نهضة بركان يبحث بكل ثقة وهدوء عن تأكيد تأهله إلى النهائي من قلب الجزائر    ماراطون الرباط الدولي.. الأوغندي شيلانغات يحرز اللقب والمغربي بوقنطار وصيفا له    اليوم يتعرف "البيجيديون" على أمينهم العام الجديد وسط غياب بارز للرؤية السياسية المستقبلية    18 قتيلا على الأقل و800 جريح في حصيلة جديدة لانفجار المرفأ في إيران    الأمن الوطني يكشف حقيقة فيديو جريمة قتل وهمية بابن أحمد ويوقف المبلغ الكاذب    تصاعد التوتر بين الهند وباكستان بعد قرار قطع المياه    كندا.. قتلى وجرحى إثر دهس سيارة لحشود في مهرجان بفانكوفر    تونس تتحول في عهد قيس سعيد إلى ظل باهت لنموذج سلطوي مأزوم    الجزائر في مواجهة مرآة الحقيقة: أكاذيب الداخل والخارج    مشروع ورش الدار البيضاء البحري يرعب إسبانيا: المغرب يواصل رسم ملامح قوته الصناعية    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    "العدل" تستعدّ لإصدار نصّ تنظيمي بشأن تطبيق قانون العقوبات البديلة    "لبؤات الفوتسال" يواجهن أنغولا    احتجاج أمام "أفانتي" في المحمدية    جلسة حوارية "ناعمة" تتصفح كتاب "الحرية النسائية" للمؤرخ بوتشيش    حقيقة قتل "سفاح ابن أحمد" لطفلة    برشلونة يحرز لقب كأس إسبانيا    "المرأة البامبارية" تُبرز قهر تندوف    المديني: روايتي الجديدة مجنونة .. فرانسيس بابا المُبادين في غزة    فوزي لقجع نائب أول لرئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم    الأمن يصيب جانحا بالرصاص بالسمارة    بنكيران يتجنب التعليق على حرمان وفد "حماس" من "التأشيرة" لحضور مؤتمر حزبه    الدوري الماسي: البقالي يحل ثانيا في سباق 3000 متر موانع خلال ملتقى شيامن بالصين    قتلى في انفجار بميناء جنوب إيران    المباراة الوطنية الخامسة عشر لجودة زيت الزيتون البكر الممتازة للموسم الفلاحي 2024/2025    الكلية متعددة التخصصات بالناظورتحتضن يوما دراسيا حول الذكاء الاصطناعي    أدوار جزيئات "المسلات" تبقى مجهولة في جسم الإنسان    أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    تتويج 9 صحفيين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    مناظرة جهوية بأكادير لتشجيع رياضي حضاري    جديد نصر مكري يكشف عن مرحلة إبداعية جديدة في مسيرته الفنية    بواشنطن.. فتاح تبرز جاذبية المغرب كقطب يربط بين إفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة    مؤتمر "البيجيدي" ببوزنيقة .. قياديان فلسطينيان يشكران المغرب على الدعم    جيدو المغرب ينال ميداليات بأبيدجان    المغرب يرسّخ مكانته كمركز صناعي إفريقي ويستعد لبناء أكبر حوض لبناء السفن في القارة    برهوم: الشعب المغربي أكد أنه لا يباع ولا يشترى وأن ضميره حي ومواقفه ثابتة من القضية الفلسطينية    بدء مراسم جنازة البابا في الفاتيكان    إطلاق مشروعي المجزرة النموذجية وسوق الجملة الإقليمي بإقليم العرائش    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    البشر يواظبون على مضغ العلكة منذ قرابة 10 آلاف سنة    من تندرارة إلى الناظور.. الجهة الشرقية في قلب خارطة طريق الغاز بالمغرب    تصفية حسابات للسيطرة على "موانئ المخدرات" ببني شيكر.. والدرك يفتح تحقيقات معمقة    تتويج الفائزين في مباريات أحسن رؤوس الماشية ضمن فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب 2025    ماذا يحدث في بن أحمد؟ جريمة جديدة تثير الرعب وسط الساكنة    بدء مراسم تشييع البابا فرنسيس في الفاتيكان    ولاية أمن الدار البيضاء توضح حقيقة فيديو أربعة تلاميذ مصحوب بتعليقات غير صحيحة    المرتبة 123 عالميا.. الرباط تتعثر في سباق المدن الذكية تحت وطأة أزمة السكن    الجهات تبصِم "سيام 2025" .. منتجات مجالية تعكس تنوّع الفلاحة المغربية    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تنفجر الأوضاع بالمغرب بوجود "المخزن" ؟
نشر في طنجة 24 يوم 30 - 12 - 2011

كيف يتعايش المغرب المستقر سياسيا مع احتلال أدنى مراتب التنمية (الرتبة 130) ؟ لماذا تخطئ كل مرة التوقعات التي تنذر دائما بقرب انفجار الاوضاع ؟ بل حتى السكتة القلبية التي سبق أن حذر منها الراحل الحسن الثاني منذ أكثر من عقد لم تقع، ولن تقع في نظرنا إذا ما كان التحليل مطابقا لحقيقة الأمور. ومن حينها وإلى الآن انتظر الكثير العواصف لتهب على مركب المملكة لكنها لم تعصف إلا بتلك الهواجس، لماذا ؟
للإجابة على هذه التساؤلات نتعرض أولا لعوامل الإستقرار السياسي وثانيا لأسباب الإنحدار الثابت لمراتب الإقتصاد في ترتيب مؤشرات التنمية، لنخلص إلى تحديد دقيق لسبب أو أسباب هذا التعاسش الغريب بين متناقضين في جسد هذا البلد العريق.
أولا : الإستقرار السياسي .
يخضع النظام السياسي بالمغرب لهيمنة نظام آخر، ترسخ منه أزيد من قرن وتجذر في ثنايا النسق السياسي وفي المجتمع ، واكتسب مع الوقت تجربة أكسبته مناعة ضد مخاطر الإستقرار . هذا النظام هو "المخزن" .
فإلى حدود سنة 1956 كان بالمغرب نظامان في الإدارة والحكم يتعايشان الأول هو المخزن بثقافته وآلياته وتنظيمه والثاني إدارة عصرية من صنع الحماية. لكن سرعان ما ابتلع الأول الثاني ، فأصبح للمغرب نظام سياسي مخزني له واجهة عصرية يواصل من خلالها أدواره وبها يواصل تحكمه وسيطرته على المجتمع .
هذا "المخزن" وظف كل شيء من أجل بقائه وتجذره وإجهاض أي محاولة من النيل منه أو مزاحمته في الشرعية والفعل والتأثير .
أهم ما وظفه المخزن ، الشرعية الدينية ، فالملك قبل أن يكون رئيس دولة أو ملك هو " أمير المؤمنين "، وبهذه الصفة يجوز له فعل أي شيء ، ونشاطاته خارج المحاسبة أو الرقابة لا تخضع للمساءلة .
وإمارة المؤمنين لا تعني الخضوع لأي تعاقد مشروط، يرجع إليه من طرف الرعية . بل الرعية هي مجرد وديعة لدى السلطان لكرمه و إحسانه وعقده وعدله ، هي ملكية في يد السلطان ، "ظل الله في الأرض" .
فالملك يستمد شرعية من السماء لا من الأرض . والرعية عليها الخضوع والطاعة ولا حق لها في محاسبته أو مساءلته . فهو يضمن لها الأمن والإستقرار، و هي لا تطالب منه أكثر من ذلك .
غير أن الشرعية الدينية لوحدها، إذا كانت كافية في عهد الملك محمد الخامس ، فإنها لم تعد كذلك في عهد الحسن الثاني .
وهكذا ومنذ 1961 عمد الملك الراحل إلى تجميع كل السلطات بيده وأصبح هو المتحكم الوحيد في كل الجهاز الإداري الذي يعمل تحت إمرته دستوريا . ومن تلك السلطات الجيش والداخلية والعدل وما له علاقة بالإقتصاد .
أهم تلك الأجهزة وزارة الداخلية ، فهي القوة الضاربة للسلك لدى المجتمع ، تؤطر ، تراقبه ، وتتحكم فيه ، وتكسر أي قوة جنينية محتملة لتكون مزعجة للملك .
فهي التي تضع مبدأ "الرعية وديعة لدى السلطان" موضع التنفيد ، فهي مغروسة في ثنايا المجتمع بغرض الضبط.
