يحكي المتقدمون من سكان مدينة طنجة، عن أجواء خاصة كانت تعيشها هذه المدينة خلال مناسبة عاشوراء، حيث كانت تعم احتفالات وطقوس كلها تعبير عن الفرح والسرور، سواء من جانب الصغار أو الكبار. " لكن كل شيء تغير الآن بطنجة خلال عاشوراء"، يقول لسان حال هؤلاء الذين يؤكدون أن هذه المناسبة صارت، وبخلاف المدن المجاورة، تفقد بريقها سنة بعد أخرى. فأسواق المدينة بمختلف مناطقها، أكبر شاهد على هذا الفتور الغير المعتاد خلال هذه الأيام التي يفترض أنها مناسبة لرواج تجاري موسمي افتقدته هذه الأسواق في السنوات الأخيرة. فبعدما كان التجار يسارعون مع اقتراب موعد المناسبة إلى شحن محلاتهم بكميات كبيرة من الفواكه الجافة، المعروفة لدى السكان المحليين ب "الفاكية"، وهي عبارة عن خليط من اللوز والجوز والتمر وغيرها، أصبح معظم هؤلاء المهنيين غير عابئين بهذه المناسبة. وفي هذا السياق، يؤكد العربي، صاحب محل صغير في سوق بني مكادة، أن الإقبال على هذه المنتوجات صار ضعيفا في السنوات الأخيرة، ويضيف هذا التجار الذي اعتاد استبدال بضاعته بالفواكه الجافة خلال مناسبة عاشوراء متحدثا ل"طنجة 24"، أنه إلى حدود نهاية التسعينات كان يجهز دكانه بكميات "الفاكية" أكبر من اليوم. والحديث عن الرواج التجاري خلال عاشوراء، لا بد أن يؤدي إلى ذكر سوق عاشوراء الذي اختفى كل أثر له من مدينة طنجة وهي المدينة التي انفردت بهذا التقليد الفريد من نوعه على الصعيد الوطني. فقد ظل سوق عاشوراء على مدى عقود من الزمن، موسما تجاريا بامتياز، حيث لم يكن سكان المدينة وحدهم رواد السوق الذي كان يضم أروقة لبيع مختلف البضائع والمنتوجات إضافة إلى فضاء للألعاب، وإنما كان يستقطب زوارا من مدن مختلفة. إلا أن هذا السوق الموسمي بدوره بدأ وميضه يخفت في السنين الأولى من العقد الماضي، قبل أن يختفي نهائيا بعدما صدر قرار للسلطات المحلية بعدم الترخيص لإقامة السوق، وهو القرار الذي اعتبر بانه آخر مسمار يدق في نعش تقاليد عاشوراء بطنجة، مما أثار غضبا وتحسرا كبيرين حينئذ في صفوف السكان الذين ربطوا خطوة السلطات ب"غزو" المراكز التجارية العصرية. "عاشوراء" لم تعد كما كانت حتى بين أفراد المجتمع، والدليل على ذلك هو اختفاء نسبة كبيرة من المظاهر الاحتفالية التي ارتبطت بهذه المناسبة جزء من تراثها الضارب في السنوات. ومن أهم ما كانت تعرفه طنجة في الماضي، شراء الآباء هدايا لأولادهم، وهذه الهدايا غالبا ما تكون عبارة عن لعب مثل مزامير ومسدسات مائية أو الدمى والبنادر والطعارج وغيرها من اللعب التي يعرضها التجار على غير العادة في الأسواق والشوارع خلال الأيام التي تسبق وتلي هذه المناسبة. لكن اختيارات الأطفال في هذا المجال أيضا خضعت لتطورات الزمن مما أثر أيضا على الرواج التجاري المرتبط بعاشوراء، فقد أصبح من الملفت انتشار الألعاب الالكترونية في الأسواق، بعدما كانت السيارت البلاستكية والمسدسات المائية والدمى من أكثر الألعاب التي كانت تستهوي أذواق الأطفال في السنوات التي خلت، وكانت تلعب في الغالب بشكل جماعي في الأزقة وسطوح المنازل قبل أن تحل الألعاب الحربية والكيم بوي وغيرها من الألعاب التي يمكن ممارستها بشكل فردي في غرفة مغلقة. " توفر الألعاب الإلكترونية لدى الأطفال في السيبيرات ومحلات البلاي شتايشن، يجعل نسبة كبيرة منهم يزهدون في اقتناء الألعاب المعروضة للبيع، فضلا عن عدم اقتناعهم بالألعاب التقليدية"، يقول أحد باعة الألعاب تعليقا على هذه التطورات.