بحلول 15 مارس الجاري تكون قد مرت حوالي 200 يوم ( ستة أشهر ) على تحمل حزب العدالة والتنمية مسؤولية تدبير مدينة من حجم طنجة، وهي مدة يمكن أن تكون كافية لتسجيل ملاحظات حول هذه التجربة التي تعتبر الأولى من نوعها بعد الاكتساح الذي حققه الحزب المحسوب على الإسلاميين بكل مقاطعات المدينة خلال حفلة 04 شتنبر الأخيرة . وصول الحزب إلى سدة التسيير المحلي يعد "إنجازا" ويمكن اعتبار وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة التسير بعاصمة البوغاز في حد ذاته "انجازا"، فلولا سياق الحراك الذي شهده المغرب لما استطاع هذا الحزب الوصول إلى التدبير ليس فقط المحلي بل أيضا الوطني، وظهر من خلال مجريات الأحداث الأخيرة إلى أن السلطة بحاجة إلى شعبية هذا الحزب وإلى أدرعه النسائية والإعلامية والجمعوية والشبابية والدعوية .. رغم الملاحظات التي يمكن تسجيلها بهذا الشأن، لتمرير بعض القرارات المحلية التي لم تستطع الاقتراب منها في عهد المكاتب السابقة بالنظر لانعزالها عن الفئات الشعبية، وعدم تواصلها مع المواطنين، كما أن قدرتها على الإقناع متواضعة لغيابها عن العمل الميداني . وكلنا يتذكر ما جرى سنة 2009، حيث "تكالب" الجميع من داخل وخارج السلطة على هذا الحزب حتى لا يصل إلى مكتب تسيير المدينة، وعملت جهات أصبحت معروفة اليوم من أجل قطع الطريق على بوليف ومن معه في ذلك الوقت للوصول إلى تدبير الشؤون المحلية، وتتبعنا كيف جرى إنشاء تحالف، على حساب تحالف قائم في "رمشة عين"، ورأينا بأم أعيننا كيف تحققت "المعجزة" التي لا تحدث إلا في التجارب الغارقة في "الإنغلاق" بوصول حزب الأصالة والمعاصرة إلى العمودية وهو لم يحصل إلا على 07 مقاعد بمجلس المدينة، في الوقت الذي نال فيه حزب التجمع الوطني للأحرار 22 مقعدا، وحزب العدالة والتنمية على 21 مقعد، وبعدهما حزب السنبلة ب 11 كرسي . بل إن "المعجزة" تواصلت في تلك الفترة، وبتشويق أكثر بعد استقالة العمدة سمير عبد المولى، حيث خلفة فؤاد العماري الذي كان في الرتبة الثانية بعد السيد امحمد الحميدي في لائحة بني مكادة، الذي بدوره قدم استقالة أسالت الكثير من المداد فاتحا المجال أمام شقيق إلياس العماري للصعود إلى الطابق السادس من قصر البلدية، ليخرج بعدها العديد من الأساتذة الجامعيين لتبرير هذا الفعل على المستوى القانوني، ومحاولة إيجاد تخريجات مقنعة على هذا المستوى، رغم أن الأمور واضحة والغاية منها كانت بادية للجميع. وقبل هذا وفي الانتخابات المحلية التي جرت يوم 12 شتنبر سنة 2003، استثمرت السلطات تداعيات أحداث 16 ماي الدموية للضغط أكثرعلى حزب العدالة والتنمية حتى لا يشارك في كل الدوائر كما صرح بذلك أكثر من مسؤول وقيادي داخل الحزب، وكشفته في ما بعد مصادر إعلامية بتفصيل أكثر، خاصة تفاصيل اللقاء الشهير الذي جمع كاتب الدولة في الداخلية أنذاك السيد فؤاد علي الهمة بقيادات من حزب العدالة والتنمية يتقدمهم الدكتور سعد الدين العثماني والراحل عبد الله باها.. حيث خيم على الاجتماع تصريحات الدكتور أحمد الريسوني رئيس التوحيد والإصلاح في ذلك الوقت بشأن قضية إمارة المؤمنين . بعد هذا اللقاء حددت الأمانة العامة للبيجيدي الدوائر التي سيشارك فيها الحزب، وخصصت لمدينة طنجة 2 دائرة فقط، وهو ما أغضب القيادة المحلية أنذاك بقيادة الدكتور محمد نجيب بوليف الذي "خير" ومن ورائه المؤسسات الحزبية المحلية، قيادة حزبه إما المشاركة في كل دوائر طنجة أو عدم المشاركة بشكل نهائي في هذا الاستحقاق وهو ما كان، حيث نجحت السلطة في ربح المزيد من الوقت بتغييب الحزب عن المشاركة في العملية الانتخابية المحلية مما فتح الباب أمام استمرار العديد من الأسماء في واجهة المؤسسات المنتخبة المحلية إلى حين . الخلاصة هي أنه بعد التذكير بهذه الأحداث التاريخية وبشكل جد مقتضب، يتضح أن وصول العدالة والتنمية إلى سدة تسيير كل هذه المقاطعات بالمدينة مع العمودية وبأغلبية مطلقة، يعتبر في حد ذاته "إنجازا"، وإن كان هذا الوصول محفوفا بالعديد من المخاطر التي عملت السلطة على تدبيرها وإبرازها منذ الأسبوع الأول من دخول محمد البشير العبدلاوي إلى مكتبه تعززت أكثر خلال الأسابيع الأخيرة، جعلت العمدة ومن معه يدخلون في ما يشبه "التيهان" (بسبب ضعف التجربة من جهة، وبسبب الليونة الزائدة التي أبداها العمدة في تعامله مع السلطة من جهة ثانية ) وسط ركام من الاحتجاجات والملفات التي لم تعد إلى الواجهة إلا الآن وفي عهد الحزب الإسلامي . يتبع .