غضب عارم وسخط متعاظم، ذلك الذي عبرت عنه قطاعات عريضة من المجتمع المغربي، إثر التداول الواسع لمقطع فيديو، قبل أيام، يظهر محاولة مجموعة من المراهقين اغتصاب فتاة داخل حافلة للركاب بالدارالبيضاء، كبرى مدن المغرب. هذا الغضب تُرجم على الأرض الأربعاء الماضي، بمشاركة العشرات من الناشطين المغاربة في وقفة احتجاجية، أمام مبنى البرلمان بالعاصمة الرباط، وفي عدد من المدن المغربية الأخرى، ضد محاولة الاغتصاب، فيما وصف بأنه وجه آخر لغضب المغاربة يختلف عن احتجاجات الريف التي تشهدها مناطق شمالي البلاد منذ 10 أشهر رفضًا ل"التهميش" وللمطالبة بالتوظيف. وأظهر مقطع فيديو، نشر على نطاق واسع، منذ الأحد الماضي، على مواقع إلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي وتطبيق "واتساب"، محاولة 5 مراهقين اغتصاب فتاة داخل حافلة لنقل الركاب، بعد تجريدها من أغلب ملابسها، وهي تستغيث، فيما تكفل شريكهم السادس بتصوير ما يقوم به شركاؤه، وهم يتضاحكون. ورغم حوادث العنف والاغتصاب التي يسمعون بها على فترات غير بعيدة، إلا أن المشاهد الصادمة التي تضمنها الفيديو الأخير، والتي لم يعتد المغاربة رؤيتها بهذه الفظاعة و"الاستعراض"، لم تكن لتمر دون أن تشكل "وخزًا" في نفوس من شاهد المقطع أو سمع به، خصوصًا بعدما تردد أن الضحية تعاني من اضطرابات نفسية. وحدهم بعض المغردين على غير لحن "الإجماع الإنساني" من حاولوا تحميل المسؤولية للضحية بسبب ما اعتبروه "لباسا غير محتشم" كانت ترتديه الفتاة زينب، ذات ال 24 ربيعًا. ورغم أن ظروف تصوير الفيديو لم تُعرف لحد الآن، كما لم يعرف إن كانت الحافلة تضم ركابا آخرين غير الفتاة والمعتدين عليها والسائق، ولم يبادروا إلى "الدفاع" عن الضحية وردع المعتدين أم لا. لكن الحادث في حد ذاته اعتبر "جرس إنذار" للتنبيه إلى مستوى العنف غير المسبوق الذي أصبحت الفضاءات والمرافق العمومية مسرحا له، دفع المئات من المغاربة للخروج للاحتجاج في عدد من المدن. موجة من الغضب ظلت تتعاظم، رغم أن مصالح الأمن بالدارالبيضاء بادرت إلى توقيف المراهقين ال5 الذين ظهروا في الفيديو، وتلقفتهم واحدًا تلو الآخر، بعد ساعات من انتشار مقطع الفيديو، وإحالة الضحية للرعاية النفسية. وبين مساءلة "التقصير في الأمن"، ومحاكمة "النموذج القيمي والتربوي" الذي أصبح ينتج مثل هذه الظواهر، تراوحت المواقف والتعليقات على مواقع التواصل والاجتماعي وفي الفضاءات العامة. وبقي السؤال المتكرر والذي وقف عنده الكثيرون هو لماذا اقتضى الأمر مرور حوالي 3 أشهر (وفق رواية الأمن) على تاريخ الحادثة، قبل أن يعلم بها الأمن، ولماذا لم تبلغ عنها شركة "نقل المدينة" التي تتولى تدبير النقل الحضري (الداخلي) بالدارالبيضاء، وكانت إحدى حافلاتها مسرحًا للجريمة؟ وإذا كانت قد بلغت لماذا لم تتخذ الشرطة الإجراءات اللازمة؟. لذلك خرجت شركة "نقل المدينة" في اليوم الموالي لتداول الفيديو، لتدافع عن سائق الحافلة، الذي أصبح أمام تساؤلات عن دوره ورد فعله إزاء ما جرى داخل الحافلة، وتدفع عنه المسؤولية.