يحكي أحد الأطباء البياطرة، أن سيدة قصدت عيادته رفقة كلبة لها، طالبة منه التدخل لعلاجها من حالة الاكتئاب التي كانت تعاني منها، والتي أفقدتها شهية الأكل، والرغبة في اللعب كعادتها. وبعد استفساره عن أسباب ذلك، أفادته صاحبتها بأن حالها تغير منذ أن شاهدت أحد المجرمين يرمي بالرصاص كلباً بوليسيا كان يتعقبه ليرديه قتيلاً، وكان ذلك خلال متابعتها لأحد الأفلام الأمريكية إلى جانبها، و من يومها و هي على ذاك الحال. و بعد معرفة الطبيب بالحالة - العائلية - للكلبة، وأنها وحيدة لا حبيب لها، نصح صاحبتها بإيجاد كلب وتزويجها له، ليخرجها مما هي عليه، و يعيد لها نشاطها وحيويتها. وسبحان الله، كم من جرائم قتل نتابعها ويتابعها أطفالنا يوميا، وترتكب أمام أعيننا وأعينهم، ولم نصب لا نحن ولا هم على صغر سنهم، لا باكتآب و لابشيء من هذا القبيل، بل ومن كثرة متابعتنا لها، وتعودنا على مشاهدتها، وصرنا لا نوليها أدنى اهتمام. أتكون قلوب الكلاب وأحاسيسهم أرهف من تلك التي بين أضلع بني البشر ؟. سؤال ليس من الصعب إيجاد جواب له. بحيث ومن كثرة التقتيل والتدمير التي بتنا نشاهدها في كل نشرة إخبارية، وعلى مختلف القنوات التلفزية، صار الأمر عندنا عاد جدا، بل الذي ليس عاديا هو أن يمر علينا يوم لا نشاهد فيه طفلا سالت دماؤه جراء قصف صاروخي، أو جثة شيخ أو عجوز وقد انتشلت من تحت دمار. أو جرحى انتشرت أجسادهم على أرض ملطخة بالدماء، في غياب وسائل الإسعافات والتمريض... وهكذا صار الأمر كما لو أننا أمام لعبة البلاي ستايشن، والتي ساهمت بدورها في تبسيط عمليات القنص والاقتتال، بتقنيات تجعل من الطفل يستمتع بما يرتكبه من جرائم قتل وتدمير. وبعيدا عن ساحات الحروب، وعما هو مفترض في عالم البلايستاشن، لاشك أن ما بات يعرض من مقاطع فيديو على شبكات التواصل الإجتماعي، والتي توثق لجرائم ارتكبت هنا وهناك، وتداوُلُها بكثرة، ومن هذا لذاك، كافية لكي يصير الأمر عاديا لدى العامة، ولم يعد هناك شيء يخيف البشر أو تُأْلِمهم مشاهدته. فالناس تستمتع بمشاهدة جرائم الضرب والقتل بالأسلحة البيصاء، ويدققون المشاهدة للوقوف على تفاصيل الواقعة، وقد صار هذا في متناول الأطفال كذلك، فهم الفئة الأكثر تواجدا وانتشارا بهذه الشبكات، والتي تتداول هذه المقاطع أكثر من غيرها. فئة إن وُضعت في موضعها الصحيح، ما كان ينبغي لها أن تتجاوز مشاهدت أفلام الكرتون - الرسوم المتحركة-، لكن للأسف، صار الأطفال أكثر عنفا، وأقرب إلى ارتكاب الجرائم من غيرهم. أتذكر مرة وأنا أغادر باب ثانوية علال الفاسي، وكنت حينها في السنة الأولى إعدادي، وإذا بي أصادف حادثة مروعة، كنت شاهدا على تفاصيلها، حيث صدمت شاحنة طفلا كان على متن دراجة هوائية فأردته قتيلا، لم أستطع لا أنا ولا العديد من التلاميذ الاقتراب من الضحية، فقد صُدمنا من هول الحادث، بل العديد منا صرخ و بكى، وبقينا بعيدين نراقب ما يجري، وقد دنى من الطفل رجل وغطاه بثوب أبيض، عرفنا عندها أنه فارق الحياة. فكان المشهد كافيا لكي ألزم الفراش ليومين، بعدما أصبت بحمى تطلبت تدخلا طبيا. وإلى اليوم، لايزال المشهد أمام عيناي لم أنساه. وكذلك كان تصرفنا أمام حادثة من