حس المغامرة والرغبة الكبيرة في إكتشاف المجهول، هما من دفعا الشاب والتر هاريس، المنحدر من عائلة بريطانية غنية تعمل في مجال السفن ومراكب الصيد، إلى التوجه صوب مدينة طنجة، التي كانت في تلك الفترة (سنة 1886) تعتبر مكانا ملهما للعديد من الشباب الراغبين في كسر روتين الحياة البرجوازية التي توفرها عاصمة الضباب لندن. فور رسو سفينته في ميناء مدينة طنجة، عشقها وأحب ناسها، حيث ورغم زيارته لعدة مدن بالمغرب، وإمضاءه لسنوات كثيرة في التنقل بين العديد من الدول المسلمة، إلا أن هاريس قرر الإستقرار في مهد البطل الأسطوري “هرقل”، وبناء منزل فخم على بعد خمس كيلومترات من وسط المدينة، أطلق عليه إسم “فيلا هاريس” تيمنا بلقب عائلته البريطانية. إستقراره بمدينة طنجة وحبه للإستكشاف، دفع صحيفة “التايمز” البريطانية لتعيين هاريس مراسلا رسميا لها في المغرب عام 1906، وما ساعده في ذلك أكثر هو تمكنه من الحديث باللهجة الدارجة المغربية بطلاقة، وكذا إرتداءه لملابس مشابهة تماما لما يرتديه باقي المغاربة، ولقاءه المتكرر بزعماء القبائل في مختلف مناطق المغرب. ول “هاريس” قصة مثيرة مع زعيم قبيلة الزينات مولاي أحمد الرسوني، ففي شهر يونيو من سنة 1903، وبينها والتر يزور هذه المنطقة، قام الريسوني بإختطافه وطلب فدية كبيرة من عائلته ومن البعثة البريطانية بالمدينة، وهذا ما كان له فبعد مرور أزيد من ثلاثة أسابيع على اختطافه، أفرج المختطفون عن هاريس بعد أن حصلوا على فدية من السير “أرثر نيكولسون” وزير بريطانيا العظمى في طنجة. قام الصحفي البريطاني بنشر مجموعة من المقالات عن مدينة طنجة في صحيفة “التايمز، كما قام بإصدار كتاب تحت عنوان “المغرب المنقرض”، والذي وصف فيه تاريخ المغرب ما بين 1887 و1921، بطريقة طريفة، ورى من خلاله تفاصيل اختطافه من طرف الريسوني وكيف تخلص من الأسر. إعتبر المؤرخون والتر هاريس “صديقا للشعب المغربي”، وذلك لتمكنه من التغلغل داخل المجتمع في فترة كان معروفا على المغاربة حبهم للإنغلاق، ودفع هذا الحب المتبادل هاريس لطلب دفنه بمسقط هواه، وهو ما كان له حيث وري جثمانه بالمقبرة الانجليكانية لسانت اندرو سنة 1933 .