كما أنها هي من قامت - إضافة إلى الأجهزة السرية- بتكسير شوكة الأحزاب السياسية التي كانت تسعى إلى الإنفراد بتأطير المجتمع والحكم بالإشتراك مع الملك، كما أنها على عهد الراحل ادريس البصري قامت بترويض النخبة السياسية ذات الأصول الوطنية، وتحويلها من نخبة تطمح إلى تنزيل بدائل إلى مجرد أصوات معبرة عن مطالب فئات شعبية.
غير ان الشرعية الدينية وترويض النخب السياسية، ما كانا لينجحا لولا أنه قابلتها سمة سياسية طبعت السلوك السياسي للمغاربة منذ قرون. هذه السمة هي أن المغاربة بطبعهم لا ينتظرون من الحكم شيئا أكثر من تحقيق الأمن والإستقرار. ( ملاحظة واتربوري على سبيل الأستئناس ).
هذه الذهنية شكلت عقبة كؤودا في وجه الدعوات المناوئة التي كان يوجهها فاعلون معارضون للشعب بهدف تجنيده عوض معارك ضد القصر، كما أنه لنفس السبب فشلت المغامرات العسكرية التي قادها عسكريون ضد الملك الراحل، قبل أن تنتهي إلى حتفها. وقبلها فشلت ندائات اليسار الجذري التي كانت تهيب بقوى الشعب العاملة للإلتحاق بطلائع الفتح الأحمر.
كما أن نفس السبب هو ما أدى إلى إلى عزلة جميع الفرقاء السياسين وعناصر النخبة السياسية الرافضين للإندماج في اللعبة الديمقراطية، مما أدى بالجميع وخوفا من هاجس الإنقراض إلى المشاركة في لعبة الإلهاء التي يقوم بها النظام مع العناصر الرافضة.
فالعمل السياسي تحول إلى حلبة لترويض النخب والتلاعب بها وإشغالها في المناورات والمناوشات والمجادلات وقطعها عن جذورها الجماهرية.
هذه نظرة موجزة عن عوامل الإستقرار السياسي، فماذا عن حقيقة المراتب المتأخرة في مؤشرات التنمية؟.
ثانيا : ضعف التنمية.
يتعايش الإستقرار السياسي مع احتلال المغرب المراتب المتأخرة في ترتيب معدل التنمية. كام أن الأرقام التي يتداولها المختصون حول نسبة التضخم والعجز التجاري والامية والجهل ومن يعيشون تحت عتبة الفقر كل ذلك تؤكده الحكومة قبل من هو خارجها. والأوضاع لا تدعوا إلى اي تفاؤل وعلى كافة المجالات. كما ان الربيع العربي كلف الدولة لتجنب الإهتزاز وشراء السلم ما يزيد عن 45 مليار درهم.
وقد قتل الباحثون موضوع ضعف التنمية بحثا وتحليلا وذكروا بعدة نظريات أقواها وأسلمها هو أن العامل الأساسي هو إحدى مميزات النظام المخزني الذي يحتل النسق السياسي العام.
من هذه المميزات أن النظام ومنذ فجر الإستقلال، أو بالاحرى قبل تلك المرحلة بعقود، أخذ على نفسه عهدا بعدم السماح بنشوء اقتصاد مستقل عن سلطة الحكم، لخطورة الأمر على الإستقرار السياسي كما وقع في الدول حيث قادها البرجوازية قاطرة لبناء اقتصاد عصري يقوم على الابتكار والمنافسة والحرية والتوسع.
والسبب هو هو أن النظام المخزني يجهض أي قوة لا تخضع لسيطرته وتحكمه، فالمخاطر كلها التي كانت تواجهها السلطة المركزية منذ قرون، كان العامل الأساسي فيها هو هو الإستقلال المالي ووجود مصادر للتمويل خارج الضبط والتحكم. وهنا نتذكر أنه كان لعدة حركات مناوئة للحكم المركزي "مخزنها". بمعنى مستودع أموالها النقدية والعينية. وبالمقابل وبالمقابل حركات المركز المسلحة كانت كلها تروم بالدرجة الأولى إتلاف أي مصادر تموين تلك المعارضات.
