شهدت شوارع طنجة ، اليوم الثلاثاء، موكب الهدايا الذي اعتاد أهالي المدينة، تنظيمه كتقليد سنوي، بمناسبة "سابع المولد النبوي"، الذي يوافق ذكرى "الولي الصالح سيدي بوعراقية"، حسب الموروث الشعبي السائد لدى أهالي "عروس الشمال". وانطلق الموكب من "ساحة الأمم"، صوب ضريح الولي "سيدي بوعراقية"، لتسليم الهدايا إلى أفراد "الزاوية البقالية" (أحفاد الولي المحتفى به)، وذلك بعد المرور من عدد من شوارع المدينة، وسط حشود من السكان الذين تجمعوا على الأرصفة أو أسطح المنازل. وتضمن الموكب الذي تقدمه فارس على صهوة جواده، مجموعة من المدارس القرآنية العتيقة بجلابيبهم البيضاء وفي أيديهم ألواح تدريس الذكر، والعشرات بلباس تقليدي حاملين الهدايا، ويجرون ثيرانا عليها أعلام القبائل المحيطة بمدينةطنجة، بالإضافة إلى عدد من الفرق الشعبية الفلكلورية. ويعتبر "سيدي بوعراقية"، واسمه محمد الحاج البقال، أحد الأعلام الذين يصنفهم المغاربة في خانة "الأولياء الصالحين"، اعترافا لما قدمه من بطولات وجهاد في مكافحة الاحتلال الأجنبي لمدينة طنجة، في أواسط القرن السابع عشر. وتحتفل ساكنة طنجة بموسم "سيدي بوعراقية" كحدث ذو أبعاد صوفية يجمع بين مظاهر المعاصرة والتقاليد المحلية العريقة٬ طيلة أسبوع٬ عبر إحياء ليالي الذكر والمديح والقيام بعمليات ختان الأطفال٬ وتوزيع المساعدات على الأسر المعوزة٬ قبل ختم الاحتفالات بتنظيم موكب هدايا يجوب وسط المدينة في اتجاه ضريح الولي الصالح. وكان للموسم صيت شعبي جارف خلال سنوات الحماية اضطرت معه سلطات الإدارة الدولية بطنجة إلى وقف الاحتفال به بعدما أصبح يكتسي طابعا وطنيا٬ إذ كان المحتفلون يطالبون بجلاء الاستعمار عن المغرب٬ كما كان رجال الحركة الوطنية ينشطون وسط جموع المحتفلين بالموسم ويرفعون شعارات تناهض الحماية الدولية. وقررت سلطات الإدارة الدولية بطنجة منذ أربعينات القرن الماضي منع الاحتفال بهذا الموسم بعد أن صار يستقطب الآلاف من سكان القبائل المجاورة بشمال المغرب٬ ما حذا بمجموعة من الفاعلين المحليين إلى إعادة إحياء هذه الاحتفالات تكريما لذكرى الولي الصالح ولدور الموسم في بث الحماس بين سكان المنطقة. وينتسب الولي الصالح سيدي بوعراقية٬ واسمه الحقيقي سيدي محمد الحاج البقالي والمعروف ب"أبي العراقية الخضراء"٬ إلى عائلة كبيرة تنحدر من قبيلة (بني حسان) بنواحي تطوان٬ وقد كان غزير العلم في مجال العلوم الفقهية٬ وتميز بزهد وورع وتقوى ما زال الحديث يتواتر عنها لدى أهل طنجة إلى اليوم. ولما كلف السلطان مولاي إسماعيل المجاهد علي الريفي بالجهاد واسترجاع مدينة طنجة من الاحتلال الإنجليزي٬ انضم الولي "أبو العراقية" إلى صفوف المجاهدين٬ وكان القائد الروحي للجيش٬ يبت في صفوفه الحماسة٬ كما خاض حروبا طاحنة توجت بنصر كاسح وبطرد المحتلين من طنجة. وكرس الولي الصالح حياته بعد ذلك لتدريس العلم ونشر التعاليم الإسلامية٬ واختلى بنفسه في مكان خارج أسوار مدينة طنجة بعد أن حبس كل أملاكه للأعمال الخيرية٬ وهو المكان الذي يحتضن حاليا ضريحه الذي أصبح مزارا لآلاف الأشخاص كل سنة.