سلطت نخبة من نقاد السينما المغاربة الضوء على جوانب متعددة من التجربة السينمائية للمخرج داوود أولاد السيد التي تنخرط بعمق في أسئلة الإنسان والوجود. إنها سينما لها أسئلتها الخاصة تفتح شهية تشريح المتن السينمائي لمبدع متميز يحمل على الدوام أسئلة قلقة، يقول الناقد محمد شويكة في افتتاح جلسات اللقاء السنوي "سينمائيون ونقاد" الذي نظمته الجمعية المغربية لنقاد السينما يومي 6 و 7 ماي ببيت الصحافة بطنجة. في بسطه للمعالم الكبرى لهذه التجربة، تحدث شويكة عن فيلموغرافيا لها أسئلتها الخاصة والجديدة لأنها ارتبطت بالتحولات العميقة للمجتمع المغربي. وعن هذا الفنان الوافد إلى الفن السابع بمرجعية الفن الفوتوغرافي، قدم شويكة سنيما أولاد السيد بأنها فن "التأطير" بامتياز، والإبداع في تركيب الصورة وتأثيث خلفياتها. وفي مقاربته للانشغالات الفكرية التي تكشف عنها أعمال هذا الفنان، اعتبر الكاتب والناقد مبارك حسني أن الأمر يتعلق بسينما للتعبير لا للتسلية، حيث يطرح بقوة سؤال الانسان والوجود، ويحضر التيه الباطني للكائن وتسلط الكاميرا على الجغرافيات القصية، صحراء، أو طريقا مقفرا، أو بحرا، أمكنة للارتحال أو مواجهة الغريب والمجهول. هذه الآفاق تفرض على المخرج، حسب مبارك حسني، اختيار ممثلين حقيقيين، بأدوار تشاهد على الوجه الذي يكشف دواخل الشخصيات، ومن هنا إلحاح أولاد السيد على رصد الوجوه، وهي غالبا وجوه مكلومة ومتوترة، بحركة كاميرا بطيئة. وتناول الناقد عمر بلخمار اختلاف تجارب داوود أولاد السيد بين السينما التي تعكس بعمق اختياراته الفنية والجمالية، والتلفزيون الذي يخضع فيه لسلطة الإنتاج، مع ما يستتبع ذلك من تنازلات فنية. واستعرض جملة من الخصائص التي تسم الأعمال السينمائية للمخرج، من قبيل اللجوء إلى سخرية مدسوسة في افلام تتناول قضايا اجتماعية، والرهان على الصورة أكثر من الحوار، وبطء الايقاع الذي يفسح المجال للتأمل وشساعة التأويل والميل الى الفضاءات المهمشة، وتلاقح الفن السينمائي والفوتوغرافي. ورأى في هذه المقومات بصمات طبعها أستاذه المخرج الراحل أحمد البوعناني والكاتب والسيناريست يوسف فاضل. وتوقف الناقد الفرنسي رولان كاري عند تيمة الطفولة في أفلام داوود اولاد السيد، التي تحفل بنوازع الحنين إلى زمن جامد في الذهن والقلب. وتواصلت الجلسات النقدية باستعراض البعد الوثائقي في سينما داوود أولاد السيد من خلال عرض للناقد عادل السمار، ومقاربة لبنية الشخصيات وشعرية المتخيل في فيلم "في انتظار بازوليني" من قبل الروائي نور الدين محقق بينما تناول الباحث الفوتوغرافي جعفر عقيل "مفهوم التأطير في العمل الفني لداوود أولاد السيد" وناقش الباحث الفلسفي عبد العالي معزوز "بعض العناصر الجمالية في فيلموغرافية داوود أولاد السيد". ومن جهته، تقاسم المخرج المحتفى به، أسرار عوالمه الفنية واختياراته مع النقاد والإعلاميين مؤكدا أنه في بحث دائم عن اللامرئي، محاولا الابتعاد عن حكاية قصة عبر الحوار الذي يقول كل شيء. وقال داوود إنه ينحو في أعماله، وخصوصا في مشروعه الحالي الذي يحمل عنوان "أصوات الصحراء" إلى التعبير الشاعري، الذي يخلقه تفاعل الصورة والصوت، مع اقتصاد أقصى في اللغة. أما عن اختياراته الموضوعاتية، فقال إنه يميل إلى نحت شخصيات في مسيرها المتوتر نحو "البحث عن الذات". ويؤكد أولاد السيد أن الحافز الذي يحركه لانجاز فيلم ليس السيناريو الجيد، بل النص الذي يتمثله شخصيا من الاعماق، ليصبح هما شخصيا يستبد بكل حواسه. وكانت فعاليات اللقاء المنظم بدعم من وزارة الاتصال، قد انطلقت مساء الجمعة بعرض آخر أفلام المخرج "الجامع" الذي كان قد حاز على جوائز عديدة في مهرجانات وطنية وافريقية ومتوسطية. وأبرز رئيس الجمعية المغربية لنقاد السينما خليل الدمون، أن مواصلة تنظيم هذا اللقاء السنوي الذي يحتفي بالمخرجين المغاربة ذوي المكانة المتميزة في الفيلموغرافيا الوطنية تروم إرساء جسر منتظم بين صناع الإبداع السينمائي والمشتغلين بالنقد، توخيا لاقتراب أكثر حميمية من عوالم صناعة العمل الفني واستشرافا لسبل النهوض بجودة الأعمال السينمائية المغربية.