وصلت ضبابية مشهد المفاوضات من أجل تشكيل الحكومة بعد أن تجاوزت خمسة أشهر إلى مرحلة حوار ( شدني ولا نطيح ) ، فكل فريق سياسي يرمي بتهمة عرقلة تشكيل الحكومة إلى الفريق الأخر وتحول الأمر إلى ما يشبه كرنفال بلاغات وبلاغات مضادة ولكنها تتحدث لغة الطرشان ، كأني بالجميع يضيع الوقت لهدف ما قد يكون هو انتظار عودة الملك . في هذه الضبابية شيء واحد يتشابه فيه كل الفرقاء السياسيين وهو عدم الوضوح في مواقفهم حتى الآن باستثناء حزبين ؛ الأصالة والمعاصرة برفضه أن يكون لاعبا بديلا بشكل صريح رغم أنه في لعبة السياسة بواقعها المغربي يجب أن يكون حاليا هو البديل الأفضل والمثالي لبنكيران. حزب الإتحاد الاشتراكي الذي كان واضحا إلى درجة مثيرة للشفقة أو السخرية حسب موقعك من الحزب في أن يكون مشاركا في الحكومة ، أما بقية الأحزاب فهي تعني غير ما تصرح به حتى الآن ، فهي كلها تعلم أن المفاوضات كانت فاشلة من البداية، وأن المعرقل لها ليست مشاركة حزب الاستقلال من عدمه أو إلحاق الإتحاد الاشتراكي بالتشكيلة من عدمه ، لأن الهدف من البداية لم يكن تشكيل الحكومة وإنما تكسير عظم التصريحات العنترية لبنكيران والذي ربما جعله تصدره الانتخابات التشريعية وحتى الجماعية وحجم المقاعد التي حصل عليها يعتقد أنه يستطيع وحزبه أن يقف ندا لهياكل الدولة البيروقراطية وأعمدتها الأخطبوطية ، متجاهلا حقيقة أن الواقع الديمقراطي لهذا الوطن هش وأوهن من بيت العنكبوت ويتميز بخطوة إلى الأمام وخطوات إلى الوراء . بنكيران فهم الدرس والرسالة جيدا ، وهو يتعامل مع الوضع وتوازن القوى بذكاء فالوقت ليس ضده كما يدعي بعض المحللين ، بل على العكس بنكيران يمتلك ترف الانتظار متسلحا بدستور ترك جواب ماذا إذا فشل رئيس الحكومة المعين في تشكيل الحكومة ؟ غامضا ، وحزبه يبدو حتى الآن متماسكا في موقفه الموحد ورائه ، وعدم قدرة الدولة على تحمل كلفة انتخابات جديدة وحتى إذا أجريت الغالب أنها ستأتي بنفس النتائج ، هذا إن لم تقوي من موقف العدالة والتنمية وتضعف من موقف الوطن بترسيخ وتوسيع شريحة المقاطعين ... هذه وأشياء أخرى كثيرة تجعل بنكيران وبعيدا عن المظاهر مرتاحا في اعتكافه البيتي تاركا مسئولية البحث عن الحلول للآخرين. خاسر وحيد في كل هذا الشغب السياسي الطفولي الذي تشهده الساحة السياسية الوطنية هو هذا الوطن والمواطن ، وطبعا متى كان السياسيون المغاربة يشغلون أنفسهم بصالح المواطن ، وهو ما يجعل التدخل الملكي أصبح مستعجلا لتجاوز هذا العبث في مرحلة دقيقة وحساسة تتطلب وحدة الصف الوطني في مواجهات تحديات خطيرة ،سواء في قضية الصحراء أو علاقتنا بالإتحاد الأوروبي أو قضايا المجتمع الحساسة المرتبطة بمستقبل الوطن من تعليم وصحة وتشغيل ... فكفى سياسينا من لعبة الأستغماية هذه التي بدأت كسر عظم لفريق سياسي لينتهي إلى عبث سياسي طفولي مل مسلسله المصري المحشو بقضايا الزواج والطلاق المواطن المغربي حتى ما أصبح يعبأ بتطوراته وهو المشغول بمعرك