موظفون فوق العادة، مسجلون في الوظيفة العمومية في المغرب، يتلقون رواتبهم على رأس كل شهر، لكن الفرق بينهم وبين باقي الموظفين هو أنهم لا يحضرون إلى أماكن ومقرات عملهم، ولا يقومون بأية مهمة لاستحقاق أجورهم. هؤلاء من يطلق عليهم الرأي العام المغربي لقب: "الموظفون الأشباح". تقدر مصادر حكومية عددهم بما يزيد عن السبعين ألف موظف يكلفون خزينة الدولة غاليا دون أي مردود، وهو ما دفع الحكومة المغربية في سابقة هي الأولى من نوعها إلى الإعلان في شهر فبراير الماضي عن تسريح 757 موظفا بعد التأكد من تغيبهم عن العمل لوقت طويل دون مبرر. واقع المغربي هي ظاهرة متفشية ومستمرة منذ عقود بسبب الفساد المستشري داخل الإدارة المغربية. الطالبة هالة شنتوف ترى أن لهذه الظاهرة تأثير كبير على ميزانية الدولة وتستشهد بالأرقام الحكومية التي تقدر خسائر الدولة بسبب 'الموظفين الأشباح‘ ما بين 5 و 11 مليار درهم سنويا (10 مليون يورو). "يعود تفاقم هذه الظاهرة إلى ثمانينيات القرن الماضي وما رافق تلك الفترة من اختلالات، لا يزال تأثيرها قائما إلى يومنا هذا على مستوى الإدارة المغربية، حيث كان المنصب المالي يعتبر نوعا من المكافأة السياسية، يتم توزيعها على أقارب مسؤولين سياسيين وأمنيين وعسكريين مقابل ولائهم وخدماتهم"، تقول شنتوف ل "هنا صوتك". يوافقها الرأي الشاب رضا لحمادي، الذي يشتغل خبيرا استشاريا في شركة خاصة، ويقدم وصفا دقيقا لهذه الظاهرة باعتبارها إحدى "معاقل الريع". ولذلك استعصى على الحكومة اقتحامها بسبب افتقادها للشجاعة السياسية لذلك. يضرب لحمادي في حديثه عن الظاهرة ل"هنا صوتك" مثالا بجهة الدارالبيضاء قائلا: "في جهة الدارالبيضاء 40 ألف موظف جماعي،وأقل من 100 مقاطعة، بعملية بسيطة يجب أن تتوفر كل مقاطعة على 100 موظف، لكن هذا ليس حاصلا، أين اختفى هؤلاء الموظفون إذن؟ " سياسي شبح قبل أسابيع، ذكرت تقارير صحفية في المغرب أن سياسيا مغربيا يتقاضى أجرا مجزيا عن وظيفة في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان المغربي) دون أن يؤدي مهمته. رضا لحمادي يعرف حالات كثيرة مشابهة. "بحكم نشاطي الحزبي أعرف أن عددا من الحزبيين هم موظفون في وزارة الداخلية ولا يؤدون عملهم. أعرف أيضا أشخاصا عديدين ممن يتوفرون على رواتب محترمة في دواوين وزراء ولم يطؤوها يوما. أعرف معلمين لم يزوروا أقسامهم منذ سنوات إما بسبب 'التفرغ النقابي‘ الذي أعتبره نوعا من الريع. أعرف موظفين انشغلوا بالسياسة ونسوا تماما موقع مكتبهم. الخطير في الأمر أن هذا يحدث بتواطؤ الكل، لقد أصبح حقا منتزعا أن تحصل على راتب من الدولة دونما مقابل". الحكومة تستغيث أطلقت الحكومة المغربية قبل أسابيع موقعا إلكترونيا للتبليغ عن المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة، وذلك رغبة منها في الحد من هاته الظاهرة. هالة شنتوف تعتقد أن هاته المبادرة، رغم إيجابيتها، سيصعب من خلالها ضمان شفافية الشكاية خصوصا وأنها لا تجبر المشتكي على تبرير سبب إدراجه لاسم دون آخر في اللائحة السوداء". رغم ذلك يبقى هذا الحل "إجراء ردعيا قد يجدي نفعا إن تم تطبيقه بصرامة ودون التخاذل المعهود"، تستدرك هالة. رضا لحمادي أيضا، يطالب الدولة باتخاذ إجراءات أكثر حزما. "أنا مع استثمارات الدولة لردع هذه الظاهرة، لكن ليس بهذا الشكل، هناك عدة قرارات تتطلب شجاعة كبيرة والوقوف في وجه 'لوبيات‘ عديدة، كنشر لوائح الموظفين الأشباح وتغيير قانون الوظيفة العمومية وتكييفه للقضاء على الظاهرة. لكل إصلاح ثمنه، وحكوماتنا المتعاقبة ترفض دفع الثمن"، بحسب لحمادي. (*) نقلا عن "هنا صوتك"