لا يزال الشارع المغربي و معه أحرار العالم يتذكّرون و بمرارة فيديوهات بوشتى الشارف و هو يحكي قصّة تعذيبه و كيف استباح جلاّدوه جسمه و عرضه لا يردعهم رادع عن الفتك به و التنكيل بشرفه و كرامته. ثم كيف توالت شهادات إخوانه من السجناء ممّن سيقوا إلى معتقل تمارة و كومسارية المعاريف خلسة و في غفلة عن ضمير الأمّة لبذوقوا شتى أنواع العذاب في غياب تام لكل الضمانات القانونية والحقوقية. هاته الشهادات التي أزاحت القناع عن بشاعة جلادي النظام و كشفت للرأي العام وحشية زبانية العهد الجديد حركت في الجهة المقابلة و عند من يهمه الأمر لقاءات ساخنة لاحتواء ما يمكن احتوائه من سيل الردّود الغاضبة و الساخطة على أمنيي البلد و للجم مبادرات جمعيات المجتمع المدني الخارجة عن نطاق وصاية النظام فكان ماكان من كرّ و فر بين الطرفين و ما توالى من أحداث رفعت كفة طرف على حساب الاخر حتى خبا صوت هؤلاء القابعين خلف القضبان لتصلنا فقط من حين لآخر صرخاتهم المكتومة و رسائلهم المسربة تذكرنا بواجب النصرة و الأخوة في الدين و الوطن و الانسانية. للأسف لا يزال الواقع يشهد باستمرار التعذيب في سجن التولال و سلا و غيرهما من السجون مما لا يعلمه الاّ الله حتى صار الصورة اللصيقة بهذا الملف بالرغم من إلحاح البعض على تبرير هذا العنف بكونه حزما مطلوبا و أهبة محمودة من طرف الأجهزة الأمنية و نسوا ان اختطاف الناس و مصادرة حقهم في الحرية و العيش الكريم بذريعة الخوف هو ارهاب آخر لا يقل عنه خسة و خبثا. كما أنّ تكلس الهيآت الحقوقية و المدنية لنصرة هذا الملف هو مؤشر واضح لحجم الوعي المطلوب الذي ينتظر ناشدي التغيير في هذا البلد فمنظورنا للإنسان بغض النظر عن فكره و دينه لا يزال في الدركات السفلى من برامج و أولويات الفاعلين و مناضلي الحق الانساني فمن لم يشب بعد عن طوق الايديولوجيا و من لم يتشبع بعد بقيم الحرّية و الكرامة انّى له التغيير. لقد صارت تحالفاتنا مع دول العالم تمهر بكرامة أبناء هذا الوطن و مختطفونا سلعة تباع في سوق نخاسة المخابرات العالمية. و الأدهى و الأمر ان نجد عند ساستنا صمتا مطبقا و كأن هذا الملف لا يعني بلدهم و كأن هؤلاء لا يتقاسمون معهم الأرض و السماء نفسها حتى من تحلّى منهم بالجرأة و الشجاعة يتقدّم بالإشارة إلى دوائر الفوق طلبا للعفو مخليا نفسه من مسؤولياته الأولى كسلطة منتخبة ألا وهي الدفاع عن المظلومين و المستضعفين. للأسف سيظل هذا الجرح غائرا في ذاكرة مجتمعنا و شاهدا على جبننا و أنانيتنا و تشرذم صفوفنا. لسنا الوحيدين ممن اصابتهم يد الغدر الاثيمة و تبعات الارهاب البغيض لكن كنا نحن و بمعية دول الاستبداد العربي الوحيدين الذين قبلوا التصدي لظاهرة الارهاب بارهاب أكبر لا يراعي كرامة الانسان و حقوق المواطنة فقد تعاقب على سجوننا بغطاء هذا القانون الأرعن المئات من الأبرياء و لم نسمع الى اليوم خطابا رسميا يتحدّث عن تعويض أو جبر للضرر بل لم نجد الى اليوم في ارشيفاتنا اعتذارا او اعترافا بالخطأ بل على العكس رأينا أوسمة و نياشين تشدّ على أيادي الباطشين تشجيعا و تحفيزا في ترسيخ واضح لمبدأ الإفلات من العقاب و تأويل فاسد لأجر المجتهد المخطئ. و يكفي المتأمّل في هاته الحرب القذرة أن يمر على أنقاض الأنظمة التي هوى بها ربيع الكرامة ليجد أن القذافي المجرم و بن علي السفاح و اليمني الأخرق و قبلهم مبارك اسرائيل كانوا من أشدّ الناس بأسا في محاربة الإرهاب بتأويلهم المعوج ارضاء لاجهزة المخابرات الغربية فلما فاض الغيظ بشعوبهم لم تنفعهم شهادات حسن البطش التي أذاقوا شعوبهم من أجلها الويلات و ما بكت عليهم السماء و الأرض و أتبعوا في هذه الدنيا لعنة و يوم القيامة خزيا وذلاّ. و ختاما أذكّر أصحاب الضمائر الحية و كل ذي فطرة سليمة أن بين ظهرانينا أسرا لهؤلاء المغيبين تعيش على خشاش الأرض و تحيي بألم الفقر و الظلم والخذلان و أن بين أطفالنا صبية لهم يزهدهم شوق لقاء الأب عن اللعب و المرح كباقي الأطفال من هول ما يلاقون و شدّة ما يعانون... فلا تنسوهم من خالص دعائكم فذاك أضعف الإيمان