عصيد شخص يؤمن بالقومية التي ترفض الدين وتبحث عن أي هوية غيره. تبحث “الشخصية القومية” عن عروة غير الدين فتتشبث بها، قد تكون تلك العروة دما، أو عرقا، أو لغة، أو أرضا أو تاريخا. فتجد القوميين المصريين يرجعون إلى التاريخ السحيق، إلى حضارة الفراعنة، كأن التاريخ المصري لم يسجل اسم غيرهم. ويمجد القوميون العراقيون الحضارات السومرية والبابلية والآشورية. ويحن القوميون السوريون إلى حضارة العموريين والفينيقيين والآراميين. تمجيد للتاريخ واللغة والأرض. لا حديث عن حضارة إسلامية في تلك البلاد، لا حديث عن أمة بلغت ما بلغت من مراتب في السياسة والعلوم والفنون. يقفز القوميون عن كل ذلك إلى غيرها، لا يريدون من يذكرهم بها، حتى إذا لم يستطيعوا تجاهلها، قذفوها بتهم تلطخها. أعود إلى عصيد لأذكر ارتباطه بالقومية الأمازيغية. لا يمكن لعاقل أن يطلب منه أن يتنصل منها، فهي أصل وتاريخ. له أن يتغنى بأمجاد وحضارة أجدادنا الأمازيغ، ولنا ذلك أيضا. لكن المشكلة في قفزه على تاريخ فاق الألف سنة، وكأن الأمة الأمازيغية دخلت كهفا رقدت فيه كل هذه القرون، ثم خرجت، مر الإسلام خارج الكهف فلم تعرفه ولم يعرفها، لم تنصره ولم ينصرها. من بنى تلك المساجد المنتشرة في كل المدن والقرى الأمازيغية ؟ من يعمرها ويتعهدها ؟ من يؤم الناس فيها ؟ بجرة قلم يلغي عصيد أمما ودولا وعظماء أمازيغ مسلمين. يحاول عصيد عبثا أن يمحي جزءا من التاريخ والواقع، لكن الممحاة لا تسعفه. ما الحل إذن ؟ الحل أن ينبش في الإسلام، في أحكامه، في تاريخه، في رجالاته، عله يجد ما يسفهه، أو ما ينقص من قيمته. هل يستطيع ؟ طبعا لا. فماذا بعد ؟ هناك طريق قد تكون سالكة : الافتراء والتلفيق. يلصق بالإسلام وأهله ما يمكن إلصاقه من صفات بشعة تفر منها النفوس والطباع. صفة العنف والإرهاب تصلح لهذا الغرض. حين ينطق واصفا رسائل النبي صلى الله عليه وسلم بأنها إرهابية، لا نسمع صوت العقل ولا المنطق ولا الحجة. هنا يختلط فكر صاحبنا عصيد بنفسيته. فهو لا يستصيغ دخول المغرب الأمازيغي الإسلام اختيارا وإن بعد قتال. فهو يحاول أن يقنع نفسه ومن يدور في فلكه أن في الأمر دافعا غير الاقتناع. لا يدخر جهدا ليثبت أن الأمازيغ لم يسلموا طوعا، إنما أجبرهم على ذلك عرب الجزيرة الغزاة.