عيد أضحى بدون “فراوة”.. جملة لو قلتها خلال الأسبوع الماضي فقط لأعتبرك البعض مجنونا مهرطقا لا يفقه شيئا في العادات الطنجاوية المرافقة لهذه المناسبة، الا أن الأمر أصبح حقيقة وواقع ابتداء من أول أمس، ونحن على موعد هذه السنة مع عيد دون رائحة شواء رؤوس الأضاحي. براميل وأخشاب ستبقى بعيدة هذه السنة عن نيران أبناء الحي، بسبب قرار جماعة طنجة القاضي بمنع “الفراوة”، والذي خلف صدمة في صفوف المواطنين، خصوصا وأن الأمر جاء قبل أيام قليلة من حلول العيد. وبما أن الموضوع لا يقتصر على فئة معينة من المجتمع، وسيؤثر على محالة على ذاكرة المدينة وعلى مستقبلها أيضا، استقت جريدة “طنجة 24” الإلكترونية آراء مجموعة من الفاعلين الطنجاويين في مختلف المجال، واللذين كشفوا عن رأيهم في “منع الفراوة”.
أيمن الزبير (اعلامي طنجاوي): مثل آلاف الأطفال في مدينة طنجة، شاركت الى جانب أبناء “حومتي” في ما يعرف بعملية “الفراوة” التي كانت تفرض علينا حينذاك وصل الليل بالنهار لتوفير الأخشاب والبرميل الحديدي حيث تنتهي رؤوس أكباش جيراننا و أسرنا. كانت للحظة نكهة إنسانية فريدة تعتبر في تقديري أهم مكسب لتلك الطقوس التي كانت تتكرر في جل أحياء المدينة.أمام سينما “غويا” كان برميلنا و فرحتنا التي لا تكتمل الا بتوزيع حصيلة يوم شاق و حار. لم يختف الحنين لتلك الذكريات لأنها شيء فوق الإرادة والقلب لكنني اليوم أجد صعوبة للوقوف في صف المدافعين عن بقاء هذه الطقوس دون تعديل أو تغيير لأن ملامح طنجة تغيرت كثيرا ولأن عدد سكانها ربما تضاعف. بالإضافة الى التحديات البيئية ثمة قوانين أخرى تحدد العيش المشترك في الفضاء الحضري وهي القوانين التي قد تتعارض أحيانا مع رغباتنا لكنها تظل المنظم الوحيد للحد الأدنى من الوئام الذي يجب أن يسود في مدينة تصبو الى العالمية. هذه المبررات التي كان على السلطات المحلية تسويقها بنجاعة في إطار سياسة تواصلية ذكية لم يتم عرضها بوقت كاف و هو ما أفرز نوعا من الاحتقان في أوساط شريحة من المواطنين كانت تعول على هذا النشاط الاقتصادي للاسترزاق و مواجهة قلة ذات اليد. لكل هؤلاء يجب توفير أجوبة عملية تغنيهم عن الرهان على مثل هذه الأعمال الموسمية التي قد تحل ضائقتهم المالية و لو لحين لكنها تترك بصمة بشعة في مدينة مازالت عاجزة عن التعامل الناجح مع ملفات النظافة و البيئة. في طنجة الكبرى يستعصي تخيل مشهد تجتمع فيه مشاهد شي رؤوس الخرفان بصور البواخر السياحية العملاقة.
عبد الواحد استيتو (كاتب روائي طنجاوي): هو قرار في ظاهره رحمة وفي باطنه عذاب. ظاهره حفاظ على البيئة وخوف على صحة الطنجاويين وقلق من أجل راحتهم، وباطنه عنت ومشقة للمواطن الذي سيكون عليه أن يبحث في صباح العيد، بكل ما فيه من إرهاق، عن بدائل لا أعتقد أنه سيجدها. كلنا نعرف أن المنع هو أسهل شيء، لكن البدائل تبقى صعبة وتتطلب مجهودا، وهو الأمر الذي ينفر منه هؤلاء المسؤولون، فكم من حاجة يتم قضاؤها بتركها من باب الاستسهال والسبهللة. عندما ينفصل المسؤول عن واقعه فلا بد أن ترى قرارت عشوائية كهذه، فهل يغيب حقا عن الجماعة الحضرية أن “تشويط الريوس” هي فعلا مهنة موسمية محددة الزمان والمكان؟ وتقدم خدمة حقيقية للمواطن الطنجاوي؟ يوم واحد لن يضرّ أحدا، وطيلة العقود التي شهدت فيها هذه العادة أو المهنة، لا أذكر يوما أنني شهدت أمرا سلبيا أو أن الأمر خلف تلوثا ملحوظا بقي لأيام ! هو يوم واحد، يبدأ فه وينتهي فيه كل شيء، وينصرف الجميع إلى بيوتهم راضين مرضيين.. فما لهاته الجماعة لا تكاد تفقه حديثا؟ إن كانوا يريدون حقا مصلحة المواطن، فعلينا أن نفتح مجلدات وملفّات لم نعد نملك حتى الرغبة في فتحها. فاليأس من بعض المسؤولين يكون أحيانا هو قمّة التفاؤل !
عادل بخات أفضيل (فاعل جمعوي بطنجة): في نظري “فراوة” من العادات التي عرفناها منذ الصغر و خصوصا أنها تجمع شباب الحي في مشروع ترفيهي ومذر للدخل في نفس الوقت، إلا أنه يشكل خطرا على سلامة العاملين إن لم يلتزموا بوسائل وقاية كالقفازات ونظارات الحماية، إضافة إلى سلبيات المخلفات التي إن لم يقم الشباب بجمعها يصبح مشكلا في وجه عمال النظافة. وبخصوص قرار الجماعة الحضرية أراه جد عشوائي من ناحية وقت تنزيله (4 أيام قبل العيد) ويفتقد للبدائل التي تسهل على المواطنين شي الرؤوس بأماكن قريبة لمسكنهم.
