: على مساحة واسعة من ساحة القصبة، إحدى أهم قلاع المدينة العتيقة لطنجة، وضمن مجموعة مباني أثرية ما زالت تقاوم عوادي الزمن وسياسة الإهمال، بناية تاريخية، يبدو من خلال مشهدها أنها عبارة عن منشأة سجنية قديمة، ما زالت منتصبة إلى يومنا هذا في نفس المكان الذي تم تشييدها فوقه، مصرة على تذكير زوار وأبناء طنجة، بحقبة مهمة من تاريخ هذه المدينة، مليئة بالأسرار والحكايات بين جدرانها. من بين مصرعي بابها الواسع، الذي ما يزال يلفت أنظار زوار ساحة القصبة، دخل إلى هذه البناية أشخاص كثيرون وخرج منه كثيرون، بينما قضى آخرون نحبهم وسط غياهيب هذا السجن الذي تم إنشاؤه في عهد الباشا أبي العباس أحمد بن علي الريفي، حاكم طنجة ومنطقة شمال المغرب منذ سنة 1720، وكل هؤلاء الذين وطئوا أرضية هذه البناية في مراحل مختلفة، كانوا يشكلون فئة المعارضين للحكم المخزني في فترة مغرب السيبة ومغرب المخزن. وحسب المعلومات التاريخية المتوفرة، فإنه عندما تولى الباشا أحمد علي الريفي حكم طنجة، عارضته بعض القوى في القبائل الجبلية وبعض القوى التي كانت حاكمة في مدينة تطوان، فلم يكن من الباشا إلا أن واجه تمرد هذه القوى بالنار والحديد، ومن بينها حديد زنازين سجن القصبة، ويشرح الأستاذ المؤرخ رشيد العفاقي أن هذا السجن ظل إلى غاية القرن التاسع عشر معروفا بأنه محبس للثوار والمعارضين، خاصة قبل فترة الحماية، كما أنه ظل مستعملا أيضا خلال فترات من الحقبة الدولية لطنجة. ويوضح العفاقي في تصريح ل"طنجة 24" متحدثا عن هذه المعلمة، أن "الجرائد الصادرة بطنجة باللغتين الاسبانية والإنجليزية، وكذلك الرسائل السلطانية والمخزنية، تحدثت عن الكثير من رجال القبائل الذين أودعوا هذا السجن لتمردهم على الحكم المخزني". غياب السجلات الخاصة بهذا السجن، حسب العفاقي، يحول دون معرفة فترات مهمة من تاريخ المدينة والمنطقة، فالعثور على هذه السجلات من شأنه أن يكشف عن تفاصيل فترة تاريخية مهمة من تاريخ هذه المنشأة التي تعتبر في جميع الأحوال ذات دور مهم في تاريخ مدينة طنجة في زمن السلم وفي زمن الحرب، مع العلم أن كل سجن له سجل خاص بهويات من دخلوه ومن خرجوا منه أو شغلوا وظائف ومهام فيه، ومعظمهم شخصيات بارزة سواء في المعارضة أو الحكم. ثلاث مائة سنة، هي عمر سجن القصبة الذي يختزل بين جدرانه تفاصيل أحداث تاريخية مهمة، غير أن هذا لم يشفع له أن ينال ما يستحقه من عناية، فهو معلمة أثرية بكل المقاييس والمواصفات، لذا فإنه من المفروض حسب الأستاذ رشيد العفاقي، أن يتم الاعتناء بمبناه من خلال الاحتفاظ بمرافقه الأصلية ترميما وصيانة، وأيضا عناية ببعض الأدوات المستعملة في السجن والتجهيزات التي كان يتوفر عليها، لكن الجهات التي تتولى مهمة المحافظة على الاثار لم تولي عناية كافية لهذه المعلمة، وتٌرك وحيدا يصارع عوامل التعرية الزمنية بين أرواح وأشباح من سكنوه في يوم ما.