الليل في طنجة هذه الأيام ليس حكرا على الذين يستيقظون عادة عندما ينام الآخرين، فبسبب الحرارة المفرطة التي تعيشها المدينة، انقلب معها ليل طنجة إلى نهار، بل إنه استحوذ على نصيب كبير من الأنشطة التي عادة ما تتم في فترة النهار. عطلة العيد، وتزامنها مع نهاية الأسبوع الثاني من شهر غشت، أغرى الكثيرين بالتوافد على الساحات العمومية والمنتزهات، لقضاء ساعات من الترويح والترفيه في الهواء الطلق. كما أن تزامن هذه العطلة مع ذروة الصيف، جعل موسم الأعراس ينشط على أشده مباشرة بعد انقضاء شهر رمضان المبارك...أجواء الصيف وعطلة العيد وليالي العمر، كلها عناصر حولت ساكنة المدينة وزارها إلى "كائنات" ليلية في قمة نشاطها إلى غاية الصباح. "كائنات" ليلية..!! يوم طنجة في الواقع لا يبدأ هذه الأيام إلا بعد أن تهم الشمس بالمغيب، فمع الحرارة المفرطة خلال النهار، يفضل سكان طنجة تأجيل جولاتهم ونزهاتهم إلى الفترة المسائية.. في ساحة الأمم، أشهر ساحات مدينة البوغاز، يتراءى من بعيد النصب المقام حديثا على شكل شعار "المملكة المغربية" بأضوائه الملونة المختلفة، نصب أضفى على هذا الفضاء جمالية تخطف أبصار المارة. الساعة تدنو من منتصف الليل، أنوار ساطعة من مصابيح ميناء المدينة، نجحت في اختراق ظلمة البحر، فبدت امواجه تعانق المرافئ في مشهد أغرى الكثير من المواطنين والسياح على إطلاق أبصارهم نحوه، انطلاقا من ساحة سور المعكازين (ساحة فارو)، فيما فضل آخرون إلقاء نظرة على جبال الجنوب الاسباني، عبر منظار ينتصب في وسط الساحة. في نفس المكان، يقترح أعداد من المصورين خدمات التقاط صور تذكارية على زوار هذا الفضاء، مجسمات لسيارات وألعاب مخصصة للأطفال، هي اللوازم التي يستعملها هؤلاء المصورون في عملهم الموسمي الذي يلقى رواجا كبيرا بهذا المكان خلال أيام عيد الفطر.. في الناصية المحاذية لشارع باستور، تصطف مجموعة من النقاشات، وهن يتسابقن للظفر بالراغبات من الفتيات في نقش أكفهن وأذرعهن بالحناء. الأعراس .. حفلات مؤجلة بسبب رمضان لم تكد شمس يوم الجمعة 9 غشت، تغيب مؤذنة بانصرام أول أيام عيد الفطر المبارك، حتى كانت مجموعة من الأسر والعائلات قد وضعت اللمسات الأخيرة لتزيين واجهات منازلها بأضواء ومصابيح، تدل على تنظيم حفل زفاف. مشاريع الزواج وحفلات الزفاف في مدينة طنجة، عرفت انتشارا واسعا مباشرة بعد شهر رمضان المبارك، من أجل التحضير لها بشكل أفضل، إضافة إلى ما تقتضيه مناسبة دينية مثل رمضان من انشغالات أخرى من تقاليد اجتماعية وطقوس دينية. قاعات الأفراح وممونو الحفلات، قطاعات مهنية تظافرت جهود العاملين فيها بشكل كثيف هذه الأيام، من أجل توفير أجواء مناسبة لأسر وعوائل العرسان لتنظيم ليلة زفاف مثالية لأبنائهم وبناتهم، حيث يؤكد العديد من العاملين في قطاع تموين الاعراس، أن جهودهم تضاعفت مرات عدة خلال الأيام الأخيرة، لتقديم الطلبات والخدمات المحجوزة منذ شهور من طرف العوائل المقبلة على تنظيم حفلات الزفاف. في أكثر من حي بمدينة طنجة، تنتصب خيام أمام المنازل المحتضنة لحفلات الأعراس، كفضاء لاستقبال ضيوف هذه المناسبة العائلية، عملية قد ينتج معها إغلاق الحي في وجه المارة، مما يجعلهم مطالبين بتغيير مسلك آخر إلى وجهتهم، إنه إجراء بات مألوفا خلال موسم الأعراس دون أن يثير الكثير من التذمر، بالرغم من تحفظ البعض على الاستمرار في الحفل إلى ساعات الصباح بكل ما يحمله من ضجيج الموسيقى والزغاريد. النهار.. خمول إلى ما حدود المساء في أحد أحياء المدينة، يرتفع صوت الآذان من المسجد معلنا حلول أوان صلاة الفجر، ومعه تتناهى أصوات مسترسلة لمنبهات السيارات فيما يبدو أن موكب عرس أو أكثر يخترق الشارع القريب من هذا الحي.. مع بزوغ أولى أشعة الشمس، يبدأ الهدوء ليعم الاجواء منهيا ليلة صاخبة بكل ما حملته من سهرات وحفلات، وغيرها من الأنشطة الليلية التي يختفي معظمها في باقي فترات السنة. الساعة تتجاوز العاشرة صباحا، درجة الحرارة بكورنيش المدينة، تتراوح ما بين 30 و31 درجة، جنبات المكان ومحيطه خاوية على عروشها من أي حركة او نشاط.. إنها نفس الصورة التي تمتد على مختلف شوارع ومناطق المدينة، صورة لحالة من الخمول يستمر إلى حدود المساء من اليوم.