حافلات "الموت" تسببت في حوادث خطيرة والمجلس الجماعي يستعد لتجديد العقدة مع أوطاسا ليس من قبيل المبالغة أن يصدق وصف "حافلات الموت" الذي يردده سكان مدينة طنجة للدلالة على القلق والتذمر المتزايدين من سوء الخدمات التي توفرها شركة النقل الحضري الاسبانية من خلال حافلاتها التي تجوب على مدار ساعات النهار شوارع مدينة طنجة، بعد أن باتت أخبار الحوادث التي تتسبب فيها هذه العربات تتصدر في كثير من الاحيان النشرات الإخبارية في مختلف وسائل الإعلام. حوادث سير كثيرة كانت حافلات "الموت" سببا مباشرا لها أو طرفا فيها منذ أن تم توقيع اتفاقية عقد الامتياز بين الشركة الاسبانية ومجلس مدينة طنجة قبل أزيد من عشر سنوات، ويبدو أن "الطنجاويين" سيسمعون مزيدا من أخبار هذه الحوادث خلال السنوات القادمة في حالة ما إذا ظلت البنية الميكانيكية المتردية لأغلب الحافلات على حالها في ظل تغاضي المجلس الجماعي عن خروقات الشركة لدفتر التحملات، والتي رصدتها مجموعة من التقارير الصادرة عن جمعيات مدنية تعنى بالدفاع عن حقوق المستهلك وكذلك هيآت عمومية. وأمام اخبار هذه الحوادث التي لم تعد تفصل بينها فترات متباعدة، فإنه ومما لا شك فيه فقد اضحى الكثيرون يتحدثون من باب الدعابة -على الأقل- أن مرور الرحلات في سلام، اصبحت حالات استثنائية، إذ أن كل من يستقل متن إحدى حافلات "الموت" يعتبر نفسه في عداد المفقودين إلى حين أن تكتب له ولادة جديدة بعد توقف العربة في نقطة الوصول التي يقصدها. أعطاب ميكانية تضع الأرواح على كف عفريت لم يكد يستفيق الكثيرون من هول الصدمة التي خلفها خبر الحادثة التي كادت أن تودي بحياة فتاة سقطت من داخل حافلة تابعة لشركة "اوطاسا" بسبب كون بابها الخلفي مفتوحا نظرا لوجوده في حالة عطب، حتى استيقظوا من جديد في بداية الأسبوع الجاري على خبر حادثة كان من الممكن أن تودي بحياة العشرات من ركاب حافلة أخرى بحي كسبراطا لولا الألطاف الإلهية، بعدما اندلعت ألسنة النيران فجأة في محرك الحافلة بشكل أثار موجة من الرعب والصراخ بين العديد من ركابها. ورغم أن الحادثتين لم تخلفا خسائر بشرية باستثناء الاولى التي أصيبت فيها الفتاة بكدمات ورضوض جراء سقوطها العنيف من داخل الحافلة، فإن السبب الرئيسي لوقوع الحادثتين يظل واضحا للجميع، وهو الحالة الميكانيكية المتردية للحافلتين، وهي نفس الحالة التي توجد عليها معظم الحافلات التابعة لشركة النقل الحضري الإسبانية. حادثة الاثنين الأخير تعود بذاكرة المواطن إلى شهر غشت من سنة 2010 عندما تم تسجيل حادثة خطيرة مشابهة ، حيث اندلعت النيران فجأة في محرك حافلة بحي دار التنونسي، مما كاد أن يتسبب في كارثة انسانية لولا فرار الركاب –بأعجوبة- قبل أن تأتي النيران على الحافلة بالكامل. حافلات أوطاسا تقتل.. الزمان، حوالي الثامنة والنصف من صباح يوم الإثنين 28 شتنبر 2009. المكان، منطقة طنجة البالية الخاضعة لنفوذ المقاطعة الحضرية امغوغة. أما الحدث فهو حادث اصطدام بين حافلة تابعة لشركة أوطاسا كانت في طريقها إلى منتزه "المنار" وبين عربة نقل عمال كانت قادمة من ميناء طنجة المتوسط الموجود على بعد كيلومترات قليلة من مكان الحادث. ستة قتلى و33 جريحا هي الحصيلة المعلن عنها من طرف السلطات المحلية، وهي حصيلة ثقيلة يتم تسجيلها في حادثة سير واحدة. وبالرغم من أن أكبر قدر من المسؤولية يقع على عاتق سائق عربة العمال، حسب العديد من المصادر، إلا أن مسؤولية سائق حافلة "أوطاسا" تظل حاضرة أيضا بقوة، فشهود عاينوا وقوع الحادث أكدوا ان الحافلة كانت تسير بسرعة كبيرة.
حادثة طنجة البالية لم تكن هي الأولى كما أنها لم تكن هي الأخيرة، فمن بين أخطر حوادث الحافلات التي سقطت بسببها أرواح المواطنين، يتذكر المواطن أيضا حادثة السير وقعت قبل خمسة أشهر من حادثة طنجة البالية المذكورة وأودت بحياة شخص بشارع سيدي بوعبيد، بعدما انزلقت إحدى الحافلات إثر عطب تقني في فراملها. وفي يوم 8 شتنبر الماضي نجت سيدة مسنة من موت محقق في حادثة سير تسببت فيها حافلة كانت ممتلئة بالركاب عندما فقدت القدرة على الفرملة في شارع فاس بمدينة طنجة.
مسؤولية المجلس الجماعي وأمام هذه الحوادث المتتالية التي تدل على شيء واحد، هو أن الاستهتار بأرواح المواطنين لدى مسؤولي "أوطاسا" قد بلغ مبلغه، فإن المجلس الجماعي لمدينة طنجة ممثلا في رئيسه فؤاد العماري، لم يجد حلا لمعالجة هذا الوضع إلا تجديد العقدة مع الشركة الاسبانية مدة عشر سنوات قادمة، شريطة أن تعمل على تجديد أسطولها تدريجيا في فترة لا تزيد عن سنة، حسب ما تفيد به مصادر مطلعة، وكأنه لا بأس من التضحية بمزيد الأرواح لسنة كاملة ريثما تقوم أوطاسا بتجديد أوسطولها. موقف المجلس الجماعي هذا، يأتي في ظل تزايد السخط الشعبي إزاء خدمات هذه الشركة الاسبانية، حيث تؤكد مجموعة من المصادر الجمعوية فشل اتفاقية تدبير قطاع النقل مع أوطاسا، مما يدفع العديد من فعاليات المجتمع المدني إلى المطالبة بفسخ العقد بشكل كلي معها والبحث عن فاعل جديد في مجال النقل الحضري عبر الحافلات، خصوصا. كما يأتي هذا الموقف من جانب مجلس المدينة، بالرغم من أن المجلس الأعلى للحسابات كان قد سجل في تقريره الأخير، سلسلة من الخروقات ارتكبتها شركة النقل الاسبانية، من بينها استعمال خطوط نقل غير متفق عليها في دفتر تحملات الاتفاقية.