مرت سنتان ونصف أو كادت عن الفوز الكاسح لحزب العدالة والتنمية بانتخابات 25 نوبر 2011، وهو الفوز الذي خلق آمالا عريضة في نفوس الشعب المغربي الذي راهن كثيرا على هذا الحزب من أجل تنزيل شعاراته بمحاربة الفساد والمفسدين التي أطلق لها العنان في تلك المرحلة المفصلية من تاريخ المغرب، وكان الحزب حينها مزهوا بعذريته السياسية وهو القادم إلى سدة الحكم على ظهر موجة الحراك الشعبي التي قادتها حركة 20 فبراير. دخل بنكيران إذا إلى رحاب المشور السعيد رئيسا للحكومة، مسنودا بوثيقة دستورية ضمنت له صلاحيات واختصاصات لم يحلم بها سابقوه من الوزراء الأولين، واعتقد المغاربة أنهم منحوا صوتهم أخيرا لحزب لن يخذلهم، خاصة مع توالي التصريحات النارية لبنكيران حول عدم التساهل مع الفساد والإفساد، وتأكيد التزاماته بكون عهد الريع والامتيازات والمحسوبية والرشوة قد ولى إلى غير رجعة. يحق لنا اليوم بعد كل هاته المدة التي قضاها بنكيران وجماعته في سدة الحكم أن نتساءل عن حصيلة تنزيل شعار محاربة الفساد والإفساد؟... عند الإعلان عن التحالف الحكومي في نسخته الأولى، هلل بنكيران وطبّل وزمّر ثم طبّل وزمّر لتحالفه مع حزب عباس الفاسي، معتبرا ذلك تحالفا لحزبين تجمعهما المرجعية الإسلامية والاتفاق على محاربة الفساد والإفساد، ولم يتردد حينها بنكيران في حشر أحزاب المعارضة في سلة القوى المناهضة للتغيير وقال في مزوار ما لم يقله مالك في الخمر، متهما إياه بالضعف والاستسلام لأسياده من أمثال فؤاد عالي الهمة و إلياس العماري، ولا زالت تصريحاته مسجلة بالصوت والصورة على اليوتوب نفعنا الله ببركاته، بل إن برلمانيي حزب بنكيران سرعان ما سربوا فضيحة تبادل العلاوات والبريمات بين مزوار و بنسودة، وتمت جرجرة كبير الأحرار إلى المحاكم، بالمقابل شنف الإخوان أسماعنا بسمفونيات المديح والشكر وذكر المناقب في حق رموز حزب الاستقلال من عباس الفاسي إلى كريم غلاب مرورا بالوزير الضاحكة أبدا للا ياسمينة بادو... وصدقنا نحن عامة الشعب أن بنكيران جاد في تنزيل شعاراته والبداية هي مزوار وزير المالية الأسبق وقائد المعارضة، لكن وبقدرة قادر وفي لمح البصر ومن دون مقدمات سينقلب بنكيران وحزبه 360 درجة عن كل مواقفهم السابقة، فما إن أعلن حزب الاستقلال خروجه من الحكومة حتى شحذ الإخوان سيوفهم وسارعوا إلى تنفيذ غزوتهم الكبرى في حق الفساد الذي ظهر فجأة ضاربا أطنابه داخل حزب الاستقلال ومعششا بين أركانه، وهكذا تابعنا كيف سارع برلمانيو المصباح إلى الدعوة للجهاد ضد فساد ياسمينة بادو، وإلى إسقاط كريم غلاب المدعوم من قوى الفساد والإفساد والمسنود من الدولة العميقة!... وبنفس القدرة العجيبة على تغيير المواقف والمواقع أصبح مزوار شخصا لطيفا ودودا، لم يكن بنكيران يعرف للأسف خصاله الطيبة من قبل، بل إن الرجل لم يتردد في التعبير عن أسفه البالغ على ما بدر عنه من اتهامات في حق مزوار، ليقرر بنكيران اختيار مزوار وحزبه ليكونا شريكا له في لإصلاح وركنا حصينا إلى جانبه في معركة محاربة الفساد والإفساد الذي أصبح فجأة مجسدا في حزب الاستقلال بعدما نزعوه عن حزب الأحرار مثلما تنزع أي صدرية لعمال الأشغال، التي يتم ارتداؤها وخلعها حسب الظروف.... بل حتى السي مصطفى المنصوري الذي تشبث سنة 2009 بالتحالف مع حزب بنكيران، وكلفه ذلك منصبه كرئيس لحزب عصمان، تنكروا له اليوم عند انتخابات رئيس مجلس النواب وفضلوا عنه الطالبي العلمي، ليس لسواد عيونه بل لأن عدم التصويت على العلمي كان سيكلف بنكيران رئاسة الحكومة وهو ما لا يمكن قبوله تحت أي ظرف من الظروف، ولذلك فمن أجل ضمان مصالحهم في سدة الحكم لفظوا المنصوري مثل أي ورقة كلينيكس منتهية