سنبدأ هذا المقال بمقتطف من الخطاب الملكي السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء السنة الماضية إذ قال جلالته:"… كما سيظل المغرب ثابتا في مواقفه. ولن تؤثر عليه الاستفزازات العقيمة، والمناورات اليائسة، التي تقوم بها الأطراف الأخرى، والتي تعد مجرد هروب إلى الأمام…". لقد نجحت إسبانيا في إقحام الإتحاد الأوروبي في أزمتها مع المغرب، وإن كانت قد فشلت من ناحية أخرى، فبقراءة لنص القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي يتضح لنا جليا أن إسبانيا قد خسرت، لأن القرار لم يتضمن أي إدانة أو عقوبات موجهة للمغرب ولم يتم اتخاذه بالإجماع، فإسبانيا كانت تريد ما وقع لدولة بلاروسيا منذ ثلاثة أسابيع أن يقع مع المغرب لكنها فشلت، فالقرار تضمن عبارات من قبيل "الرفض" و"التأسف"، وفي المقابل قد نوه بالمبادرة المغربية التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده بخصوص عودة الأطفال القاصرين الغير المرفوقين،إلا أن نص القرار قد زاد من تفاقم الأوضاع لاسيما أن الإتحاد الأوروبي يعلم جيدا سبب الأزمة المغربية الإسبانية لكنه استفز المغرب بعبارة "سبتة مدينة أوروبية يتولى الإتحاد حمايتها وأمنها" وبالتالي فهو يزكي ويمجد الإستعمار الإسباني لمدينتي سبتة ومليلية، كما أن القرار انتقد المغرب بخصوص استعماله ملف الهجرة كورقة ضغط سياسية وهذا ليس صحيحا فالمغرب ملتزم بتعهداته الدولية ويقوم بمجهودات جبارة في ملف الهجرة وقد سبق للإتحاد الأوروبي أن نوه بالمجهودات المغربية المبذولة في هذا الباب لكن نص القرار الآن لم يكن موضوعيا وإنما كان مع إسبانيا، إن الإتحاد الأوروبي لم يستوعب بعد أن المغرب دولة ذات سيادة وليس شرطيا أو حارسا لأحد،كما أن القرار اتهم المغرب بأنه لم يحترم الإتفاقيات الدولية بخصوص حقوق الطفل لسنة 1989 وهذا فيه تضليل، فالمغرب انخرط بكل عزم وثقة في مسلسل حقوق الإنسان وحماية الطفولة وقد ترجمه على أرض الواقع من خلال العديد من القوانين الداخلية وأسماها هي الوثيقة الدستورية الجديدة(1) في الفصل 32 والفصل 169 منها كما أن التقارير الدولية تنوه بالمغرب في هذا الميدان والتقارير الداخلية للمؤسسات الدستورية من قبيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان،إن الإتحاد الأوروبي الذي ينتقد المغرب حول الطفولة عليه أن ينتقد نفسه أولا فكم من أطفال قاصرين في العديد من الدول الأوروبية بدون مراكز إيواء. إن مشكلة الهجرة التي تطغى على القرار الأوروبي، نجد أن أوروبا هي السبب فيها، فمن استعمر إفريقيا ونهب خيراتها في القرن 20؟ كما أن مشكلة الهجرة وهجرة الأطفال القاصرين غير مقتصرة فقط على المغاربة ففي جميع دول العالم نجد هذا المشكل في أوروبا الشرقية في آسيا في أمريكا اللاتينية على سبيل المثال وهذا مشكل عالمي أفرزه القرن 20 والمشكلات التي كانت سائدة فيه من حربين عالميتين وأزمة إقتصادية واستعمار ونهب الخيرات وبالتالي على الإتحاد الأوروبي قبل ان يتحدث عن ملف الهجرة أن يتذكر القرن 20 وسيجد نفسه كان سببا مباشرا فيه. إن المغرب ملتزم بالاتفاقيات الدولية وبحقوق الإنسان وبالقانون الدولي الإنساني، إن أوروبا تستخدم أسلوب العداء وفي نفس الوقت تعتبر المغرب شريكا استراتيجيا ،فمن أنقذها من حمامات من الدماء، أليس المغرب بفضل أجهزته الإستخباراتية القوية. كما أنه بقراءة لنص القرار نجد أن أوروبا لازالت تتعامل مع المغرب في ملف وحدته الترابية بنفس العقلية وبنفس الموقف، ولم تستوعب بعد أن المغرب أصبح قوة إقليمية وأنه بفضله أوروبا تتمتع بالأمن والأمان، وأن أقوى دولة في العالم اعترفت بمغربية الصحراء. كما قلنا في بداية المقال أن