أصبح يعرف بالحركة التصحيحية التي يقوم بها تحالف من ألوان حزبية مختلفة، وهذا دليل آخر على مستوى الحنق الذي صار عليه عبد المولى منذ أن استقال أو أجبر على الاستقالة من على رأس قصر المدينة بطريقة ممنهجة.
غريبة هي هذه السياسة، وسرها - كما قال الشاعر- مُطَلْسَمٌ. فبالأمس كان السي سمير في عيون أهل المصباح شابا عديم الخبرة، متهاونا في تدبيره، معجبا بنفسه وبربطة عنقه الحمراء... وكثيرة هي العبارات التي أسمعوه إياها خلال اجتماعات المجلس القليلة التي حضرها، واليوم يستقبلونه بالأحضان و يهللون بانضمامه إلى صفوفهم في ازدواجية غريبة، لا يجد لها المتتبع للشأن المحلي إلا تفسيرا واحدا، وهو أن المصلحة الذاتية تبيح التحالف ولو مع الشيطان، ضاربين عرض الحائط بكل الشعارات والمبادئ . وهكذا يكون العدالة و التنمية قد ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، فمن جهة استطاع أن يحدث شرخا واضحا بهيكل الجرار من المتوقع أن يؤثر على مساره خلال الأيام المقبلة، خصوصا إذا صدقت الإشاعات التي تفيد نية الدولة في كبح جماحه، وإبعاد مؤسسه عن دائرة الضوء بتعيينه سفيرا بإحدى الدول العربية. ومن جهة ثانية الاستفادة من شعبية عبد المولى التي باتت تكبر في الآونة الأخيرة، بعدما صار الناس يتحصرون على أيامه، كونه المتبني لفكرة طرد أمانديس من طنجة. ومن جهة ثالثة، نسف ميثاق الحكامة الجيدة الذي تطلب الإعلان عنه الانتقال الفوري لقيادات الحلف الثلاثي بكل ثقلهم- الجرار، الحصان و الحمامة- إلى مدينة طنجة لتوزيع غنيمة المكتب قبل أن يلتهمها غيرهم من السنابل و المصابيح و من معهم. فما مصير المجلس الجماعي يا ترى في ظل هذه المتغيرات؟ لا شك أن الأيام القليلة القادمة كفيلة بكشف ما يهيأ بداخل مطبخ حركة الغاضبين التصحيحية، خصوصا و أنها أفلحت في تجريد المكتب من أغلبيته و محاولة العودة به إلى نقطة الصفر،و في انتظار ذلك،تظل انتظارات ساكنة طنجة و كالعادة معلقة حتى إشعار آخر.