الشرطة استمعت إلى الزوج.. والجريمة ارتكبت في واضحة النهار.. والإشاعات تتناسل بقوة لا يزال الغموض يرخي ظلاله على حقيقة تفاصيل جريمة القتل المروعة التي حدثت في طنجة الخميس الماضي، والتي ذهبت ضحيتها طبيبة شابة في منزلها، ولا يزال البحث المكثف جاريا من أجل إلقاء الضوء على الزوايا المعتمة لهذه الجريمة المحيرة. ويذكر أنه منذ الجريمة الثلاثية التي حدثت في طنجة في فبراير من العام الماضي، والتي أقدم فيها شاب على ذبح ثلاث نسوة من أسرة واحدة، لم يتابع الرأي العام المحلي جريمة أخرى بنفس الاهتمام كما يحصل الآن بعد مقتل طبيبة الأسنان الشابة داخل محل سكناها. وبعد انقضاء قرابة أسبوع على وقوع الجريمة، لا شيء يرشح غير الإشاعات التي أصبحت تسير في مختلف الاتجاهات، وأقوى الإشاعات التي يتداولها السكان هي تلك التي تذهب إلى أن لأحد المقربين من الضحية يدا في الجريمة. وكانت فرضية قد طرحت إمكانية تورط زوج الضحية، التونسي الجنسية، في هذه الجريمة، غير أن التحقيق الأمني الذي أجري مع الزوج لم يقد إلى شيء في هذا المنحى، كما أن الأبحاث التي قامت بها مصالح الشرطة لم تؤكد أو تنف أن الجروح التي عثر عليها في عنق الزوج ناجمة عن شجار مع زوجته القتيلة أو عن شيء آخر. وكانت طبيبة الأسنان، دليلة السرغيني العنبري (47 سنة)، وجدت في منزلها في منطقة «بوبانة»، على طريق «الرميلات» في ضواحي طنجة، معلقة على مزلاج باب الفيلا من الداخل بعد أن خنقت بحبل، كما لوحظ أن دماء كثيرة قد نزفت منها. وتم اكتشاف الجريمة بعد أن تأخرت الضحية في الالتحاق بمقر عملها؛ وحاول الزوج، وفق ما صرح به، الاتصال بها عبر هاتف المنزل كما عبر هاتفها المحمول، لكن دون جدوى، مما جعله ينتقل إلى المنزل على عجل، وهناك اكتشف وجود دماء تتسرب خارج باب الفيلا. وتشغل هذه الجريمة الرأي العام في المدينة لاعتبارات مثيرة، أولها أن الضحية امرأة في أواسط العمر، وكانت توصف بكونها ذات مركز اجتماعي وازن وجمال لافت، كما أنها تنتمي إلى أسرة معروفة بين الرباط وطنجة، حيث كان والدها يشغل منصبا أمنيا كبيرا في طنجة. وتخوض مصالح الأمن سباقا ضد الساعة من أجل الكشف عن فك لغز هذه الجريمة، وذلك درءا للإشاعات التي أصبح السكان يتداولونها كل يوم وكل ساعة، وكلها تقول بتورط مقربين من الضحية في الجريمة. كما أن فرضيات تقول إن الضحية ربما تكون لقيت حتفها على يد لص عابر داهم منزلها حوالي العاشرة والنصف أو الحادية عشرة صباحا، معتقدا أنه لا يوجد داخله أحد، بالنظر إلى أن الزوجة والزوج يشتغلان في عيادة واحدة، غير أن وجود الزوجة في الفيلا ربما فاجأ اللص فعالج الضحية بضربة قوية على الرأس فقدت على إثرها الوعي وسقطت مضرجة في دمائها. ومما يعزز هذه الفرضية تصريح شهود بكونهم سمعوا صراخا مفاجئا منبعثا من فيلا الضحية، غير أنهم اعتقدوا أن المرأة كانت في لحظة انفعال، خصوصا وأن صراخها لم يتكرر، وهو ما يعني أن الضحية أطلقت صرختها حينما فاجأها القاتل. وحسب رواية الزوج، فإنه عندما ساورته الشكوك بعد تأخر زوجته عن الالتحاق بالعيادة، فإنه عاد إلى المنزل حوالي منتصف النهار، وحاول، رفقة حارس في المنطقة، فتح الباب من الخارج، غير أنه كان موصدا، مما جعله يلج الفيلا من الباب العلوي الذي كان مفتوحا. وحسب رواية الزوج دائما، فإنه وجد زوجته مخنوقة بحبل ومربوطة إلى مزلاج الباب، ولسانها متدليا من فمها، وهو ما يرجح فرضية خنقها بعد طعنها، في محاولة من القاتل إنهاء حياتها بسرعة. وكانت أنباء تحدثت خلال اليومين الماضيين عن اعتقال الشرطة لعاملي بناء عثر بحوزتهما على هاتف محمول خاص بالضحية، وهو ما عزز فرضية أن يكون المشتبه فيهما قد قتلا الضحية بنية السرقة، غير أن مصادر أمنية نفت هذه المعلومات بالمرة. وفي انتظار أن تنجلي مناطق الغموض الكثيرة في هذه الجريمة، فإن كل الاحتمالات تبقى قائمة، خصوصا في ظل التردي الأمني الذي تعرفه المدينة، والذي جعل السكان يعيشون على أعصابهم خلال الأسابيع الأخيرة. وكان واحد من مظاهر التسيب الأمني هو تعرض المسؤول الثاني في ولاية طنجة، مصطفى الغنوشي، لسرقة الفيلا التي يقطنها في مناطق الغندوري الشاطئية، لكن اللصوص اكتفوا بسرقة هاتفه المحمول ولاذوا بالفرار، لأنه كان موجودا داخل فيلاه خلال عملية السرقة، بالإضافة إلى ارتفاع مهول في حالات الاعتداء والضرب والجرح في كل مناطق المدينة. ويبدو أنه كلما مر مزيد من الوقت دون العثور على قاتل طبيبة الأسنان، فإن الشائعات تزداد قوة، خصوصا وأن تردي الوضع الأمني يساهم في «شد أعصاب السكان» الذين يرون أن طنجة لم تعد أبدا تلك المدينة الهادئة والحالمة التي كانتها من قبل، بل هي الآن مدينة تتصدر مدن المغرب في مجال الجرائم المثيرة.