بعد نحو عامين من فتور العلاقات بين المغرب وفرنسا، يبدو أن العلاقات الثنائية قد استعادت زخمها، مما يشير إلى عودة المصالح المشتركة بين البلدين إلى مسارها الطبيعي بعد فترة شهدت تضرر المصالح الفرنسية في المملكة، سياسيا واقتصاديا. وتأتي زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب خلال الفترة من 28 إلى 30 أكتوبر الجاري، فضلا عن إشادة الملك محمد السادس، خلال افتتاح البرلمان، بموقف فرنسا الداعم لمقترح المملكة القاضي بمنح "حكم ذاتي" لإقليم الصحراء في إطار السيادة المغربية، ووصفه ب"التطور الإيجابي"، لتؤكد عودة العلاقات "القوية" بين الرباطوباريس، خاصة أن الأخيرة تبحث عن موطئ قدم بإفريقيا بعد تراجع جزء من نفوذها بالقارة. ورأى خبير مغربي في العلاقات الدولية أن "عودة الدفء للعلاقات يخدم المصالح الاستراتيجية للبلدين". قائلا إنه "بعد حسم فرنسا موقفها في قضية الصحراء، فإن العلاقات بين البلدين ستتقوى أكثر مما هي عليه الآن". زيارة دولة تأتي زيارة ماكرون للمغرب بعد فترة طويلة من "الفتور"، وبعد إشادة الرباط، نهاية يوليو الماضي، "بدعم فرنسا" مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية في إقليم الصحراء المتنازع عليه. ويسعى الطرفان إلى تجاوز "التوتر الصامت" بينهما، خاصة في ظل ظهور منافسين لفرنسا بالمغرب في القطاع الاقتصادي والتجاري، مثل إسبانيا والصين. وكانت الحكومة المغربية قد أعلنت الإثنين الماضي أن زيارة ماكرون تأتي بدعوة من الملك محمد السادس، لتعكس "عمق العلاقات الثنائية القائمة على شراكة راسخة"، بحسب بيان لوزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة. توترات سابقة يعود تأزم العلاقات بين البلدين في سبتمبر/أيلول 2022، حينما أعلنت فرنسا تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس بدعوى "رفض الدول الثلاث إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين (غير نظاميين) من مواطنيها". وأرخت تداعيات الأزمة بين البلدين بظلالها على العلاقات الاقتصادية، وفتح المجال أمام دول أخرى لتحل محل الشريك الفرنسي. تراجعت حدة الأزمة عقب إعلان المغرب في أكتوبر 2023 تعيين سميرة سيطايل، سفيرة جديدة لدى باريس، بعد بقاء المنصب شاغرا لنحو سنة كاملة، وسط استمرار التوترات بين البلدين. وفي يوليوز، وجه الرئيس ماكرون، رسالة إلى الملك محمد السادس، أبدى خلالها دعمه لمقترح الرباط بشأن الحكم الذاتي في إقليم الصحراء، حيث يقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا في الإقليم تحت سيادته، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم. وقال نبيل الأندلوسي، خبير مغربي في العلاقات الدولية، إن "عودة الدفء في العلاقات المغربية الفرنسية يخدم المصالح الاستراتيجية للبلدين، وسيساهم في تقوية العلاقات، بما فيها الاقتصادية". وفي تصريح للأناضول، أضاف الأندلوسي، رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أن "فرنسا باعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء، أسست لمسار أكثر قوة في علاقتها بالمملكة". واستدرك أن "التنافس المغربي الفرنسي على السوق الأفريقية لن ينتهي، لكن يمكن للبلدين اعتماد آليات للتعاون الاقتصادي وفق مقاربة رابح رابح". ومن المنتظر أن تعرف العلاقات على المستوى الاجتماعي والسياسي تطورا، وعدم اقتصارها على الجانب الاقتصادي، بحسب الأندلوسي. ومنتصف أكتوبر الجاري، وقع المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بالمغرب(حكومي)، اتفاقية تعاون وشراكة مع مجلس تقييم المدرسة بفرنسا، بهدف إقامة تعاون وثيق يرتكز بشكل أساسي على تبادل الخبرات والممارسات الجيدة، بمجالات التربية والتكوين. منافع متبادلة استراحت الرباط بعد إعلان