إن الأزمة التي تعيشها مدينة طنجة على مستوى المرافق العمومية وأخص بالذكر وعلى سبيل المثال لا الحصر, المرافق الأكثر حيوية مثل مرفق توزيع الماء والكهرباء ومرفقي النقل والنظافة..., لا يمكن تحميل مسؤولية تردي خدماتها مقارنة بكلفتها المادية، إلى المجالس المنتخبة المغلوبة على أمرها والتي لا تملك من السلطة وإمكانية اتخاذ القرار في ذات الموضوع إلا كما يملك السفيه أو القاصر حق التصرف في أمواله أمام الواصي عليه. إذن، فمن اللاجدوائية تحميل جهات معينة من المسؤوليات مالا طاقة لها به، ونجعل منها شماعة لتعليق الإخفاقات والأزمات، في حين أن المسؤولية الحقيقية, الأولى والأخيرة، تقع على عاتق من يمتلك سلطات الحل والعقد في تدبير الشأن العام المحلي، السلطة المحلية أو بتعبير أدق ممثلي السلطة المركزية بحكم الواقع والقانون. إذا كان تعثر سير المرفق العام له انعكاس فوري ومباشر على الأمن العام، لما يقدمه من خدمات يومية وضرورية لعموم المواطنين، وتلبية حاجياتهم وإشباعها، فإن تعثر أو بالأحرى غياب بعض المرافق العمومية الصحية بالضرورة سيكون له أثر و انعكاس على الصحة العمومية، وبالتالي فتح المجال على مصراعيه لتفشي الأمراض والأوبئة بالإضافة إلى انتشار الروائح الكريهة. إن المرافق العمومية الصحية وأخص بالذكر هنا المراحض العمومية، لمن المرافق التي لا يمكن تصور غيابها في المدن العصرية، بالمقابل في مدينتنا العزيزة طنجة التي كانت تتوفر على أكثر من خمس مراحض عمومية -ورثناها طبعا عن الحقبة الدولية هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم الكثافة السكانية الضعيفة لعروس الشمال آنذاك كيف الحال الآن وقد أصبحت طنجة مدينة مليونية مترامية الأطراف، في اتساع عمراني بسرعة صاروخية، لا تتوفر ولو على مرحاض عمومي واحد في أكثر شوارعها ازدحاما وكثافة، اللهم مراحض القيسريات والمساجد التي لا تصلح أن تكون إلا محمية لأخطر أنواع البعوض والبكتيريا. يتساءل أحدهم بغرابة وإلحاح، ماذا يفعل المواطن الطنجي المسكين لو اشتد عليه فجأة ضغط أمعائه وهو خارج المنزل؟ ماذا تفعل تلك الأم المسكينة التي رافقت صغارها ليلهوا ويمرحوا بإحدى حدائق المدينة فيحتاجون فجأة لقضاء حاجتهم بعد أن ملئوا بطونهم الصغيرة بالحلوى والسوائل؟ ماذا يفعل مرضى السكري والعجائز الذين يحتاجون دخول المرحاض أكثر من مرة في الساعة الواحدة؟ ما يسعنا إلا أن نردد ذلك الدعاء الشعبي المأثور " لْهْلاَ يْحْصَرْ شِي مْسْلْمْ " ونزيد عليه وأنت في أحد شوارع طنجة أليس غياب المراحض العمومية بشكل نهائي كفيل بتحويل مدينتنا إلى أكبر مرحاض في العالم ربما، أكاد أجزم أني أعرف معظم الشوارع والأزقة وبعض الحيطان في طنجة التي تحولت إلى مرحاض عمومي وفي الهواء الطلق. لكن وبالمقابل، كيف سيكون سلوك مواطن لا يحافظ على نظافة مرحاض بيته داخل مرحاض عمومي ؟ ألا نحتاج أولا إلى ترسيخ ثقافة النظافة العمومية قبل التفكير في إحداث مراحض عمومية؟ ألا تكفي زيارتنا لمرحاض المحطة الطرقية أو حتى بعض المؤسسات التعليمية والتربوية العمومية طبعا لنكتشف مستوانا وثقافتنا... واحسرتاه على نقاوة وَتَاويلْ جداتنا في زمن غياب مستحضرات ومواد التنظيف، رغم ذلك لا يمكننا الانتظار حتى يصل المواطن مستوى ثقافي معين يؤهله للتعامل مع المرافق العمومية بلباقة واحترام حتى نحدث له مرافق صحية عامة هي ضرورية بضرورة غريزة الأكل والشرب. أعتقد أن مسألة إحداث مراحيض عمومية بأهم شوارع مدينة طنجة أو على الأقل إعادة فتح وتأهيل مراحض الحقبة الاستعمارية أمرا ضروريا، لما سيساهم به في الرفع من قيمة أسهم طنجة دوليا وتحسين صورتها لدى السياح والزائرين. وفي الأخير أقترح إحداث مرفق عام جماعي خاص بالمراحض العمومية يفوض تدبيره لطرف آخر إذا ما عجز المجلس الجماعي عن تدبيره طبعا، وختاما أتمنى أن يلقى هذا الاقتراح آذانا صاغية على الأقل لدى أغلبية المجلس القادم بعد الانتخابات الجماعية المقبلة.