وقالت الشركة في بيان مؤخرًا، إن "العناصر الأولية من التحقيق في الفيديو، تفيد أن الجريمة وقعت الجمعة 18 أغسطس/آب الجاري". مضيفة أنه "لا يمكننا القول إن السائق لم يتفاعل مع ما كان يقع في الكراسي الخلفية للحافلة، ولا يمكن الحكم على السائق بناء على فيديو مدته دقيقة واحدة". وتابعت: "نؤكد أن التحقيقات ستقدم معطيات ومعلومات أوفى عن ما وقع". مشيرة إلى أن سائقي الحافلات يتعرضون بشكل يومي للاعتداءات والتهديدات بالطعن، أو الطعن في حالات أخرى خلال مشادات كلامية مع بعض "المجرمين" دفاعًا عن الركاب. لكن مصالح الأمن بالدارالبيضاء، أكدت، بعد التحقيقيات التي باشرتها، وتوقيف الأشخاص الذين ظهروا في مقطع الفيديو، إن الحادثة تعود إلى 3 أشهر خلت، وهو ما زكته تصريحات والدة الضحية زينب، يجعل شركة النقل تحت دائرة المسؤولية على الأقل من جهة عدم تبليغ الأمن عما وقع داخل إحدى حافلاتها. ظهور الواقعة للعلن دفع بلدية الدارالبيضاء إلى الخروج ببيان لعمدتها يؤكد فيه أن "البلدية تعمل حاليًا على إعداد اشتراطات جديدة لتدبير ملف النقل الحضري بالدارالبيضاء، لاختيار من سيتولى تدبير هذا المرفق الحيوي بعد انتهاء مدة العقد الحالي بين البلدية وشركة النقل عام 2019". وبعد إدانتها "القوية لهذه الجريمة البشعة" وتضامنها المطلق مع الضحية، وتحيتها ل"يقظة السلطات الأمنية ونجاحها في توقيف المتهمين"، وتأكيدها على "ضرورة أن تبلغ التحقيقات مداها"، دعت بلدية الدارالبيضاء "كافة المواطنين" للمساهمة الإيجابية في التصدي لمثل هذه "الممارسات المشينة". ووسط عتمة هذه الحادثة غير المسبوقة، فإن "نقطة الضوء" هي حالة الرفض الشعبي الواسع والاستهجان الكبير المشفوع بخوف جلي وقلق منذر من "الاعتداء على الحريات"، و"الانفلات الأمني" الذي يقولون إن بعض المدن بدأت تشهده مؤخرًا. هذه "اليقظة" أيضًا كانت محط إشادة وتحية من مسؤولين ومثقفين وناشطين مغاربة على رأسهم رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، في أول اجتماع للحكومة (الخميس) بعد إجازتها الصيفية التي دامت أسبوعين. فبعد استنكار العثماني، ل"الاعتداء الشنيع"، الذي تعرضت له الفتاة داخل الحافلة، حرص على توجيه "التحية للرأي العام الوطني، لأنه كان له رد فعل آني قوي ومهم وإيجابي بالاستنكار والمطالبة بالمعالجة الآنية والجذرية وبعيدة المدى لمثل هذه الظواهر". وكشف مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، في مؤتمر صحفي عقب اجتماع الحكومة، أن العثماني حرص على توجيه التحية إلى الرأي العام لأن "تنمية الوقاية من هذه الظواهر الشنيعة تتم من خلال تبلور رأي عام يرفض التطبيع أو التعايش أو تبرير أو القبول أو استساغة أو التغاضي عن مثل هذه الظواهر". واعتبر الخلفي أن "وجود رأي عام قوي نشيط وفعال يراقب بقوة هو أحد الضمانات التي تؤسس لما نبتغيه من مواجهة مثل هذه الظواهر". وفي مقابل الإشادة ب"يقظة الرأي العام" المغربي، توعدت الحكومة عدم المبلغين عن الجرائم، فاعتبر وزير العدل، محمد أوجار أن "عدم تبليغ السلطات المختصة عن بعض الجرائم وفق ما ينص عليه القانون، يسيء إلى جهود السلطات في مجال مكافحة الجريمة وإلى سيادة القانون وتطبيقه على المخالفين بما يحقق الردع المطلوب". وأشار في رسالة إلى النيابة العامة بمحاكم المغرب، إلى أن بعض الجرائم "ترتكب علنًا أمام أنظار عموم الناس أو في أماكن عمومية أحيانًا دون أن يتم التبليغ عنها".ودعا النيابة العامة إلى "السهر على فتح الأبحاث (التحقيقات) القضائية في مواجهة حالات عدم التبليغ المجرمة قانونًا وترتيب الجزاءات القانونية المناسبة عليها بالحرص والصرامة اللازمين، بما يضمن حماية الأمن العام وسلامة الأشخاص والممتلكات وسيادة القانون والحد من الإفلات من العقاب". *وكالة الأناضول