دائماً، كنت أحرص على ألا يطلع إسمي في الأخبار، مادام المبتدأ مني غير مرفوع، بشكل يليق بشخصنا المتواضع الذي لا يقبل أن يكون سهمه مجرد "ضمة".. ظاهرة في آخره. ولهذا، كنا (آخر) من يدخل إلى القاعة، وآخر من (يتناول) الكلمة.. ولم يسجل علينا، قط، أننا كنا نسعى إلى تناول الحلوى، مع أننا لسنا خائفين عن مصير أسناننا.. اليوم، صار إسمي (المتواضع) في الأخبار، وأنا لم أبدأ بعد في رفع المبتدأ ولا فكرت في الخبر، كلمة كان أم جملة، أو شبه جملة، حتى.. والحق إنه ليس فينا شيء من هذه الأخيرة.. الألسن تلوك كلاماً، في كلام، وتصر، بكثير من التعسف، على أن تلبسني جبة "البطل" الضيقة، مع أني واثق من ذاكرتي المتقدة أنني لم أخض أي سباق منذ تفوهت بذلك الكلام (الساقط) في حضرة من البشر (السافل) من الماسكين بعروة أم الألعاب، يعضون عليها بالنواجذ كما يعض البعوض أجساماً طرية.. وقررت يومها ألا أنتسب إلى أي مجموعة مهما رحبت أرجاؤها سوى أسرتي الصغيرة التي لاذت باللجوء الخبزي في بلاد أبناء عيسى عليه السلام.. وشاءت الأقدار أن دخلنا بإلحاح من بعض الأصدقاء إلى إحدى الأبهاء النقابية لندلي ببعض ما علق بالذاكرة من الساحة الطلابية، ولم يكن في نيتنا أن نلعب لا أدوار رئيسية ولا ثانوية.. هم الذين قالوا: ما كينا والو.. كمن ربح في اليانصيب بدون أن يلعب، أصبحت العيون الجاحظة تنظر إلي فيما يشبه الخوف والتوجس، وكأن قنبلة ذرية انفجرت في مكان قريب، ولم يقو أحد على إيقاف انتشارها في الرحاب.. ولو كان لصاحبكم بصيص من الانتهازية والوصولية وحب (الزعامة) كما يزعمون، لكان، على الأقل، ضربها بسكتة وترك الغوغاء يقولون في أنفسهم: - فلان مسخوط.. (بالمفهوم الوعر للكلمة). وبعد ذلك هاك على الزعامة، واطلعوا تشاهدوا البطولة والشجاعة.. ألعاب سحرية.. ألعاب خطيرة.. ألعب رياضية على الدراجة النارية، كما يقول براح لافوار.. عندما اقترح عليّ بعض أصدقاء الأمس، وفي مقدمتهم البطل العالمي الأسطورة، ترأس عصبة أم الألعاب، وهو منصب مغري لمن لا يعرف هذا المجال الذي قضيت فيه ما شاء الله أن أقضي من أيام العز، لم أتردد في الرفض، فقط لأنني منسجم مع مزاجيتي، إذ اخترت، سلفاً، الهوامش دون القمم، قبل أن يأتي، في آخر المطاف.. في آخر الزمان، من يتهمني بحب الزعامة والسير في إثرها.. وعندما رشحني الزملاء، في الجمع العام التأسيسي، للإمساك بقيادة نادي الصحافة في طنجة، تملصت وألصقت المهمة بالصديق عبد الباري الطيار الأستاذ والمناضل اليساري المعروف، ليس خوفاً من المسؤولية، ولكن الأمر مرتبط، كما سلف، بما هو ذاتي، وهو اختيار شخصي لفيء الظلال التي تناسب المزاج المتقلب والكانة.. ولو استرسلنا في سرد مثل هذه المواقف التي أعطينا فيها بالظهر لمناصب الأضواء وشرفات "التبناد" سيتهمنا من لا يعرفنا بجنون العظمة.. أقول قولي هذا وأضع القلم في جواه حتى يأتينا اليقين بأن من يتهمنا بالسعي خلف (الزعامة الموهومة) قد عدل في حكمه وكذب ظنه أو من يحمل إليه الأخبار على طبق من طمع.. مع.. ع..ع.. - نلتقي !