لم تكن الشابة المغربية سميرة الهاشمي ذات السابعة والعشرين ربيعا، والحاصلة على الماستر في شعبة تسيير (إدارة) المقاولات، تعلم أنها ستصبح في يوم من الأيام ملهمة لكثير من المغاربة ومن الذين تابعوا قصتها عن كثب. حول حادث سير مروع سميرة ذات الأحلام والتطلعات العادية والتي كانت تعمل مسؤولة التواصل بإحدى المدارس العليا، إلى فتاة تتفجر أملا وطموحا، فقدت ذراعها، لكنها حصلت في المقابل على ثقة غير محدودة بنفسها، وأصبحت أكثر حبا للحياة، ومثابرة على تحمل محنها. يوم الفاجعة خلال أول إجازة لها، في سنة 2015، كانت سميرة عائدة من زيارة أختها بمدينة أكادير نحو مسقط رأسها بمدينة الصخيرات دون أن تدري أن القدر يخبئ لها ما سيغير مجرى حياتها. غفوة مباغتة للسائق كانت كافية لتفقده السيطرة على عجلة القيادة، وتفقد سميرة ذراعها، بعد انزلاق الحافلة لأزيد من ثمانين مترا. "إذا كانت تلك اليد لك فهي لك وإن كانت لله فهي لله"، هكذا ردت والدة سميرة على ابنتها حين أخبرتها من المستشفى في مكالمة هاتفية أنها فقدت الإحساس بيدها. اضطر الأطباء إلى بتر ذراعها اليسرى، ولم يتبق منها إلا طرف صغير، كما حكت سميرة للأناضول. وأضافت "بعد العلمية بكيت كثيرا، ثم توقفت عن البكاء ورضيت بما قسمه الله، وحاولت تخطي أزمتي، وأن لا أجعل ما وقع يحبطني أو يؤثر في". تحكي سميرة وابتسامتها على وجهها، أن يوم التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 2015 كان يوم التغيير بامتياز في حياتها، فهو لم يغير شكل جسمها فحسب؛ وجعلها فتاة بلا ذراع، بل غير شخصيتها بالكامل، وحولها من سميرة الفتاة العادية، إلى سميرة ذات الإرادة القوية والعزيمة، وجعل من حولها يكتشفونها بشخصية أخرى وبصفات لم تكن ظاهرة من قبل. بعد شهرين على الحادث عادت سميرة لعملها واستمرت فيه كما كانت في السابق، بعد أن قررت أن لا مجال للإحباط أو اليأس أو العودة إلى الوراء، لكنها تضيف "كان عليها أن تتعلم كيف تتحدى نفسها وكيف تعود أقوى مما كانت عليه، والأكثر أن تتعلم العيش بيد واحدة، وتحاول القيام بكل إحتياجاتها الخاصة دون مساعدة أحد". حب رغم المحن كان للحب في حياة سميرة دور كبير في جعلها تصمد أمام مصابها، وشاءت الأقدار أن تتعرف قبل الحادث على شاب، ظل إلى جانبها وساندها في محنتها، إلى أن تكللت القصة بالزواج. "بعد الحادث جاء صديقي لزيارتي بمنزل العائلة، وفجأة سقط المنديل الذي أغطي به يدي، وكان ذلك اليوم بالذات هو اليوم الذي بكيت فيه كثيرا"، تقول سميرة التي طلبت من صديقها أن يبتعد عنها ويكمل حياته إلى جانب فتاة أخرى لكنه أصر على البقاء إلى جانبها. بعد عام ونصف العام من الحب والمساندة والإرادة تزوجت سميرة من الشخص الذي لم يتخل عنها وأحبها كما هي. لكن ثمة تحد كانت تخشاه سميرة وهو عدم قدرتها على خدمة نفسها وزوجها، وأن ترى منزلها دائما في أبهى صورة، وتطهو الطعام بمفردها دون الحاجة إلى المساعدة، كما قالت. وسرعان ما نجحت الشابة في تجاوز مخاوفها، بعدما اكتشفت بعد أشهر من الزواج أنها قادرة على الوفاء بمتطلبات البيت كأية زوجة أخرى أحيانا بمساعدة زوجها. أطلقت سميرة لطاقتها المتفجرة العنان، وتمكنت من تطوير قدراتها الخاصة، وإنجاز الكثير من المهام بمفردها، أو بمساعدة الآخرين، دون أن تتردد أو تخجل في طلب المساعدة منهم في الشارع متى احتاجت لذلك. بعد غياب سنة إثر الحادث؛ نشرت سميرة عبر صفحتها على الفايسبوك تدوينة تتحدث فيها عما مرت به. ولاقت تلك التدوينة إعجاب متابعيها، حيث تمت مشاركتها عبر صفحات ومجموعات الكترونية عديدة، لتصبح بعدها سميرة ملهمة للشباب. هكذا أصبح يطلب منها الحضور في العديد من الندوات والفعاليات لتروي قصتها أمام المئات من الحاضرين ولتكون نموذجا يقتدى به في الأمل والطموح والتشبث بالحياة وحبها. "الحياة لا تتوقف على عضو من أعضاء الجسم، فالإعاقة ليست إعاقة الجسد بل هي إعاقة الفكر"، تقول. كثيرا ما تلمح سميرة نظرات الشفقة والاستغراب في عيون الناس بالشارع، لكنها مؤمنة كما تقول أنها ليست بحاجة للشفقة وأن ماحدث هو إمتحان لصبرها وقوتها. حكمة الابتلاء الجانب الإيجابي في التجربة، حسب سميرة، أن الحادث جعلها تكتشف أنها إنسانة قوية وصبورة، كما جعلها تتعرف على أناس كثر أحبوها وأحبتهم، وتتقرب أكثر من عائلتها وأسرتها الصغيرة وأصدقائها وأساتذتها الذين قدموا لها الدعم والمساندة. "توصلت إلى حقيقة مطلقة مفادها أن الله يحبني كثيرا لهذا ابتلاني، ليختبر مدى قوتي وتحملي، والحمد لله أنني لم أفقد اليد الأخرى" تقول، مشيرة إلى أن الناس عادة لا يقدرون نعمة الله عليهم بامتلاكهم ليدين. استطاعت سميرة أن تتغلب على مخاوفها وتقنع بما لديها، وعبر ذراع مبتورة تقول للجميع "نعم أنا امرأة بيد واحدة، لكنني قادرة على أن أكون ما أريد وأن أنجح بدون يد إذا كان ذلك هو قضاء الله وقدره". الكثير من النجاح والأمل في انتظار الشابة المغربية، التي تحضر الآن أطروحة الدكتوراه في موضوع "التعليم الفني بالنظام التعليمي المغربي"، وتطمح أن تصبح مدربة عالمية، قادرة على إيصال رسالتها للعالم، وأن تثبت للجميع أن الإعاقة هي إعاقة الفكر لا الجسد، وأن تجعل من الابتلاء موضع تميز وامتياز. *وكالة الأناضول