إسبانيا قد نجحت في تحويل الأزمة بينها وبين المغرب أي ثنائية إلى أزمة مغربية أوروبية، فالمغرب لن يتساهل مع هذا القرار الذي يمس بوحدته الترابية ويزكي الإستعمار،فمدينتي سبتة ومليلية مكانهما بإفريقيا وليس أوروبا وهما مدينتين مغربيتان إذن لماذا قرار البرلمان الأوروبي دافع عن الإستعمار الإسباني وكأنه يعطيه الشرعية في ذلك وثانيا لماذا تم استخدام مصطلح سبتة أوروبية كيف أن سبتة أوروبية وهي تتواجد بإفريقيا، البرلمان الأوروبي ارتكب خطأ تاريخيا ومس بمصداقيته وبجميع علاقات التعاون الذي تربطه بالمملكة المغربية. إن إسبانيا افتعلت هذه الأزمة عن سبق إصرار وترصد مع الجزائر، وذلك لما حققته الديبلوماسية المغربية تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله من إنتصارات في ملف الصحراء المغربية، ناهيك أن قضية ترسيم الحدود البحرية والتي أكد عليها جلالته أعزه الله في خطاب المسيرة الخضراء السنة الماضية ثم المناورات العسكرية "الأسد الإفريقي" كل هاته الأشياء جعلت إسبانيا والجزائر يدخلان في هستيريا من الغضب، فإسبانيا لا تريد أن ترى المغرب قوة إقليمية بل تريد أن يكون المغرب مستعمرا من طرفها كما كان وتتعامل معه بالغطرسة والعجرفة،وبالتالي فإسبانيا بدأت تشعر أنها تفقد البوصلة والتحكم في ملف ساهمت في تعقيده منذ عقود من الزمن، وهكذا تواطأت مع الجزائر واستقبلت زعيم عصابة البوليساريو وأصدرت بلاغات تعادي المغرب، دون أن ننسى آخر خرجات الرئيس الغير الشرعي للجزائر الذي استضافته قناة الجزيرة، والتي حاول من خلالها مهاجمة المغرب وتلميع صورة الجزائر والضحك على الشعب الجزائري الشقيق بأن الإنتخابات ستغير الجزائر وستكون نزيهة محاولة منه لإضفاء الشرعية على نظام العسكر الغير الشرعي، فكيف ستكون الإنتخابات نزيهة وما الجدوى منها ما دام العسكر هو الحاكم في الجزائر وهو الذي يتحكم في الإنتخابات وأن رئيس الجمهورية بيد العسكر. إن إسبانيا تعلم جيدا أنها الطرف المستفيد الأكثر في علاقتها بالمغرب سواء من ناحية المبادلات التجارية أو من الناحية الإقتصادية أو الإستثمارية أو البحرية أو الأمنية ولعل إسبانيا نست أنه في الأزمة العالمية استقبل المغرب سنة 2008 العمال الإسبان ووفر لهم ظروف العمل ولم يعاملهم بتمييز، فالمغرب ملتزم بتعهداته الدولية وبالإتفاقيات الدولية وسياسته الخارجية مبنية على الشفافية والوضوح والمصداقية. إن إسبانيا والجزائر حينما شاهدوا كيف أصبحت الصحراء المغربية في عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله تشكل قطبا تنمويا، وكيف أن العديد من الدول افتتحت قنصلياتها بكل من العيون والداخلة المغربيتان دون أن ننسى الدعم الدولي الكبير لمقترح الحكم الذاتي،كل هاته الأشياء جعلتهما يفتعلان هذه الأزمة لعرقلة جهود المغرب في تسوية النزاع المفتعل في الصحراء المغربية ،فالموقف الأوروبي اليوم يذكرنا بالمقولة الشهيرة:"أوروبا عملاق إقتصادي لكنها قزم سياسي"، فأوروبا تؤكد على مبدأ حسن الجوار والثقة والحوار لكننا نجد أن إسبانيا وحدها من لا تلتزم بهذه المبادئ فهي التي تدعم عصابة البوليساريو وتحتضنهم في حين أن المغرب ملتزم بكل هذه المبادئ ويبذل مجهودات واسعة في ملفي الهجرة والإرهاب ويتقاسم خبراته الواسعة فهو يعتمد على المصداقية والشفافية والنزاهة في تصرفاته تجاه جل دول العالم ولا يدعم الإنفصال، إذن على الإتحاد الأوروبي أن يستوعب جيدا أن الخاسر الأكبر هو وليس المغرب، فالمغرب منفتح على جميع دول العالم بكل من آسيا وإفريقيا وأمريكا الشمالية والجنوبية ومع روسيا وأن الإتحاد الأوروبي هو الذي سيخسر شريكا استراتيجيا قويا. *باحث بسلك الدكتوراة بكلية الحقوق بطنجة