لأول مرة سأستثمر سلطتي المعنوية وإن كانت رمزية، لأعمل وبكل إمكاناتي الجد متواضعة، على مصادرة ربطة عنق محمد البشير العبدلاوي عمدة طنجة، وأدعو كل نخب المدينة ومؤسساتها المدنية والسياسية والمجتمعية إلى أن تحدو حدوي، لأنه وبكل بساطة لا يمكن لكل من يضع ربطة عنق جميلة، وبذلة أنيقة ويجلس على الكرسي الوثير، وأضواء عدسات المصورين الصحفيين مسلطة عليه ليكون عمدة، رغم انبثاقه من صندوق زعموا أنه انتخابي، ومن تنظيم يبدو مؤسساتي . اليوم وبعد مرور زهاء 30 شهرا على تولي حزب العدالة والتنمية عمودية مدينة من حجم طنجة، يحق لنا إصدار حكم ولو أولي، على تجربة عول عليها الكثير من المراقبين والفاعلين لتكون قاطرة للإرتقاء وتطوير التدبير المحلي بالمغرب، خاصة وأن التجربة فريدة من نوعها من حيث العدد، فهي تتوفر على الأغلبية المطلقة في العشرات من المجالس المحلية على طول التراب الوطني، يقودها تنظيم يتوفرعلى الحد الأدنى من مقومات حزب سياسي، في ظل الترهل الذي تعيشه التنظيمات السياسية بالمغرب . مع مرور الأيام والشهور بدأ حماس البداية يتراجع، ووجد العمدة نفسه في حالة شرود بلغة أهل الكرة، وهي وضعية كما نعرف لا تتيح لصاحبها إمكانية التسجيل في المرمى، فبالأحرى إن كانت مرمى السلطة، التي تحتاج إلى مواصفات خاصة للتهديف، فلا يكفي أن تصل إلى العمودية عن طريق صندوق الاقتراع وبأغبية ساحقة، حتى وإن كنت تسوق حزب سياسي قوي تنظيميا، بل لا بد من آليات يمكن فتح النقاش حولها، كما يمكن الاستعانة بهيئات المجتمع المدني والإعلامي لمقارعة السلطة من داخل المؤسسات، تماشيا مع منهج الحزب الذي يؤمن بإمكانية الإصلاح من الداخل، والمقارعة ليس من أجل المواجهة أو الهيمنة كما قد يتوهم البعض، بل فقط لدفع السلطات إلى إخلاء مربع عمليات المؤسسات المنتخبة وفي مقدمتها المجلس الجماعي، لكي تمارس صلاحياتها التي يخولها لها القانون . "جمالية" تخلي عمدة طنجة عن صلاحياته القانونية، تتعزز أكثر عندما تسمع مبررات فشل قيادات التدبير المحلي في ممارسة الاختصاص، فخلال دورة فبراير لمجلس طنجة التي انعقدت يوم الأربعاء الماضي 07 فبراير 2018، قال النائب الأول للعمدة، وهو أحد مهندسي الطريقة التي يدبر بها حزب العدالة والتنمية شؤون الجماعة، "مشكلة الأسواق ماشي مشكل تقني.. فيه ما هو سياسي ما هو اجتماعي وما هو أمني وما هو تدبيري..لذلك عادي أن تكون الأسواق تحت اشراف السلطات التي نتعاون معها منذ سنتين". وأضاف "مجلس جماعة طنجة اشتغل طيلة السنتين الماضيتين، بانسجام تام وبقرارات تاريخية وصعبة مع السلطات"، مشيرا إلى أن "هذه بلاد المؤسسات ويجب ان نشتغل بتعاون"، وأكد وسط اندهاش المهتمين، على أن "العمدة فاتح السيد الوالي في قضية الأسواق، وقال له ان هناك اختلالات، وأقره على ذلك، وأخبره ان هناك مشاكل، فاعترف له بأن هناك مشاكل، وهذه المشاكل تحصر وتعالج بإرادة جماعية". ولم يكتفي سعادة نائب العمدة عن الحديث عن الاختلالات عوض التأكيد على حق الجماعة في تدبير ما يخولها لها القانون، بل استطرد قائلا : "بلغني أن هناك دفتر للتحملات ينظم الأسواق ومصادق عليه من طرف المجلس، ولم أشأ أن أبحث عنه"، وأضاف وساط استغراب البعض "ياربي ميكونشي صحيح لأنه ان كان موجودا فهو كارثة بجميع المقاييس، وأنا طالبت بعد احضاره وقناعتي غالبا مكاينشي". وقبله بأيام، فاجأ محمد خيي رئيس مقاطعة بني مكادة الحاضرين أثناء عرض حصيلته المرحلية بأحد فنادق المدينة المصنفة، وهو يقول أنه لا يمكن له أن يقتحم ملاعب القرب لكي يستطيع ممارسة اختصاصاته التي يمنحها له القانون المتعلق بتدبير المقاطعات. وهو ما يجعلنا نتساءل عن الفرق بين مبررات خيي وأمحجور وبين مبررات أخرى، قدمها محمد الحمامي الرئيس السابق لمقاطعة بني مكادة والمنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي قال بعدما وجهت له انتقادات حول الطريقة التي دبر بها ملف التعمير، "إنه ساهم من موقعه في استقرار المغرب، فالزمن كان زمن الربيع العربي، ولم يكن ممكنا تجييش المواطنين خاصة وأن الأمر يتعلق بمقاطعة ليست كباقي المقاطعات"، وأضاف مؤكدا "إنها بني مكادة ياحبيبي"، في إشارة أن الحراك الشعبي الذي عرفه المغرب سنتي 2011 و 2012 كان ينطلق في صيغته الطنجاوية من منطقة بني مكادة التي كان يترأس مقاطعتها في ذلك الوقت، وهو ما يجعلنا نجد إذا سلمنا بمنطق خيي وأمحجور أن مبررات الحمامي أقوى وأبلغ . إن مثل هذه التصريحات لا معنى لها سوى التخبط الذي تعيشه العصبة المدبرة للشأن المحلي التي طالما انتقدت وبشدة المجالس المحلية السابقة عدم ممارستها لصلاحياتها، ولا معنى لمضامين تلك المبررات سوى حالة الاستسلام التي يوجد عليها حزب العدالة والتنمية بطنجة أمام الواقع الذي فرضته السلطات، والذي على ما يبدو وجد نفسه عاجزا، غير قادر على التأثير في بنية سلطة تظلل كل شيء بأدرعها المتعددة . طنجة تحتاج إلى عمدة حقيقي يمارس صلاحياته واختصاصاته القانونية على علاتها، وتحتاج إلى من يبدع في إيجاد الآليات المناسبة لكي تمارس المجالس المحلية المنتخبة اختصاصاتها، وليس إلى هذا الإبداع الصادر عن قيادات التدبير المحلي في تبرير فشلها في تنزيل مضامين القانون المنظم لعمل الجماعات، خاصة وأن هذا التبرير غارق في الاستسلام لواقع غير سوي، يؤكد "الإنحناء" المستمر والدؤوب لما يصدر عن السلطات الولائية التي أصبحت تتصرف في مربع عمليات العمدة دون الرجوع إليه، ولا تعطي أي اعتبار لا للعمدة ولا للمؤسسات المنتخبة التي أصبحت خادمة لما تقرره السلطة .