لا زالت تداعيات جائحة كورونا تقلق وتربك اغلب دول العالم حيث اجبرت انعكاساتها القوية الجميع على تبني مجموعة من الإجراءات الاحترازية اهمها استمرارية حالة الطوارئ الصحية. وحاليا بدات بعض الدول في تحدي آخر هو سياسة الرفع التدريجي لحالة الطوارئ. وببلادنا دخلنا في مرحلة تمديد الحجر الصحي إلى غاية 20ماي 2020. ونتيجة هذه الجائحة أصبحت جل الحكومات مقتنعة بضرورة تبني سلسلسلة من التغييرات الانية والمتوقعة. هذه التغييرات لن تستثني اي مجال: الاقتصادي الاجتماعي القانوني الثقافي السياسي البيئي……… كما ان المجتمعات مطالبة اليوم بالانخراط في هذه التغييرات من خلال اعادة النظر في سلوكاتنا وتبني تغييرات جديدة على مستوى : أنشطتنا علاقاتنا عاداتنا اهتماماتنا مواقفنا……. وذلك بضرورة التنازل والتخلي عن بعضها أو ملاءمتها مع الوضع الجديد. فنحن أصبحنا أمام واقع جديد من الضروري استيعابه هذا الواقع مُؤَثِر ومُؤَطَر زمنيا بمرحلة ما قبل الجائحة ومرحلة خلال الجائحة ومرحلة ما بعد الجائحة. وسنتطرق في هذا المقال لظاهرة التعليم عن بعد الذي فرض نفسه كحل بديل لتوقيف الدراسة الحضورية خلال الجائحة. حيث أصبحت اليوم تطرح العديد من السيناريوهات حول مستقبل التعليم عن بعد بالنسبة لمؤسساتنا الجامعية ؟ فالحقيقة هي ان جائحة كورونا هي التي فرضت تبني آليات تعليمية بديلة شكلت تقنية التعليم عن بعد إحدى أهم وأبرز هذه الآليات حتى أن هذه التقنية اصبحت تعتبر اليوم ظاهرة أكاديمية بامتياز. واذا رجعنا الى بداية انتشار فيروس كورونا عبر دول العالم سنجد ان المغرب كغيره من البلدان المتضررة من جائحة كورونا نهج مجموعة من الإجراءات الاحترازية الوقائية لمواجهة هذه الجائحة الخطيرة ووقف انتشارها. لذلك كان قرار الوزارة الوصية على قطاع التعليم الذي قضى بتعليق الدراسة بجميع المؤسسات التعليمية انطلاقا من 16 مارس 2020 إلى أجل غير مسمى. تبعه قرار الحجر الصحي انطلاقا من 20مارس 2020. لمدة شهر اصبحت بعد التمديد تصل إلى 20 ماي 2020 وتميز قرار وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي بتأكيده على توقيف الدراسة الحضورية و تعويضها بآلية التعليم عن بعد لضمان استمرارية الدراسة وفي نفس الوقت جعل الطلبة يلزمون بيوتهم للتقليل من عدد الإصابات بفيروس كورونا. إذن هذه الوضعية المفاجئة والتي لم يكن أحدا مخططا لها هي التي فرضت التوجه نحو آلية التعليم عن بعد كحل بديل لضمان الاستمرارية البيداغوجية خلال هذه الظرفية الاستثنائية. لذلك نجد تباينا لتجارب المؤسسات الجامعية المغربية في تطبيق آلية التعليم عن بعد. خلال الجائحة. ويرجع هذا التباين إلى عدة أسباب اهمها: – محدودية الجاهزية التقنية حيث تبين أن هناك ضعف كبير على صعيد التجهيزات التقنية المتوفرة بالنسبة لاغلب المؤسسات الجامعية المغربية والتي تفتقر أغلبها إلى الإمكانيات التقنية لتطبيق الية التعليم عن بعد. – كما ظهرت هذه المحدودية على صعيد فئة الأساتذة الذين لم يخضعوا إلى تدريبات في مجال التعليم عن بعد بالإضافة إلى افتقارهم للتجهيزات التكنولوجية المواكبة. – وبالنسبة للطلبة والطالبات الفئة المستهدفة من عملية التعليم عن بعد فاغلبهم هن يفتقرون ويفتقرن إلى الامكانيات والوسائل التكنولوجية لمسايرة هذه التقنية. – كما تبرز أيضا إشكالية عدم الجاهزية من ناحية المبدأ فغالبا ما كان هناك رفضا قاطعا من طرف بعض الفاعلين لآلية التعليم عن بعد. وكانت دائما هناك مقاومة لاي سياسة تشجع على الانتقال إلى نظام تعليمي معتمد أكثر على الوسائل الإلكترونية الحديثة. عموما تجربة التعليم عن بعد اصبحت في ظل الحجر الصحي ظاهرة أكاديمية تميز حاليا سياسة التعليم بمختلف الجامعات المغربية . بل وتعتبر موضوع نقاشات حيث لقيت ردات فعل ما بين مؤيد ومعارض. بالنسبة للمؤيدين يرون في هذه التجربة فرصة للتحول الرقمي في العملية التعليمية .