التهريب المعيشي.. مفهوم ارتبط منذ القدم بعدد من الاشخاص، ممن اختاروا المغامرة بسلامتهم من اجل جلب مواد او سلع من مكان ونقلها لمكان اخر بغرض بيعها، مقابل مبالغ مالية، تكون زهيدة في ٲغلب الاحيان، متخذين من ذلك مورد رزق او عيش لهم، ومتحدين النظرة القدحية التي يراهم بها المجتمع، الذي يعتبرهم مجرد ادوات للنقل مجردة من الادمية. وتعتبر هذه المهنة، من بين اكثر المهن نشاطا في مدن الشمال، نظرا لقربهم الجغرافي من سبتة ومليلية المحتلتين، حيث يقوم ممتهنو هذا النشاط بجلب سلع اسبانية وادخالها عبر معبري باب سبتة وبني نصار، لاعادة توزيعها على باقي الاسواق الاخرى، الا ان كثرة الحديث عنها والطعن فيها من طرف عدد من المتدخلين، تسبب في خلق تساؤل حول مدى شرعيتها على المستوى الديني. وبهذا الخصوص، يؤكد الاستاذ عبد الله عبد المومن، استاذ الفقه واصوله بجامعة ابن زهر، ان نظام المعاملات قائم في الشريعة الإسلامية على عدم الحصر والحظر، حيث قام بتوسيع مجال الإباحة في صنوفها وطرائقها، وعدم منعها وتحريمها، إلا إذا دل دليل شرعي على ذلك، أو تعارضت المعاملة بيعا أو شراء أو إجارة مع قواعد الشرع ومقاصده. واوضح عبد المومن، ان من القواعد الشرعية الكلية، والتي يستسيغها كل مسلم ويُسلم بها طبعا وعقلا، هي رفع الضرر، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار"، وقد قرر الفقهاء أن الأصل في العقود عموما، وفي البيع خصوصا هو الصحة، فلا يمنعها إلا ما يرجع إلى المتعاقدين، كعدم التمييز، أو إلى العوضين كالغرر والربا. وبخصوص التهريب المعيشي، فقد اظهر استاذ الفقه واصوله، في تصريح لجريدة "طنجة 24" الالكترونية، انه وكغيره من المعاملات لا يخلو من غرر وضرر، وهذا بطبيعة الحال في تهريب المباح أي الجائز تدواله وبيعه وشراؤه من كافة المبيعات، أما الحرام فلا يجوز أصلا إدخاله وتداوله، كيف تهريبه والانتفاع به. وأكد في ذات السياق ان سر المنع في التهريب المعيشي هو ما يلحق المسلمين من الضرر بفعل إدخال سلع قد تؤثر على مؤشر المعاملات بالضعف والسلب، وقد تسبب أضرارا ولم لا احتكارا في بعض الأحيان، وقد ورد في الحديث: "المحتكر خاطيء"، أي آثم. وٲضاف الأستاذ الجامعي، ان المعاملة المالية عموما، وفي البيع من باب أولى، مبنية على الصدق والوضوح والاستيقان فقد ورد في الحديث: "فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما"، ومن دلائل الوضوح ما ورد عن سعيد بن المسيب قال قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: وددنا أن عثمان وعبد الرحمن بن عوف قد تبايعا حتى ننظر أيهما أعظم جدّا في التجارة. وختم الدكتور عبد المومن حديثه، ان النظر إلى هذه المفاهيم يقتضي الإفادة من معاملتهما بوضوح الصيغة والعوضين وصحة العقد وغير ذلك، مما لا يتوفر وجوده في مثل المعاملات التي قصدهما الربح والثراء دون مراعاة مطلوب الشرع، ولا يحسبن أحد أن في ذلك مناقضة لمصلحة الفرد فالأصل أن حيثما المصلحة فثم شرع الله، ناهيك عن تعارض مثل هذه المعاملات مع الضوابط القانونية وهي في الأصل شرعية ما لم تعارض مطلوب الشرع، ولذا حرمت وجرمت كثير من الدول التهريب وفرضت فيه عقوبات، لما يلحق الناس والاقتصاد به من مفسدة، ومن ثم فلا حرج في فرض العقوبات والتعزيرات وفقا لميزان الشرع، والشريعة تجلب مصالح العاجل والآجل، وتدرأ مفاسد العاجل والآجل.