الصلاحية، علما أنهم لن يجدوا غدا أي غضاضة في التقرب إليه مجددا إن كان ذلك سيخدم أهدافهم!... هاته نماذج حية عن حصيلة محاربة بنكيران وجماعته للفساد على المستوى الوطني، فماذا عن حصيلتهم على مستوى مدينة طنجة؟... يتوفر حزب بنكيران بمدينة طنجة على ستة برلمانيين و43 منتخب بمجلس المدينة والمقاطعات بالإضافة إلى السي محمد نجيب بوليف الوزير المكلف بحوادث السير، والجميع يتذكر مواقفهم الشرسة، مباشرة بعد انتخابات 2009، تجاه العمدة الشاب سمير عبد المولى قبل أن يعلن توبته من البام ويلتحق بنعيم المصباح حيث الفضيلة والصلاح والتطهر من المعاصي، مثلما يتذكر الجميع أيضا هجوماتهم المدمرة على من يعتبرونهم رموزا للفساد والإفساد بمجلس المدينة ( بوهريز، الزموي، الأربعين... يتقدمهم بالطبع فؤاد العماري شقيق إلياس رمز التحكم كما كانت المناضلة فاطمة بلحسن تصر على نعته..). جميعنا يتذكر أيضا كيف كان بوليف، الذي لم يكن قد استوزر بعد، يتصدر تظاهرات 20 فبراير رفقة الشاب محمد خيي وهما يرفعان شعارات تطالب بإسقاط الفساد وبرحيل أمانديس التي استنزفت جيوب ساكنة المدينة، وضرورة فتح تحقيق في الأراضي التي تم تفويتها بأثمنة بخسة لمؤسسات عقارية بعينها.... وتفاءلت ساكنة طنجة خيرا بوصول إخوان بوليف إلى سدة الحكم اعتقادا منها أن الحزب المناضل الصامد، الذي لا يعرف في قول الحق لومة لائم، سيجد أخيرا القنوات القانونية لتقديم المفسدين إلى القضاء وإيفاد لجان التقصي في كل الملفات التي كانت تنبعث منها رائحة الفساد كما كانوا يدعون، وماذا كان المآل؟... على عكس كل التوقعات بلع الإخوان ألسنتهم ولزموا الصمت المطبق، وأصبحوا في حكم الساكتين عن الحق، إذ لم يتجرأ أي برلماني على مطالبة الحكومة بإيفاد لجان التقصي لتدقيق حسابات أمانديس ولا للكشف عن الملابسات التي تسلمت فيها شركات الضحى والجامعي والشعبي وأليانس.... مساحات شاسعة من أراضي الدولة بأثمنة بخسة، إلى غير ذلك من الملفات التي كانوا يعتبرونها فسادا ينخر مدينة طنجة. بل إن الإخوة انساقوا إلى عقد صفقات سرية مع فؤاد العماري، بوهريز، الزموري وعبد الرحمان الأربعين كل على حدة لترتيب تحالفات ما بعد الانتخابات الجماعية المزمع إجراؤها منتصف 2015، ووصل التنسيق مداه مع العماري حد التمييك عن الحساب الإداري والامتناع عن التصويت فيما يشبه مصادقة بالمرموز!.... بل حتى الهندقة السينمائية التي حاول الإخوة إثارتها على هامش ما بات يعرف بالترخيص لتجزئة في منطقة مسنانة، من دون عرضها على الوكالة الحضرية، لم تنطل على أحد وما أراد الإخوة تسويقه كإرادة راسخة لديهم في محاربة الفساد لا تصمد أمام الواقع، لكونهم يعلمون يقينا أنها جعجعة من دون طحين، ولو كانت لديهم الإرادة الحقيقية في كشف ملفات الفساد لكان عليهم لكان عليهم مطالبة الحكومة بفتح ملف فضائح التعمير منذ 2002، ولكان عليهم المطالبة بالكشف عن حقيقة تدبير أمانديس، ولكان عليهم رفض التصويت على نقل نادي الفروسية، ولكان عليهم رفض تسوية ملعب التنس، ولكان عليهم رفض المصادقة على مقرر تسوية وضعية مخالفات التعمير، ولكان عليهم رفض منح 100 مليون سنتيم لنادي الزوارق الشراعية، ولكان عليهم رفض منح 200 مليون سنتيم لنادي الغولف، ولكان عليهم فعل أشياء كثيرة.... إن محاربة الفساد هو إرادة قبل كل شيئ، ويستحيل بأي حال من الأحوال محاربته بالشعارات الرنانة و بالخرجات الفلكلورية والتضخيم من ملفات يعلمون هم قبل غيرهم أن تأثيرها يكاد يكون منعدما على مستقبل المدينة وساكنتها في حين يتم التغاضي عن قضايا الفساد الحقيقية. و إلى أن يحدث ذلك سيبقى التلويح بشعارات محاربة الفساد مجرد تبجح وفرقعات في الهواء.