مرددين تلك النداءات والتوجهات السابقة التي كانت دائما تنادي بتبني هذه التقنية بل أكثر من ذلك فإن هذه الفئة ترى في تجربة تطبيق آلية التعليم عن بعد من جهة أفضل بديل وحل لضمان استمرارية التحصيل الأكاديمي خلال هذه الجائحة. ومن جهة أخرى فرصة كبرى لدخول نظامنا التعليمي الجامعي الى عالم التكنولوجيا لمواكبة التطور. خصوصا وأن عالم التكنولوجيا أو الوسيط التكنولوجي بجميع أشكاله أصبح يفرض نفسه بقوة كمرجع لجميع العلوم والمعارف . لذلك في نظرهم لا بد من الاستفادة منه في سياستنا التعليمية حاليا في ظل الحجر الصحي وما بعد نهايته. أما بالنسبة للمعارضين فلم يتاخروا في توجيه مجموعة من الانتقادات منذ بداية التجربة. وذلك من خلال الطريقة المعتمدة من طرف المؤسسات الجامعية في تطبيق التعليم عن بعد خلال هذه الجائحة. حيث برروا انتقادهم بعدم جاهزية هذه المؤسسات وعدم كفاءة اطرها – في نظرهم – في التعامل مع هذه التقنية المعقدة. وكذلك برروا انتقادهم من خلال صعوبة ضمان مبدأ تكافؤ الفرص في تقنية التعليم عن بعد هذا المبدأ الذي يعد مقدسا في مجال التعليم. وهناك للاسف بعض هؤلاء المعارضين من دهب إلى حد التبخيس بكل المجهودات المبذولة رغم أهمية بعضها بل ومصورين التجارب المختلفة لتقنية التعليم عن بعد في الجامعة المغربية بصور مشوهة نتج عنها في نظرهم منتوجا سلبيا كاريكاتوريا. حتى أن هناك من اختار طريق الهجوم اللااخلاقي على فئة الأساتذة الذين انخرطوا في التجربة . حيث انتشرت للأسف عبر مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من التصريحات والتسجيلات الصوتية تستهزئ بفئة الأساتذة وتقلل من قيمة مجهوداتهم. الشيء الذي جعل وزير التربية الوطنية والتعليم العالي يصدر بلاغا قويا أدان من خلاله هذه الممارسات كما اثنى على جهود الأساتذة الذين انخرطوا في هذه التجربة رغم الإمكانيات المحدودة جدا. والظرفية الصعبة التي فرضت عملية اللجوء إلى التعليم عن بعد كحل بديل لضمان استمرارية المحاضرات وضمان فعالية إجراءات الحجر الصحي . عموما نحن امام واقع فرضته جائحة كورونا أدى بالوزارة الوصية تعليق الدراسة واختيار التعليم عن بعد الإلكتروني أو التلفزي كبديل الغاية منه هي استمرارية الدراسة وجعل الطلبة يلزمون بيوتهم لمواجهة الوباء. لذلك اليوم يتردد سؤال مهم هل ساهمت هذه التجربة فعلا في ضمان استفادة الطلبة من المحاضرات والدروس المتبقية للفصل الاخير للموسم الجامعي 2019|2020 ؟ وهنا بطبيعة الحال سنكون غير موضوعيين إذا قلنا اننا باستطاعتنا تقييم هذه التجربة الجديدة. لكن من خلال بعض الإحصائيات الأولية لتجارب بعض المؤسسات الجامعية يتبين أن التجربة بالرغم من الاكراهات والصعوبات المادية والبشرية فإن النتائج كانت إيجابية واستطاعت إلى حد ما انقاد الموسم الجامعي في هذه الظرفية الصعبة. ويمكن لهذه التجربة أن تؤسس لبناء تصور مستقبلي لإدماج وبقوة لتقنية التعليم عن بعد في المنظومة التعليمية بجامعاتنا لكن داخل مناخ أكثر ملاءمة مع توفير الشروط العلمية واللوجيستيكية. لان الملاحظ أن التعليم عن بعد اخذ مساحة أكبر مقارنة مع مرحلة ما قبل الجائحة. لذلك يجب التعامل معه معطى جديد أصبح يفرض نفسه كامر واقع خصوصا وانه لا أحد يعلم موعد زمني لنهاية هذه الجائحة. فالمطلوب اليوم هو دعم هذه التجربة وصيانة مكتسباتها والتركيز بالاساس على انقاد