كثُر الحديث في الآونة الأخير عن الحالة المتردية الني صارت عليها الوضعية الأمنية بالمدينة، بعد توالي الأخبار، عن حدوث جرائم هنا و هناك، لم تستثني لا الكبير و لا الصغير، قتل، و ضرب، و جرح، و اعتراض سبيل المارة، و سلبهم ممتلكاتهم... و يبدو أن المسألة لم تعد حديث المقاهي عن جريمة حدثت، و تطورت رواياتها و تناسلت، حتى صارت على كل لسان، و بسيناريوهات مختلفة، لكنها أكبر من ذلك و أخطر، إننا اليوم أمام أفعال إجرامية منظمة و خطيرة، تقلق راحة العباد و تشغل بالهم، و تقض مضجعهم، لما صار يحكى عنها وعن مرتكبيها، و طرق ارتكابها، و بشاعتها، حتى صرنا نحسب أنفسنا من الكائنات الغابوية، التي تعتمد شعار القتل و الافتراس من أجل العيش، و هذه الصورة، و إن كانت قاتمة، و غير منصفة لفئة كبيرة من المجتمع، إلا أنني و للأسف، أجدها مناسبة لوصف حالة "الَّلا أمن"، في ظل سلسلة الاعتداءات التي صرنا نعيش على إيقاعها، و التي تنذر بما هو أخطر، إن لم يتم تدارك الأمر، و العمل على تنقية الأحياء، و الأزقة، و المؤسسات التعليمية، من الفزَّاعات البشرية، المتربصين بالناس، أعداء السلم و الأمان. منذ حوالي أسبوعين، اهتز الشارع الطنجي، و صُدم أهله لخبر مفجع، تمثل في جريمة قتل بشعة، ذهبت ضحيتها طفلة لم تبلغ سنتها الرابعة بعد، ارتكبها في حقها شخص قيل عنه مختل عقليا، لم يكتفي بقتلها بطريقة متوحشة، بل حاول طهي أطرافها في طنجرة، - آسف جداً لهذا الوصف المؤلم- الجاني مهاجر سابق في الديار الإسبانية، قبل أن يتم طرده منها، لا ندري ألسبب الاختلال العقلي؟ أم للاختلال الخلقي؟ الجريمة سبقتها جرائم أخرى مشابهة، و مختلفة، و قبل أسابيع، سجلنا تعرض شرطي أثناء أدائه لعمله بساحة فرنسا، إلى ضربة عنيفة على مستوى الرأس بآلة حادة، وجهها إليه شخص قيل عنه أيضا "مختل عقلياً "، الشرطي نقل على وجه السرعة إلى إحدى المستشفيات في حالة خطيرة، و كثيرة هي الحوادث والجرائم التي وُصِف مرتكبوها بالمختلين عقليا، الذين رُفع عنهم القلم، و أسقطت عنهم التهم، لعدم مسؤوليتهم عن أفعالهم، فمن المسؤول إذاً؟ و من يحمي العقلاء منهم؟.
و يمكن الجزم بأن ارتفاع نسبة الجريمة، و حالات الانتحار، التي أصبحت تتصدر أولى نشرات الشارع الإخبارية، مراده تفشي ظاهرة تناول المخدرات بشتى أنواعها، الصلبة، والرطبة، والسائلة ،واللاصقة...و يبدو أننا أمام معضلة يصعب التغلب عليها، و لا شك أن من الناس يتسائلون عن سبب فشل الأمن في محاربة مروجي هذه السموم، التي صارت الهازم الأول و الأكبر لشباب البلد، كما أنها المصدر الأول والأكبر للاغتناء الفاحش و السريع، و الحقيقة أن كثيرا منهم من كان يظن أن المسألة لها علاقة بصعوبة ظروف عمل رجال الأمن، و النقص في الموارد البشرية، و الوسائل اللوجيستيكية، لكن وقائع كثيرة حدثت، أكدت أن المسألة أخلاقية في جانبها الكبير، فالكثير من رجال الأمن، و رجال الدرك، و القوات المساعدة، و الجمارك، و برتب مختلفة، ممن تورطوا في عمليات تهريب المخدرات، و التستر على مروجيها، و حمايتهم و تسهيل تنقلات رجالهم، و بضائعهم. و لنا في هذا الشأن أمثلة عديدة لعمليات تم إفشالها، و كان مسؤولون أمنيون من بين أبطالها فيها، و آخرهم دركي برتبة رقيب، اعتقل إلى جانب رئيس مصلحة الشحن بمطار ابن بطوطة الدولي قبل أيام، على خلفية محاولة تهريب حوالي 140 كيلوغراما من مخدر الشيرا إلى الديار البلجيكية، أليست هذه المعطيات كافية لمعرفة أسباب فشل الأمن في محاربة تجارة المخدرات ؟
و اليوم، و بعد كل ما ذكرناه و أكثر، بتنا ملزمين بالقول، أننا نعيش فراغا أمنيا، في مدينة، تضاعف عدد سكانها في ظرف وجيز، و ارتمت أطرافها بسرعة فائقة، دون مواكبة أمنية ، يمكنها تغطية كل الأحياء، التي منها من صارت مرتعا للفساد و الجريمة، و الانحلال الخلقي. مدينة يتم الإعداد لها كي تكون وجهة للاستثمارات الأجنبية، و قبلة سياحية متميزة، لا زال مفهوم الأمن بها، يقتصر فقط على الاختفاء بين الأشجار، لترصد من لم يحترم الضوء الأحمر، أو من لم يربط حزام السلامة، أو من يتحدث في الهاتف أثناء السياقة، أو ما شابه ذلك، و لا زال حفظ الأمن بها محصورا في تطويق ساحة، أَصَرَّ شباب حركة 20 فبراير على تسميتها ب " ساحة التغيير"، و منعهم من الدخول إليها، في حين، تعج شوارعها بالمنحرفين والمختلين عقليا، و مدمني الكحول، و حبوب الهلوسة، يتربصون بالمارة، و يهددون أمنهم، دون ناه و لا منتهي، و لو سُخِّر مُطَوِّقوا الساحة لحفظ الأمن بالمدينة، لكان ذلك أنفع لنا و لهم، و لفعلوا شيئا يشكرون عليه، و يفتخرون به، فإلى من تَكِلُنَا يا أَمْنُ، و جرائم المختلين عقليا أو أخلاقيا قد تفاقمت ؟