لم يكن شيء في حياة محمد شكري يعده لأن يصير أحد أشهر الكتّاب المغاربة عبر العالم، وربما أشهرهم. حياته كانت مليئة ب«الأخطاء»، هو الذي ينتمي إلى جيل نبت كالأعشاب الضارة في بلد انتهكته الجيوش الأجنبية، والمجاعات، والآفات. الأمازيغي النحيل الذي تحفظ منه الكثير من الصور عيني نسر، وسجائر ذابلة على شفاهه، ولد في قبيلة «آيت شيكر» في منطقة الريف شمال المغرب المعروفة بشدة مراس قبائلها الأمازيغية. سنواته الأولى أمضاها في فقر مدقع، وعنف أبوي دفعه إلى أحضان طنجة في سنّ ال 12. في المدينة التي كانت تتنازعها السفارات الأجنبية، والجنسيات المختلفة يومها، عاش حياة البؤس. خبر في طفولته البارات، وبيوت الدعارة والمجرمين والنشالين وحمّالي الموانئ. وكانت أحياء المدينة مملكة أخطائه التي لن يتردد في سردها لاحقاً في أعماله الأدبية. يروى أنّ شكري لم يتعلم القراءة والكتابة إلا في العشرين، بعدما سجنته السلطات الإسبانية التي كانت تحتل الشمال المغربي، فانطلق في قراءة الأدب. خلال الستينيات، بدأت حياته الثانية. صار يكتب القصص ونشرت له مجلة «الآداب» البيروتية بعض النصوص منذ 1966. كما تعرّف إلى أسماء كانت تصنع الأدب العالمي وصاروا أصحابه كتينيسي وليامز، وبول بولز، والفرنسي جان جينيه. كان الكاتب الأميركي بول بولز وراء شهرته العالمية حين نشر ترجمة «من أجل الخبز وحده» الشهيرة ب«الخبز الحافي» عام 1973. الرواية أدخلته الأدب العالمي من أوسع أبوابه. ترجم الطاهر بن جلون الرواية إلى الفرنسية عام 1981. الترجمات ضمنت استقراراً مادياً وحياة من النجومية للكاتب الذي جعل طنجة حبيبته وقديسته. كانت المدينة التي تجازيه اليوم بمؤسسة تخصه، مسرح أبطاله الذين لا يملون من السقوط. وتلك هي نقطة القوة في أعماله. لقد خلق أبطالاً ينتمون إلى زمن الرواية المعاصرة. هامشيون، وبلا أهداف، يتنقلون من فشل إلى آخر بخفة الكائنات المرحة. كان لشكري أماكنه الخاصة في طنجة. بضعة بارات، لا يزال يحج إليها كثيرون، ليتتبعوا أثر وليّ المدينة السكير. روايته الأولى «الخبز الحافي» لم تُنشر بالعربية إلا سنة 1982 ومنعت بالمغرب حتى عام 2000. عانى محمد شكري من السرطان في سنواته الأخيرة، وتوفي في المستشفى العسكري في الرباط، ودُفن في مقبرة «مرشان» في طنجة. بعد ثلاثة أشهر، ستكون قد مرّت عشر سنوات على وفاته! (*) الأخبار اللبنانية