الموسم الجامعي في مراحله النهائية. فتكاثر الشائعات والأخبار المزيفة حول سيناريوهات سلبية من قبيل سنة دراسية بيضاء تقتضي ضرورة تقديم الوزارة الوصية للمعطيات الضرورية حول ما تبقى من الموسم الدراسي الجاري وتبديد شكوك وتساؤلات طالباتنا وطلبتنا حول مستقبلهم. فالرهان الاول المطلوب اليوم هو الاعلان عن خطة في ما يتعلق باستئناف الموسم الجامعي وإجراء الامتحانات. وليس ما أصبح يتردد للأسف عند البعض من توسيع استعمال تقنية التعليم عن بعد إلى مجالات تتجاوز التدريس في الجامعة الى البحث العلمي من قبيل مناقشات الدكتوراة وبحوث الماستر عن بعد. بل هناك من ذهب إلى حد مناقشة ترقيات السادة الأساتذة من قبيل التأهيل الجامعي وذلك بتقنية ( المناقشة عن بعد). وهنا في الحقيقة سنكون أمام نوع من العبث نظرا لغياب الشروط القانونية واللوجيستيكية الغير متوفرة لمثل هذه التقنية. والتي ستؤدي حتما إلى إفشال التجربة برمتها. فالمنطق يقضي بأن التعليم عن بعد لا يمكنه أن يعوض التعليم الحضوري لان الاخير ضروري فالجامعة ليست فقط فضاء للتدريس والبحث العلمي ولكن الحياة الجامعية تخلق شخصية الطالب الذي سيتحمل المسؤولية مستقبلا داخل المجتمع. إن تحديد الشروط خصوصا التقنية البيداغوجية لبناء تصور مستقبلي لتقنية التعليم عن بعد تحتاج إلى دراسات متخصصة واستطلاعات للرأي ومشاورات مع جميع الفاعلين في المجال. لكن سنحاول من خلال قراءة في تجربة التعليم عن بعد خلال هذه الجائحة تحديد بعض الشروط الأساسية والضرورية لضمان تطبيق آلية التعليم عن بعد في نظامنا التعليمي ما بعد الجائحة وذلك كمكمل أساسي للتعليم الحضوري تتمثل في : 1- تفعيل مقتضيات الفصل 31 من دستور 2011 الذي ينص على : تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في…… الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة…….. اذن الاستثمار العمومي في قطاع التعليم مع ضرورة انخراط الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية بمختلف هيئاتها في إطار استراتيجية بعيدة المدى لجعل التعليم عن بعد كمكمل للتعليم الحضوري داخل منظومتنا التعليمية. 2- انخراط جميع شركات الاتصالات في هذا المشروع الكبير وذلك بخلق خلية على صعيد مصالحها خاصة بالتواصل المباشر مع المؤسسات الجامعية. وبالنسبة للجانب التقني ضرورة تدخل هذه الشركات لتوفير صبيب الانترنت مرتفع ومناسب لضمان نجاح افضل لتقنية التعليم عن بعد والاستعداد التقني الاحترافي لمواجهة الارتفاع المنتظر على مستوى الضغط وعلى مستوى المشاكل التقنية. 3 – تمكين جميع الطلبة والطالبات من التجهيزات الضرورية والملائمة لتقنية التعليم عن بعد. تاخذ بعين الاعتبار محدودية مشاريع سابقة عرفتها المؤسسات الجامعية لكن نتائجها كانت كارثية افتقدت إلى الجودة كما يجب أن تأخذ بعين الاعتبار استعمال مقاربة النوع من خلال مراعاة الوضعية الاجتماعية لاغلب الطلبة والطالبات. 4 – تكوين الأساتذة الباحثين والطاقم الاداري للمؤسسات الجامعية على استعمال الوسائل التكنولوجية وتحفيزهم على الانخراط الفعلي في ذلك. 5 – تجهيز مؤسسات جامعية حقيقية في اطار سياسة استراتيجية متكاملة وتجاوز السياسة المعتمدة والمتمثلة في انشاء مؤسسات جامعية ضعيفة. مع ضرورة تجهيز هذه المؤسسات باستديوهات إحترافية تابعة لها وتحت إشرافها المباشر مع توفير لهذه الاستديوهات الموارد البشرية المختصة اللازمة والتجهيزات التكنولوجية الملائمة وذات جودة عالية. 6- اعادة النظر في سياسة التعليم والاستثمار العمومي في قطاع التعليم والقطع مع فكرة خصوصة التعليم التي تبين فشلها خلال جائحة كورونا.