يا إخوتي الكرام (واللئام) جاءنا المطر وأقفل.. بشر الصابرين بأن آلام الظهر والمفاصل والروماتيزم إلى زوال، مادام القرص في كبد السماء، يستعر، ويرسل خيوطه الحارقة، عمودياً، على البسيطة.. بسيطة، هذه المسألة.. أضيف، أخصم، أقسم، ثم أضرب الخماسي في السداسي، وها هي النتيجة واضحة، وضوح الشمس في كبد السماء، تستعر، وترسل خيوطها الحارقة، عمودياً، على البسيطة.. وأبسط منها، هذا البساط (الحصير) في باب الدار، تحت شجرة الصفصاف الباسقة، تنشر ظلالها على المكان الذي كان.. في الربوة.. في المدشر القديم الذي دخله شر في لبوس المنفعة ونزع منه خيراً كثيراً.. لا يزال في الذاكرة تصميماً مسجلاً محفوظاً.. والبراد المعدن يتوسط، في شموخ جدنا الأول، كؤوس "الحياتي".. والصينية والنية والوجوه الحسنة، والحياة البسيطة، بساطة هذه المسألة.. أضيف، أخصم، أقسم، ثم أضرب الخماسي في السداسي، والنتيجة واضحة.. صيف وحر وعطلة للجميع، على مسافة، تطول أو تقصر، من البحر.. بحرنا الذي أخذ يبعد.. يبعد.. حتى صار مجرد صورة في جدار قصي لبحر ركين في بؤبؤ العين المجردة.. والبصر حسير.. عند الامتحان: الممتحن يعزّ أو يهزّ.. الله يبقي الستر والسلام.. حتى يذهب الصيف وتنقضي العطلة، وهاك على العمل والكد والاجتهاد وما يأتي منه.. أكل وشرب ونوم، حتى يمر الموكب الرسمي ويبشرنا بغد أفضل، فيه الخبز المدهون، ودع الخبز الحافي لمن أعطاهم الله أسنان الفولاذ ولم يرزقهم ما يكفي من الفول.. والله لا يجعل كل أيامنا صيفاً ولبناً وفولاً وأسنان منشار تأكل في الغدو والآصال، حتى يستقر الزئبق في المحرار وتنزل درجة سخونة الرأس، في عز الصيف، نكاية في الربيع المزعوم الذي لم نجن منه سوى مزيد من الفل، بينما حاجتنا إلى الفول (بواوها) أشد وأبقى من حاجتنا إلى الفل والياسمين، تقول نشرة أخبار الظهيرة، للأطياف التي لم يكتب لها أن تتغنى بوردة في خيالي.. آه يا صاحبي يا ظلي المنحسر.. كم هي شاقة وملتوية هذه الطريق التي انوجدنا فيها صدفة.. ويحسبها الأوغاد عنوة.. وما كنا لها راكبين لولا الداء والأعداء.. والله يبقينا على قيد القوة والعنفوان حتى نخرج منها رافعين راية النصر والعفو العافية.. وبعدها توبة ولا أوبة.. أنفقنا وقتاً طويلاً، لا يقدر بثمن، في محاربة طواحين الهواء، كما قالت فاطمة (فاطمة من؟).. وبددنا جهداً، لا يقاس بمقياس الترقي، في الزحمة وصخب الأصوات المتضاربة.. تلقينا الكثير من السهام واللسعات، لكننا كبدنا الخصم ما يكفيه من الخسارات، وجهنا له من الضربات بالقدر الذي وجه إلينا، ولم يكن لنا ما نخسره، سوى تلك الأوقات المنقوصة من رصيدنا في الحياة.. كم فاتنا من لحظات صحبة كتاب أو في حضرة فنان أو في خلاء خال من الدخلاء.. كم فاتنا من فيروزيات وكلثوميات وصلوات في السحر، وكان السهاد يتربص بنا في تلك الليالي الطويلة التي مرت كفصول في الجحيم.. يا صاحبي يا ظلي الذي لا يفارقني حتى في الظلام، ها صوت الناي الحزين يدعونا إلى سهر خارج الجلبة.. تكفينا قطرة ماء، من شعر عبد الكريم الطبال، نغرق نفسينا فيها، أنت وأنا، "كي نرى شمس العشق".. كم هي واسعة أرض الله.. في الجبل كما في الشعر.. عضدني، يا صاحبي، ولنقتفي أثر قبرة تدلنا على طريق الربيع.. ربيع الفل والياسمين ووردة في خيالي.. - نلتقي !