هل المغاربة مشتاقون لهاته المناورات الفارغة و البهلوانيات الممقوتة التي يسبح في بركتها زعماء و قادة الإحزاب السياسية بيمينهم و يسايرهم ووسطهم و من لا طعم له ولا مذاق ؟ هل يصدق أحد أن الأزمة الخانقة تحتاج لمثل تفاهات هذه " الزعامات " ؟ زعماء وقادة الأحزاب يقدمون أنفسهم دوما كمنقذين و ملهمين و أفذان جاءوا من عالم الغيب ليعموا ببركاتهم جماهير الغيب المكتوين بلظى واقع مرير. ولأنهم كذلك فها نحن نتابع الوصفات الجديدة التي جاءوا بها كعلاج لحالة الشلل الذي أصاب عجلة الحكومة و الجمود الذي حل بالساحة السياسية بعد اندثار جبال الوعود و الأحلام التي بنوها منذ اشتعال " الربيع العربي " و أثناء ما تلاه من استفتاء على الدستور و انتخابات برلمانية و تنصيب للحكومة. بعضهم قالوا إن الواقع يمكن تحريكه بتعديل حكومي يبدل وجوها بوجوه، آخرون قالوا بل الحل تغيير تحالفات مكان تحالفات، أي دخول أحزاب إلى التحالف و خروج أخرى ، و آخرون غيرهم قالوا إن الحل لا يمكن تصوره إلا بإسقاط الحكومة إسقاطا. وبناء حكومة أخرى لها برنامج آخر ووجوه أخرى. و النصر حتما يكون حليفنا هذه المرة و إلى إقلاع مجيد. خبراء السياسة و عباقرة التغيير هؤلاء، بعضهم من أحزاب الأغلبية و آخرون من أحزاب المعارضة و غيرهم من الوسط، كل حملوا معاول الهدم في بنيان حكومة " الإسلاميين " لا تجمعهم إيديولوجيا و لا مذهب و لاهم يحزنون، الجامع هو كره " الإسلاميين " على هذه " النعمة " التي حملتهم إليها رياح الظروف الإقليمية و الدولية و المحلية و حسابات المخزن الذي لا يدع أي مجال غير قابل للتحكم، و لا يسمح بوقوع أي مفاجئات. ما بدأه إطار دستوري غامض و ضيق، و صلاحيات محدودة بحكم تواجد جهاز سري ممسك بكل الخيوط، موجه لكل الحركات و أزمة خانقة متعاضمة على مر السنين و العقود، ما بدأه ذاك ، يكمله زعماء وقادة يتنافسون في أيهم أسبق لتوجيه الضربة القاضية. دفاعنا عن حكومة بنكيران، لا يعفي هذا الأخير من تبعات تاريخية تحملها عن طيب خاطر و عن وعي مسبق بالظروف و الملابسات و حدود الإمكانات. لكن الحق يقال هو أن أطروحات " التعديل الوزاري " أو " إسقاط الحكومة " كحل لهذا الجمود يذكرنا بالقاموس الذي ينهل منه هؤلاء الزعماء، هو قاموس المناورات والدسائس الفارغة الممقوتة ، قاموس التلاعب بالرأي العام و تغليط الشعب و الضحك على البسطاء. هل بمجرد تعديل حكومي أو تغيير في حكومة تحل علينا بركات الجيل الجديد من الزعماء، هل تنفرج الأزمة و تنجلي الغمة بفريق كامل مكتمل ؟ الأزمة لا تحل بتغيير حكومي كليا كان أو جزئيا. و هذا شيء يعيه كافة الساسة و السياسيين المنخرطون منهم في اللعبة و المهمشون ، الوزراء منهم و البرلمانيون، الأحياء منهم و الأموات. سقط عجل الحكومة على الحلبة فكثرت السكاكين، كل تحرف و كل شمر على الساعدين، لا فرق بين السكاكين، منها سكاكين لأحزاب متحالفة من الأغلبية الحاكمة . ومنها سكاكين الأحزاب المعارضة، هذا إلى جنب هذا ، و يا مبادئ أينك و يا أخلاقيات أين ذهبت ، و يا تحالفا أبرموه أمام الشعب أين أنت. أول معول امتشق هو معول حزب الاستقلال ، ما كاد يفوز بمنصب الأمانة العامة، حتى طالب بتفعيل مبادئ الكتلة الوطنية. لا نعرف هل يعني ذلك في الظرف الحالي خروج الاستقلال إلى المعارضة بجانب حزب الاتحاد الاشتراكي، أم يعني جر هذا الأخير للدخول إلى الحكومة. كلا الأمرين تناقض مع أخلاقيات التحالف المبرم مع الإسلاميين. بل إنه ما كاد كرسي الأمانة العامة يذوق دفئ صاحبه حتى صار يروج للتنسيق مع كل من وجده أمامه من الزعماء الأحرار و الأصالة ، تنسيقات غريبة و عجيبة لا يمكن فهمها إلا