من المؤكد أن الكثير من المثقفين والإعلاميين، الذين أتيحت لهم الفرصة، اليوم السبت، لحضور حفل افتتاح المركب الثقافي الجديد الذي تقرر افتتاحه اليوم السبت بمدينة طنجة، لن تفارق أذهانهم عناوين أثثت محتوى مؤلف مدرسي رافق أجيالا من التلاميذ. فالعلاقة بين هذه المنشأة الثقافية الجديدة وبين ذلك المؤلف الدراسي، تكمن في أن كلايهما يحملان في واجهتهما اسما خالدا "أحمد بوكماخ". فمن النادر أن تجد أحد أفراد الجيل المتقدم من المغاربة، من لم يسمع ب"أحمد بوكماخ"، فحتى لو كان قد امضي سنوات قليلة على مقاعد الدراسة، فإن تلك العناوين من قبيل "أحمد والعفريت"، "زوزو يصطاد السمك"، "سروال علي"، "الثرثار ومحب الاختصار" التي كانت تؤثث كتب سلسلة "إقرأ"، ستطفو على سطح ذاكرته لتعيده إلى حنين طفولته باختلاف ظروفه الاجتماعية والاقتصادية. ولد الكاتب أحمد بوكماخ في مطلع العشرينيات إبان اشتعال حرب الريف، كان يتيم الأم عن عمر يناهز ثماني سنوات، نشأ في ظروف صعبة. حيث اشتغل في متجر أبيه كمحطة أولى، و قضى طفولته متنقلا بين بيع المواد الغذائية و مطالعة الكتب و الروايات. وتذكر العديد من المصادر التي تناقلت سيرة "بوكماخ"، أن متجر أبيه مقسما إلى جزأين، جزء للسلع وآخر للكتب، حيث ساعده أن يتربى بين العمل والقراءة، ليقرر بعد ذلك الالتحاق بمدرسة الجامع الكبير بالسوق الداخلي، و يبدأ مساره الدراسي ثم المهني بعد أن أصبح معلما بها. وانخرط أحمد بوكماخ في حزب الشورى بعد ان بلغ الثامنة عشرة من عمره و بدأ نشاطه السياسي، إذ كان يعقد بمتجر والده أحيانا اجتماعات موضوعها المطالبة بالاستقلال، والانتظام داخل صفوف الحركة الوطنية وقد كلف هذا النضال أب أحمد بوكماخ تهمة من العيار الثقيل، و ثلاث سنوات حبسا نافذا قضاها في السجن بمدينة الرباط، بعد أن عثرت سلطات الحماية على لافتة داخل المتجر أزعجتها. و بعد سجن الأب، أصبح أحمد بوكماخ المسؤول الأول عن الأسرة، إذ قضى المدة بين تسيير المتجر وبين إعالة إخوته السبعة و زوجة أبيه. بدأ أحمد بوكماخ بكتابة المسرح في سنوات الأربعينيات من القرن الماضي، و بعض مسرحياته تم تشخيصها من طرف تلاميذ مدرسة عبد الله كنون في عروض احتضنها مسرح سيرفانتيس بطنجة، إذ كان يبث الوعي الوطني في نفوس الأطفال المغاربة لمواجهة تأثيرات المستعمر، كما يوثق ذلك الكاتب المسرحي الزبير بن بوشتى. و هذه بعض عناوين مسرحياته: بدأ أحمد بوكماخ بكتابة المسرح في سنوات الأربعينيات من القرن الماضي، و بعض مسرحياته تم تشخيصها من طرف تلاميذ مدرسة عبد الله كنون في عروض احتضنها مسرح سيرفانتيس بطنجة، إذ كان يبث الوعي الوطني في نفوس الأطفال المغاربة لمواجهة تأثيرات المستعمر، كما يوثق ذلك الكاتب المسرحي الزبير بن بوشتى، ومن إنتاجاته "نور من السماء"، "رسالة فاس"، و"فريدة بنت الحداد". تفرغ بوكماخ للتأليف المدرسي، بتوجيه من العلامة عبد الله كنون الذي كان قد دعمه كثيرا في بداية حياته الأدبية. و كان ذلك بعد أن اعتزل العمل السياسي بعد الاستقلال، والذي دفعه للتأليف المدرسي هو غياب مراجع بالعربية حيث انطلقت الفكرة بمحاولة تأليف كتيب لتدريس تلاميذ قسمه، ليتم تدريسه فيما بعد في المدرسة ثم في طنجة، وليصل الكتيب بعد ذلك إلى باقي أرجاء المغرب. و تطور هذا الكتيب ليصبح سلسلة كتب اقرأ من خمسة أجزاء لخمسة مستويات دراسية، و ألف كذلك سلسلة الفصحى بأجزائها الخمسة، و الرياضيات، و القراءة للجميع لمحو الأمية. تربى من خلال هذه المؤلفات أجيال من المغاربة المتقدمين، الذين أتيحت لهم الفرصة لولوج المقاعد الدراسة، قبل أن تأتي مخططات الحكومات المتعاقبة بمناهج تربوية، لكنها لم ترقى إلى المستوى البيداغوجي الفعال الذي كانت تتميز به إبداعات أحمد بوكماخ، بإجماع الكثير ممن درسوا على تلك المؤلفات ومعهم العديد من الفاعلين والمتدخلين في المجال التربوي والتعليمي. توفي أحمد بوكماخ، في شتنبر 1993، بعد سنوات من إقبار مؤلفاته، ليظل مرقده في مقبرة المجاهدين بطنجة، وحده العلامة الشاهدة على عطاءات معلم استثنائي في تاريخ المغرب، قبل أن يستقر رأي فعاليات مدنية بمسقط رأسه، على تخليد اسمه في واجهة معلمة ثقافية، هي اليوم التي أطلق عليها اسم "المركب الثقافي أحمد بوكماخ". التي يراهن عليها في إعطاء دفعة قوية للمجال الثقافي بالمدينة. فهل تعيد هذه المنشأة بعض الاعتبار لهذا العلم التربوي الذي تنكرت له السياسات طويلا؟ *صحفية متدربة