قبل بضع سنوات، ظهرت موضة في الصحافة المغربية، حيث إنه بمجرد اقتراب فصل الصيف، تشمر الجرائد عن سواعدها ويتصل صحافيوها بوزراء ومسؤولين وزعماء حزبيين ويسألونهم: أين ستقضون عطلة الصيف هذه السنة؟ في البداية، وشأنها شأن أية موضة، كانت هذه المواضيع تغري بالقراءة، كما أن الكثير من الحيل انطلت على القراء، لكن مع مرور الوقت صارت المواضيع مملة وتتشابه، إلى حد أنه لو نشرت جريدة موضوع العام الماضي في هذا العام لما تغير شيء. المسؤولون والوزراء المغاربة كانوا أذكياء منذ البداية وهم يجيبون عن سؤال: أين ستقضي عطلة الصيف؟ وكثيرون كانوا يقولون إن لديهم أجندة عامرة هذا العام ولن يخرجوا في عطلة.. إنه التفاني في العمل من أجل الوطن والمواطنين. الشريحة الثانية من المسؤولين تقول إنها ستستغل فرصة الصيف وتوقف الموسم السياسي، لكي تزور ابنها أو ابنتها التي تدرس بالخارج أو ربما لعيادة قريب لها يتلقى العلاج في الخارج.. إنها المشاعر الإنسانية الجياشة. النوع الثالث من المسؤولين يتصرف بذكاء أكبر ويقول إنه يفضل قضاء عطلة قصيرة، لكن ليس في جزر المالديف أو الكاريبي أو جزر الآسور، بل في المغرب، وخصوصا في الشمال. يا سلام.. يعني أن أموال المغرب ستبقى في المغرب، وهؤلاء المسؤولون سيشترون مياها معدنية من داخل المغرب، وعلب أعواد ثقاب من داخل المغرب، يعني أنهم «باستهلاكهم للمواد الوطنية سيساهمون في تنمية اقتصاد البلاد». المسؤولون الذين يقولون إنهم لن يخرجوا في عطلة يكونون أول من يحزمون حقائبهم ويغادرون مكاتبهم، المهم بالنسبة إليهم أن يقرأ الناس أنهم يضحون بعطلهم من أجل العمل. هذا أحد وجوه الفساد في المغرب... الكذب. والذين يقولون إنهم سيغادرون البلاد لعيادة مريض أو زيارة ابن أو ابنة، هم فقط يخافون أن يضبطهم الناس متلبسين بالاصطياف في أحسن المنتجعات الأوربية أو الآسيوية، لذلك يأتون بهذه «اللّعيبة»، حتى إذا ما رآهم الناس مع فتاة في عمر بناتهم لم يستغربوا، فمشاعر الأبوة يمكن أن تزدهر في أي مكان. أما الذين يقولون إنهم سيكتفون بقضاء العطلة داخل المغرب، وبالضبط في شواطئ الشمال، فهم من غنّت من أجلهم نجاة عْتابو «واهادي كذبة بايْنة». أكبر كذبة في المغرب حاليا هي قول المسؤولين إنهم «سيكتفون» بقضاء العطلة في الشمال، لأن عبارة «الاكتفاء» تعطي الانطباع بأنهم سيضحون وسيكونون مثل باقي هذا الشعب الذي يقضي عطلته بين الوديان والشواطئ المتسخة. لكن دعونا نلقي نظرة على هذا الشمال الذي يكتفي مسؤولونا بقضاء عطلهم فيه. ففي هذه المنطقة، الممتدة ما بين شاطئ مارتيل وحتى النقطة الحدودية لسبتة، هناك الكثير من الشواطئ التي لا يمكن لمن هب ودب دخولها، وهناك العشرات من الإقامات المحروسة التي يوجد على أبوابها حراس غلاظ شداد، وإذا أردت الدخول إلى الشاطئ فعليك أن تبحث عن وساطة، يعني أنك إذا أردت أن تستحم في بحر بلدك فينبغي أن تبحث عمن يتدخل من أجلك. في هذه المنطقة الممتدة على مساحة تقدر بعشرات الكيلومترات، هناك إقامات وفيلات شبيهة بمنازل الأحلام، وطرق وحدائق وفضاءات تتفوق على نظيرتها في إسبانيا، وفي كل زاوية بوليس، وعلامات تشوير تكاد تلتصق ببعضها البعض، وأعمدة كهربائية تتزاحم لإضاءة الطريق، والأضواء قوية ومبهرة ومن مختلف الألوان. المسؤولون الذين يقولون إنهم سيكتفون بقضاء عطلتهم في الشمال يعرفون أن قضاء عطلة في هذه المناطق «المغربية» أغلى من قضاء عطلة في ماربيا، وأن شواطئ، مثل ريستينغا وكابيلا وغيرهما، هي من أجل النخبة فقط، ومن بين هذه النخبة وزراؤنا ومسؤولونا وزعماء أحزابنا.. أبقاهم الله جميعا من أجل خدمة الوطن والمواطنين. في هذه المنطقة، التي يضحي مسؤولونا ويقضون عطلتهم فيها، مطاعم فاخرة وملاه ونواد ليلية يندر وجود مثيل لها في مناطق أخرى، وفيها يخوت يراها الواحد فيصاب بالإغماء، وفي هذه المنطقة فيلات وإقامات مبهرة بنيت بأموال مشبوهة، وفيها يقضي تجار مخدرات عطلهم، حيث يحدث أن يكون تاجر المخدرات جارا لمسؤول كبير، فتتوافق بذلك الأهواء والمطامح، ونكتشف أن تجار الحشيش بدورهم يضحون من أجل الوطن ويقضون عطلتهم في المغرب فقط، وخصوصا في الشمال. دمتم لنا جميعا.. ودامت تضحياتكم من أجلنا.