باريس دعمها لمقترح الحكم الذاتي في إقليم الصحراء، خصوصًا وأن فرنسا تُعد من الدول الأكثر إلمامًا بتعقيدات هذا الملف نتيجة استعمارها السابق لكل من المغرب والجزائر. وسيزداد حضور الرباط في الاتحاد الأوروبي بعد انضمام فرنسا إلى كل من إسبانيا وألمانيا في تأييدها لموقف المغرب، إلى جانب كون فرنسا عضوًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي. وبعد عودة العلاقات إلى سابق عهدها، ظفرت شركات فرنسية بمشاريع بالمملكة. وفي هذا الإطار، بحث رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، مع وزير الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية الفرنسي، "برونو لومير"، في ابريل / نيسان الماضي، تطوير التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين. وعبر الطرفان خلال المباحثات، وفق بيان لرئاسة الحكومة المغربية، عن "إرادة البلدين على المضي قدما بالشراكة الاستراتيجية متعددة الأبعاد"، وفق البيان. ومكنت المباحثات، وفق البيان، "من الوقوف على الآفاق الواعدة للتعاون الصناعي بين البلدين في قطاعات هامة، خاصة قطاع الهيدروجين الأخضر، كما شكلت مناسبة للإشادة بدور الوكالة الفرنسية للتنمية في مواكبة الإصلاحات والبرامج التنموية المبرمجة من طرف المملكة المغربية". وأوضح البيان أن المبادلات التجارية الثنائية بلغت سنة 2023 ما يقارب 163.1 مليار درهم، بزيادة ناهزت حوالي 33 بالمائة مقارنة بسنة 2021. وحسب بيانات واردة عن البوابة الوطنية للصفقات العمومية، فقد ظفرت شركة "إيجيس" الفرنسية للهندسة المتخصصة في إنجاز مشاريع البنيات التحتية، بعد يومين من نشر رسالة ماكرون، بالاشتراك مع نظيرتها "سيسترا" وشركة "نوفيك" المغربية بعقد تقني يخص خط سكك حديد للقطارات السريعة بين القنيطرة ومراكش. وأشار المصدر ذاته، أن مجموعة "إنجي" الفرنسية للطاقة تقوم حاليا بالاشتراك مع "ناريفا" المغربية ببناء محطة لتحلية مياه البحر في الداخلة، بالإضافة إلى مشاريع أخرى تقوم بها شركات فرنسية بالإقليم. انعكاسات التوتر السابق خلال "الأزمة" بين البلدين، تضررت المصالح الاقتصادية الفرنسية بالمغرب. ففي دجنبر 2022، أعلن المغرب، وقف تداول أسهم شركة "سنترال دانون" الفرنسية، في بورصة الدارالبيضاء، مما عكس مستوى تأثر العلاقات الاقتصادية بالتوترات السياسية. وتملك "سنترال دانون" مصنعين للحليب ومشتقاته في مدينتي الدارالبيضاء والجديدة. وفي أكتوبر 2022، أعلن المغرب، وقف تداول أسهم شركة "ليديك" الفرنسية، في بورصة الدارالبيضاء. وقال بيان لبورصة الدارالبيضاء: "شطب أسهم رأسمال الشركة الفرنسية، جاء بناء على العرض العمومي الإجباري للسحب، وبناء على طلب المصدر (شركة ليديك)". وفي عام 1997، وقع المغرب مع "ليديك"، (تشتغل في قطاعي الكهرباء والماء)، عقد عمل يمتد 30 عاما، ينتهي العمل به في عام 2027. ومنذ عام 2005، أدرجت شركة "ليدك" في بورصة الدارالبيضاء، وتمتلك 51 في المائة من رأسمالها الشركة الفرنسية الأم "سويز". ويأتي الإعلان عن وقف تداول أسهم الشركتين الفرنسيتين في بورصة الدارالبيضاء، في ظل توتر في العلاقات بين البلدين في تلك الفترة، حيث ظهرت مؤشراته من رفض تأشيرات لمغاربة إلى فرنسا، منهم رجال أعمال وفنانون وطلبة. كما استطاعت إسبانيا أن تتصدر لائحة الشركاء الرئيسيين للمملكة خلال السنوات القليلة الماضية، بعدما كانت فرنسا هي الأولى. وخلال شتنبر 2022، قالت السفارة الفرنسية في الرباط، إن هناك أكثر من 1000 شركة فرنسية توفر حوالي 130 ألف فرصة عمل بشكل مباشر والآلاف بشكل غير مباشر، في قطاعات مختلفة بالمغرب. وأضافت السفارة، وفق معطيات نشرتها، أن الشركات الفرنسية تمثل حوالي 30 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المملكة.