كونها تدل على هذا الزعيم الاستقلالي و جد الساحة مبعثرة فقرر تجريب عبقريته في البعثرة كذلك و خلط الأوراق . هي فوضى خلاقة كما يقولون، لكنها لدى الرأي العام دليل آخر على انحدار السياسة إلى مهاوي العبث. و هكذا توالت المعاول وتعددت التنسيقات و المشاورات و المناورات، التقدم و الاشتراكية يشكو من أستاذية رئيس الحكومة . و الحركة الشعبية تشكو من انفراده بالقرار، و الاستقلال اكتشف أن الوجوه التي قدمها الأمين العام السابق غير صالحة و طالب بتغييرها هذا في أول الطريق نحو خلط الأوراق، لتقرير كل الأحزاب المعارضة أن الخلاص في إسقاط الحكومة لا غير. هل هذا المشهد السياسي و الحزبي هو ما كان ينادي به الشعب أثناء و قبل و بعد " الربيع العربي ". الأزمة خانقة و الواقع مخنوق بحكم تاريخ مديد من السياسات الفاشلة وواقع إقليمي و دولي أسود، و الساسة في حسابات فارغة و اجتهادات تافهة. هل بهذه العقلية الانتهازية يتقدم مغرب تواق إلى تقدم و رخاء و حرية و كرامة. هذه الوصفات " السحرية " التي يتناقلها الإعلام عن سياسيي الوقت تدل على الفشل الذريع الذي أصاب النخبة، في إنجاز المهام التاريخية التي تنتظرها الأمة، التي طالما حلمت بالظفرة التي تقطع مع ماضي البؤس و الحرمان و تذخلها القرن الواحد و العشرين. القرن الواحد و العشرين الذي تعيش فيه الزعامات بعقلية عقود من السياسات الخاطئة، و منها سياسة المناورات و المداورات و المراوغات و الديماغوجية كأسلوب للتلاعب بالرأي العام و البقاء في دائرة الأضواء .أضواء الصالات والقاعات و الندوات و المؤتمرات و الشاشات. غريزة البقاء في دائرة الضوء هي تتحف زعماء الفشل بالشعارات الواهية التي لا هدف لها سوى تحقيق نجومية في سماء ملبدة من الغيوم، غيوم ماضي أليم و حاضر غامض، لو كان الخلل في تشكيلة حكومية لكان لهذه المعاول مبرر وجود و بقاء ومجد، لكن الخلل يكمن في تواطؤ مكشوف بين جميع الأحزاب على القبول بلعبة سياسية لا هامش فيها لأي حكومة إلا الفتات، لعبة "اللاعب الأساسي فيها خلف الستار، لا ينطق و لا يرى ، لا يتحمل مسؤولية و لا يسمع نقدا ، يده طويلة، أفعاله صامتة و سطوته قوية. الحل الحقيقي لا يكمن في هذه "الوصافات " الترقيعية، و المناورات و الديماغوجية، الحل و المدخل الصحيح يكمن في وقفة شجاعة جماعية فاعلة، من أجل رفع الحجب السبعين التي يقيمها نظام مخزني يفصل بها بين الشعب و مواطن القرار الحقيقية، الحل في إعادة السيادة للشعب ليكون سيد نفسه و حاكم نفسه، و التأسيس لعلاقة صحيحة تجمع الحاكم بالمحكوم قائمة على أساس رفع التغييب التام المفروض قرونا على الأمة، بمقتضاه الأمة اليوم بأكملها مجرد كتلة ضائعة خاضعة خانعة لا تقرر مصيرا و لا تختط لنفسها منهجا. تحت هذا الحل الأكبر هناك حلول فرعية لا تقوم بها سوى الأحزاب، هذه الأحزاب، تكمن في التحلي بالشجاعة و مواجهة الفساد و المفسدين، أليس لكل حزب صحافة و ميزانية، جزء منها تدفعه الدولة، بل الشعب، فلم الصمت و مطالبة " الإسلاميين " بما هم عاجزون عنه، أو هم مدفوعون للسكوت عنه. رحم الله قادة القول و الفعل، قادة الوزن الثقيل داخل الميدان أمثال : المهدي بنبركة، علال الفاسي، عبد الله ابراهيم ، بنسعيد أيت ايدر، عبد الرحمان اليوسفي، عمر بنجلون، الحاج أحمد معنينو، أبو شعيب الدكالي ، الحاج محمد بلعربي العلوي، محمد الدويري ، عبد الخالق الطريق، محمد حسن الوزاني و اللائحة طويلة . جيل منزه عن السفاسف و المهاترات و المهارشات، و مثل هذه المناورات مقطوعة الصلة بالماضي، ماضي الجهاد و البناء و المبادئ، ماضي الرجولة و نظافة اليد، ماضي الهمم العالية و الأخلاق الرفيعة.