نفس العقلية سادت في المغرب منذ فجر الإستقلال في تعامله مع الإقتصاد في صورته الجديدة، وهذا ما عطل اقتصاد في مستوى دولة غنية بموارده الطبيعية.
إن ما يطلق عليه اليوم اسم "اقتصاد" لا يعد وكونه اقتصاد ريع، تسيطر عليه عائلات ورثت الثروات ورؤوس الاموال من مرحلة ما بعد الاستقلال.
فالمخزن كان هو المتحكم في أصول الثروات وقام بتوظيفها لشراء طبقة تكون له عونا ورهن إشارته. حيث قام بتفويت ممتلكات الدولة وأصولها غلى نخبة من ذيوله ومن رموز البيروقراطية الإدارية واللوبيات السياسية، وتشكلت طبقات من الأثرياء على حساب الأمة. وقد لعبت الظهائر الملكية دور إعطاء الضوء الأخضر للمحظوظين لاستنزاف المال العام.
والنتيجة هي فقدان اقتصاد سليم يرتكز على المبادرة الخلاقة وحرية المنافسة وإبداع الحلول للركود الاقتصادي المزمن وسيادة اقتصاد فاسد يقوم على تحقيق الأرباح الفلكية بدون فائدة، كما يفرخ البطالة ويزيد من ويلات التفاوت المتصاعد بين النمو الديمغرافي والتنمية.
فالنظام المخزني إذن يجد دعامته في وجود طبقة ثرية تحت سيطرته وتحكمه، والتنمية الاقتصادية ليست من صميم برنامجه.
لكن ضعف التنمية قد يكون مهددا للنظام السياسي في دول أخرى. لكن في المغرب العكس هو المحقق. لماذا؟ لأن النظام المخزني يجد البديل في استقطاب النخب التي يرى فيها معبر مزعج عن مطالب الفئآت المحرومة من نصيبها من الغنائم.
هذا الاستقطاب الذكي للعناصر التي تعبر عن مطالب الشعب نجح منذ الاستقلال، وهو الاسلوب نفسه الذي يتعامل به النظام مع أي حركة احتجاج ورفض ناشئة. فالاستقطاب والتلاعب بالنخب وإلهائها أفضل من السماح بنشوء اقتصاد خارج السيطرة. لأن من شأن ذلك أن يفرز طبقة تساوم بقوتها أمام الحكم.
ولا ننسى أن النظام المخزني يحدد للسلط دورا لا يتعدى تحقيق الوحدة والأمن والاستقرار العام، وأما وجود برنامج تنموي من عدمه فهما سيان.
لكن هذا لا يمنع الملك من القيام بمشاريع تنموية لامتصاص الاحتقان وتسكين الاوضاع. فالملك حسب هذا النسق السياسي المغربي يتدخل بما يحقق الأمن والاستقرار لا غير، نشاطه أمني صرف، لا تنموي كما تتطلبه التنمية من تحقيق تغيير شامل في المنظومة.
ثالثا: استنتاج
من خلال ما سبق نخلص أن النظام المخزني بالمغرب هو المهيمن على مصادر السلطة والمال، هو مصدر كل سلطة سياسية وهو مصدر كل منفعة اقتصادية.
هذه السيطرة الزدوجة هي تتيح له الضبط والتحكم، سياسيا يستطيع بنجاح عبر ثقافته وما لديه من سلطات واسعة أن يحتكر كل سلطة ويجهض كل قوة مناوئة، أو يلهي النخب السياسية الغاضبة من صيرورة النسق السياسيا العام. واقتصاديا يستطيع وبنجاح أيضا الإبقاء على الأوضاع ضمن دائة التحكم، وأي احتقان اجتماعي يجب التعامل معه بمبادرات التسكين والتهديء، وإنهاك القوى التي تستمد قوتها من التجذر بين أفراد المجتمع.
لكل هذا يتعايش وبنجاح في جسد المملكة الاستقرار السياسي مع مخاطر اندلاع الأزمات ولأجل ذلك تغيب تنبؤات الكثيرين بحصول الانفجار. إذ النظام المخزني الذي ترسخ منذ أزيد من قرن ونصف يستطيع ابتلاع أي قوة مناوئة له، كما أن ذلك الابتلاع هو ما يفصل النخب السياسية المعارضة عن جذورها. وبالتالي عودة الجمود إلى الاوضاع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.