« أش تغير فحياتنا » عبارة تلمحها على لوحات الإشهار ، وتسمعها على موجات الإذاعة ، وتشاهدها على قنواتنا الرسمية ، تستفزك العبارة فتتبع خيوطها وتحاول سبر أغوارها ، لتجد في الأخير أن ” الجعجعة ” التي ترافقها ما هي إلا وسائل دعائية للفت الانتباه إلى موقع إلكتروني جديد ارتأت حكومتنا الموقرة أن تبث من خلاله ما أنجزته للمغاربة من مكتسبات وما حققت لهم من تغييرات على مستويات متعددة . ولأن السؤال أعلاه يدعو كل واحد منا إلى الإجابة عنه بصراحة ، سواء أكان أميا أو مثقفا ، مستقلا أو منتميا لجهة ما ، فقد اخترت بعد التمعن والتأكد من صحة المعطيات المقدمة إلينا عبر الموقع الالكتروني الحكومي أن أجيب على هذا السؤال بحكمة أفلاطونية قيلت من غابر الزمان فأثبتت التجارب صلاحيتها لكل زمان ومكان ، فقديما قال أفلاطون : ” إن الثمن الذي يدفعه الطيبون لقاء لا مبالاتهم بالشؤون العامة هو أن يحكمهم الأشرار ” ، وإن لم تكن حكومتنا تجمع بين طياتها أشرارا فهي في أبسط نعت وأرحمه حكومة كذب وضحك على الذقون ، وإن لم تكن تنوي بنا ولنا شرا فإن أفعال وتصرفات بعض أعضاءها شر ما بعده شر يوحي للبعيد وللقريب بأن التغيير الذي طرأ على حياتنا يستحق أن يصنف في كتاب للنوادر أو مجلد لغرائب الأخبار ما دام الصمت منا عليه و” الموت بالفقصة ” أمامه هو سيد المواقف . نعم تغيرت حياتنا وحياتهم ، فحياتهم وفي عز زمن اصطلح عليه إعلاميا بزمن الربيع العربي تغيرت من حسن إلى أحسن ، والشواهد على هذا الأمر كثيرة وما ” Audi” بلخياط وسومة كرائها إلا مثال بسيط على ذلك ، وما شوكولاتة الوزير المكلف بالدفاع الوطني وتكلفتها الشهرية إلا غيض من فيض هذا التغيير ، وما رفض مدير مكتب التسويق والتصدير استقبال أعضاء لجنة تقصي الحقائق حول خروقات المكتب في دولة الحق والقانون ومطالبة الوزير الأول لمن يهمهم الأمر وقف عمل اللجنة بحجج واهية ، إلا دليل على نوعية التغيير الذي أرادوه لأنفسهم وأنجزوه في فترة ولايتهم . أما حياتنا نحن المنتمون إلى الفئة العريضة من الشعب فمخطئ من يظن أنها لم تتغير ، ونظرة بسيطة لأوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ونظرة مثلها لتقارير الخارج والداخل عنا ، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أننا شعب يتغير ، فالتعليم بالمجان ومن أراد التأكد من هذا الكلام فليحاول أن يسجل أبناءه في مدرسة مولوية أو مؤسسة يتوافد عليها أبناء المسؤولين والميسورين بهذا البلد وليقارن بين ما يدرس في هذه المدارس وبين ما تلقنه المدارس العمومية للأجيال الصاعدة وليقف بأم عينيه على المتغيرات التي وصل إليها قطاع التعليم بهذا البلد حتى يفهم العلاقة القائمة بين المخطط ” الاستعجالي ” و قسم ” المستعجلات ” . والعمل !!! وخلق فرص عمل للخريجين !!! ، تغير الأمر أيضا والدليل موجود عند القضاء ، وما الحكم بالسجن على أربعة عشر من المجازين المطالبين بالحق في الوظيفة المباشرة إلا برهان واضح على قيمة هذا التغيير ، وما تمتيعهم بالسراح المؤقت إلا رسالة موجهة لبقية المعطلين تحثهم على تغيير نظرتهم للتغيير . وأما الصحة فالتغيير بلا شك طالها ، والدليل أن شهادة ” الضعف ” أو الاحتياج لن يكون لها بعد اليوم حاجة ولن تسلم إلى أي مواطن ، واسألوا من وَلَدن على ظهور الحمير وعلى أرصفة الشوارع ، فجوابهن حتما سيشيد بالتغيير في مجال الصحة ، كيف لا والكفن في بلد ” ياسمينة ” أرخص من أرخص دواء . والبنية التحتية وقنوات الصرف الصحي ؟؟؟ تغير الأمر أيضا ، الدليل !!! ... عند زخات المطر وعند كل سيل قد ينهمر اليقين الذي ما بعده يقين . والأمن وحماية المواطن ، فقد تغير الأمر كثيرا ، فلا قطاع الطرق أمسوا كما كانوا على عهد آبائنا وأجدادنا ، ولا تدخل الأمن ظل كما كان في العهود السابقة ، وهكذا فعوض أن يرفع المواطن شكواه إلى دوائر الأمن تراه يرفعها إلى الله عز وجل ما دام رجال الأمن قد شغلتهم 20 فبراير وأخواتها عن حماية أنفسهم وذويهم ودوائرهم . والسكن ، والقدرة الشرائية للمواطن ، وغلاء الأسعار ، وحماية المستهلك ،أمور تغيرت بها حياتنا كثيرا، وعما قريب سينطبق علينا قول الشاعر حافظ إبراهيم : وغدا القوتُ في يد الناسِ كالياقوتِ، حتى نوى الفقيرُ الصياما يقطعُ اليومَ طاويًا ولديه دون = ريحِ القُتارِ ريحُ الخُزامى ويَخالُ الرغيفَ في البُعدِ بدرًا = ويظنُّ اللحومَ صيدًا حراما إنْ أصابَ الرغيفَ من بعدِ كَدٍّ = صاحَ: مَنْ لي بأنْ أُصيبَ الإداما
” آش تغير فحياتنا ” ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ سألت أمي التي لم تطإ المدارس يوما فقالت ببسيط العبارة ” والو ” ، وسألت أبي نفس السؤال ، سألته وهو الذي يأمرني كل صباح ومساء بأن أدخل في أسواق رأسي فأجاب ” والو ” ، وسألت إخوتي وبعض الزملاء والأصدقاء وبعض من قالوا ” نعم ” للدستور وبعض من سيرشحون أنفسهم للانتخابات المقبلة فقالوا جميعا ” والو” ... فماذا تغير من حياتنا ؟؟؟ الفقر والجهل والمرض ولا استقلالية القضاء ، وما تلد هذه الظواهر من توابع بدءا من الأمية ومرورا بالبطالة ونهاية بالإرهاب المنظم أو الفردي كانت ولا تزال هي العمود الفقري لأزماتنا ومشاكلنا ، مشاكل وأزمات ترددت بدون شك مع أول خطاب لأول حكومة في مغرب ما بعد الاستقلال ، وترددت بدون شك أيضا مع حكومات عهد الرصاص ، وهاهي ذي حكومات ” العهد الجديد ” تسردها علينا بنفس الطريقة ونفس الحلول ونفس الأرقام دون أن يتغير واقع أو يحل مشكل أو تنفرج أزمة . ” آش تغير فحياتنا ” سؤال استنكاري حكومي مفاده الحقيقي ” موتوا بالفقصة والمحاين ” ، وما دام ذلك كذلك فلن نمل من التأكيد على أن الحل لما ذكر لا يتم إيجاده إلا عبر خلق أجواء ومناخات سياسية نظيفة يتفق عليها الجميع ويساهم في وضع أسسها ولبناتها كل من له غيرة على هذا الوطن بعيدا عن عبارة قولوا العام زين وما جاورها حتى نضع قطار الديمقراطية والعدل والمساواة والحرية وغير ذلك من المفاهيم الجميلة المحمودة على السكة الصحيحة السليمة القويمة .