وكنت قد سمعت أن الأكل في المطاعم الإسبانية غال نسبيا بحكم تلك الأوروات القليلة التي امتلكتها من كد عام كامل تقريبا ، فعزمت شراء بعض معلبات السمك وبعض الحلويات وأنا أحاول إقناع نفسي أنني ما جئت هنا إلا للسياحة والتجول وذلك حال رجل قادم من العالم الثالث المتخلف ، وتوقفت برهة انظر لصفوف عريضة من زجاجات الخمر الرخيصة الثمن و المصفوفة بعناية فذكرتني تلك الزجاجات بصديقي السكير الذي لقبته "بالكرماعي " والذي ناذرا ما يصحو من شربه قبل أن يقطع تفكري صوت المحاسبة وهي تسألني إن كنت ابحث عن شيء لتدلني عليه ، فشعرت بالإحراج ولا أدري لما تذكرت الخبز‼ لكني نسيت مقابله بالإسبانية فنطقتها بالعربية أمامها فابتسمت وهي تكررها بعربية ركيكة خب...خب.. قبل أن أشير لها إلى سلة قبالتها ملئت خبزا فقالت " أه بان " ثم ناولتني إياه فدفعت لها الحساب وما إن هممت بالمغادرة حتى نادتني مجددا لأني كنت قد نسيت الباقي . كانت غرفتي في النزل تقابل إحدى الكنائس فكنت اسمع باستمرار قرع الناقوس ، وكنت أتساءل دوما عن أولئك المتعبدين النصارى داخلها وما إن كان بابا الكنيسة مثل فقيه مسجد حينا الذي لا يعرف غير" الزرود" وكتابة التعاويذ للعوانس والمطلقات ، ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أقف أمام إحدى كنائس غرناطة التي كانت في ما مضى مسجدا يحمل بين صومعته مجسم الصليب وصورة العذراء مريم ، فالمني المشهد بشدة ولكن فضولي دفعني لاستراق النظر الى الداخل حيث يجلس المصلون على الكراسي الخشبية وأمامهم قس يحمل كتابا بين يديه وفجأة انفتح الباب في وجهي على صورة القس الذي ابتسم في وجهي وهو يدعوني للدخول ولكني ترددت وأنا أقول له "أنا مسلم " فابتسم مرة أخرى وهو يقول لي " كما تشاء " وفي نفسي وددت أن ادخل لأسمع لهم فلا حرج في معرفة الأخر والتعرف على دينه وتذكرت قصة تلك السائحة في فاس التي دخلت مسجدا بالخطأ فتعرضت للإهانة والشتم لكونها غير مسلمة وكادوا يقتلونها بدعوى أن المكان طاهر .ثم تابعت مسيري فوجدت مجموعة من الإسبان ينتظرون أمام إشارة حمراء فاستغربت لذلك خاصة أن الطريق فارغة من السيارات فهممت بقطع الطريق فنظروا إلي مستغربين ولكني قلت لهم "أسف أنا مغربي " ومع نفسي شعرت أنني أكبر متخلف على الأرض خاصة حين كنت أضع رجلي على ممر الراجلين فيبادر السائقون تلقائيا بالتوقف للسماح لي بالمرور فتمنيت مرة أخرى لو كنا مثلهم في احترام الأخر . في المساء كنت قد شعرت بالتعب فقررت العودة للنزل وأخد قسط من الراحة فاستقبلني المكلف بالنزل وهو شاب اسباني بابتسامته وسلمني مفتاح الغرفة وما إن وضعت رأسي على المخدة حتى استسلمت للنوم. تتمة في الحلقة الثالثة والاخيرة