إن إعطاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده تعليماته السامية بإقرار السنة الأمازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها يعتبر قرار تاريخي، وهذا يدل على العناية المولوية السامية باللغة الأمازيغية. فإذا عدنا للخطاب الملكي السامي بتاريخ 17 أكتوبر سنة 2001 نجد أن جلالة الملك أسماه الله وأعز أمره اعتبر أن اللغة الأمازيغية مكون أساسي من مكونات الثقافة المغربية، كما أنه في سنة 2002 أعطى جلالته تعليماته السامية بإفتتاح المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وفي سنة 2003 تم اعتماد حرف تيفيناغ كحرف رسمي في الكتابة الأمازيغية، وفي سنة 2010 تم إطلاق القناة الأمازيغية. تعتبر سنة 2011 سنة إستثناء بكل المقاييس أفرزت لنا دستورا جديدا، جاء بمستجدات مهمة مختلفة تماما عن باقي المقتضيات الواردة في الدساتير المتعاقبة في المغرب منذ 1962 مرورا ب1970 ثم 1972 و1992 ثم 1996، ومن بين هذه المستجدات نجد ديباجة دستور 2011 التي أقرت باللغة الأمازيغية بإعتبارها من مكونات الهوية الوطنية المغربية، بالإضافة إلى الفصل 5 الذي اعتبر فيه المشرع الدستوري بأن اللغتان الرسميتان للدولة "العربية والأمازيغية" ،وتم التنصيص بأنه سيحدث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية هدفه حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية بإعتبارها تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا،وقد صدر القانون التنظيمي بخصوصه تحت رقم 04.16. تعمل الحكومة تنفيذا للتعليمات الملكية السامية لجلالة الملك حفظه الله ورعاه وتماشيا مع القانون التنظيمي 16-26 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في كل المجالات،على تفعيل اللغة الأمازيغية في كافة مجالات الحياة العامة، في جميع مرافق الدولة (التعليم، الصحة،العدالة،الإعلام،… إلخ)،وقد لاحظنا كذلك أن مباريات وزارة التربية الوطنية على سبيل المثال لا الحصر تطلب تخصص اللغة الأمازيغية، دون أن ننسى كذلك مختلف القنوات التلفزية المغربية مثلا كالقناة الثانية إذ تبث يوميا الأخبار باللغة الأمازيغية. وإذا عدنا للحكومة السابقة،نجدها قد قامت بمجهودات هي كذلك تنفيدا للتعليمات الملكية السامية وَذلك من خلال ما يلي : +في سنة 2017 أصدر رئيس الحكومة السابق منشورا تحت رقم 05/2017 موجها للوزراء والوزراء المنتدبين وكتاب الدولة بخصوص تدريس اللغة الامازيغية في بعض المؤسسات والمعاهد العليا بداية من سنة 2018، وذلك على مستوى الإدارة العمومية وفي مجالات التقاضي والإعلام والاتصال والإبداع الثقافي والفني حماية للموروث الثقافي والحضاري الأمازيغي ببلادنا؛ +صادق المجلس الحكومي السابق ليوم 22 فبراير 2018 على مشروع مرسوم يقضي بتوسيع أصناف جائزة المغرب للكتاب لتشمل ولأول مرة الإبداعات الأدبية الأمازيغية. وبمقتضى هذا المرسوم تم الرفع من أصناف جائزة المغرب للكتابة لتشمل جائزة المغرب التشجيعية للإبداع الأدبي الأمازيغي وجائزة المغرب التشجيعية في الدراسات في مجال الثقافة الأمازيغية؛ +في منشور رقم 2018/16، راسل رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني، وزير الدولة والوزراء وكتاب الدولة والمندوبين السامين والمندوب العام بالحكومة، وذلك في موضوع إلزامية استعمال اللغة العربية أو اللغة الأمازيغية في جميع المراسلات بين الإدارات ومع المواطنين. وفي الختام نقول بكل صدق وموضوعية، إن دسترة وترسيخ اللغة والثقافة الأمازيغية في جميع مرافق الدولة يدل على الإرادة المولوية الملكية السامية والتي تعتبر أن اللغة والثقافة الأمازيغية ما هي إلا مكون أساسي من مكونات الهوية والوحدة الوطنية متعددة الروافد، في ظل التلاحم القوي بين العرش العلوي المجيد والشعب المغربي. إن الإقرار الملكي بالسنة الأمازيغية كعطلة رسمية مؤدى عنها، يعتبر قرارا سيدخل التاريخ من جميع أبوابه وسنختم بمقتطف من الخطاب الملكي السامي بتاريخ 17 أكتوبر 2001 والذي بدأنا به هذا التحليل،حيث قال جلالة الملك نصره الله وأيده :"فقد ظل المغرب، عَبْر العصور، متميزاً بالتحام سكانه، مَهمَا كانت أصولهم ولهجاتهم، متشبثين بمقدساتهم ووحدة وطنهم، ومُقاومتهم لكل غزو أجنبي أو محاولة للتفرقة. ولأن الأمازيغية مُكوّن أساسي للثقافة الوطنية، وتراث ثقافي زاخر، شاهد على حضورها في كلّ معالم التاريخ والحضارة المغربية؛ فإننا نولي النهوض بها عناية خاصة في إنجاز مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي، القائم على تأكيد الاعتبار للشخصية الوطنية ورموزها اللغوية والثقافية والحضارية. إن النهوض بالأمازيغية مسؤولية وطنية، لأنه لا يمكن لأي ثقافة وطنية التنكر لجذورها التاريخية. كما أنّ عليها، انطلاقا من تلك الجذور، أن تنفتح وترفض الانغلاق، من أجل تحقيق التطور الذي هو شرط بقاء وازدهار أيّ حضارة. *باحث في سلك الدكتوراة بكلية الحقوق بطنجة