عثمان بنشقرون (كاتب ومترجم طنجاوي): بكل صراحة ومن حيث المبدأ، إن القرار التنظيمي القاضي بمنع شي الرؤوس يوم عيد الأضحى في الشوارع هو من ناحية قرار جريء، نظرا لترسخ هذه العادة في سلوك المغاربة بشكل عام وفي طنجة بشكل خاص. ونظرا لما يشكل عيد الأضحى من عبء بحمولته الاجتماعية وبطقوسه المطبخية التي تتعدى طقس التدين، فإن أي تغيير في العادات المترسخة لا بد أن يكون مرفوضا في البداية ليس فقط فيما يتعلق بشي الرؤوس وإنما في كل ما ترتكز عليه عملية التمدن الحديث من تهيئة وتنظيم وهيكلة جميع الخدمات والأنشطة، وهذا يشكل عمق مشكل التمدن في المغرب. من ناحية أخرى فهو قرار صائب، لأن عملية الشي لا تخضع لأي ترخيص أو تنظيم أو مراقبة من الجهات المسؤولة على صحة وسلامة المواطنين. إذ أن العملية يقوم بها أي كان في أي مكان كان، بما تخلف من مظاهر بشعة و أضرار يعلمها الجميع. لكن لدي مآخذ على القرار من حيث شكله وأجرأته على أرض الواقع. أولا القرار نزل كالصاعقة وفي زمن متاخر جدا، بحيث لم تسبقه نقاشات ولا حملات تحسيسية تبرز صواب القرار وفائدته على الساكنة وقدرة المسؤولين على ضمان تطبيقه في ظروف عادية. ثانيا ضمان تطبيق هذا القرار سيتطلب إمكانات لوجيستية وبشرية كبيرة جدا لا أعتقد ان الجماعة الحضرية قادرة عليها بإمكاناتها الشحيحة. إن مسالة الذبح والسلخ وشي الرؤوس أعتبره تحديا مطروحا على مسؤولي الشأن المحلي في كل المدن المغربية، بما يتطلب من ضرورة إيجاد حلول ناجعة لهيكلة وتقنين هذه العمليات بحلول تحافظ على خصوصياتنا في الآن نفسه بضمان الجانب المتمدن والحضري في مدننا.
محمد السدحي (نقابي وكاتب طنجاوي): سياسيا، القرار فيه كثير من الجرأة، خاصة في هذا الظرف بالذات. موضوعيا، القرار متسم بالتسرع وغير مبني على أسس ومعطيات موضوعية، خاصة وأنه غير متضمن لاقتراح حلول بديلة. حيث لا يمكن تصور تخلي المواطنين على رؤوس أضاحيهم التي تشكل أساس عادة الكسكس بلحم الراس يوم ثاني عيد، كما أن التكفل بشي هذه الرؤوس من طرف الأسر في بيوتهم شيء مستحيل، ولا أعتقد أن ”فراوات” زنقة الحدادين كافية لهذا الغرض كما في السابق. صحيح أن الجماعة الحضرية استدركت الأمر تحت ضغط الرأي العام بتوضيح مفاده أن المنع ليس مطلقا وإنما مقرون بشروط، وهذه الشروط في اعتقادي مبهمة، وصعب على السلطات المعنية تطبيقها… عموما، أرى أن المظاهر السلبية المرتبطة بهذه الشعيرة المقدسة يجب التفكير في إيجاد حلول مناسبة لها على نطاق واسع وباتخاذ الوقت الكافي لذلك، ولا يمكن وضع حد لها بجرة قلم من أي جهة… ومع ذلك هذه ليست دعوة للتراجع عن القرار بشكل نهائي… والله أعلم.
هيثم العطاوي (فاعل جمعوي بطنجة): بعد أن اطلعت على قرار منع جماعة طنجة لشي الرؤوس في شوارع وأزقة المدينة، عاد بي الزمان الى ايام الطفولة و تذكرت “الفراوة”، وهي من اقصر المهن الموسمية عمراً، مدة ممارستها يوم واحد يتم فيه الاعداد و”التشويط” وتقسيم الارباح، كنّا ننصب البراميل ونجمع الاخشاب بهدف ايقاد النار في الساعات الاولى من الصباح كي تكون مشتعلة عند ذبح اول خروف في الحي وتستمر العملية الى اخر اليوم، لعبنا بالنار لتحصيل دراهم معدودة وغالباً ما كنّا نتعرض لجروح وحروق قد تصل في بعض الحالات إلى درجة الخطورة، وذلك بسبب تعاملنا مع النار بكثير من الاستسهال ودون أخذ أي احتياطات وقائية، و الاستسهال يتواصل إلى ما بعد انتهاء العمل، حيث نترك ورائنا مخلّفات يوم كامل من “التشويط”، أخشاب محترقة وبراميل وقرون أكباش.. ورغم كل هذا تبقى “الفراوة” طقس من طقوس عيد الاضحى الذي لا يمكننا الاستغناء عنه، و بدل إصدار قرار منعه كان على جماعة طنجة ابتكار حل بديل يضمن للناس ممارسة طقوسهم مع الحفاظ على سلامتهم و على نظافة الشوارع والأزقة.
خالد الشرادي (رسام كاريكتير): الفكرة ممتازة وكان يجب تطبيقها من زماااان عبر كل مدن المغرب التي تتحول خلال عيد الأضحى، الى مزابل كبيرة … هناك فظاعات بيئية كثيرة يرتكبها المغاربة بمناسبة العيد ومنها رمي النفايات بالطرق العشوائية المعروفة نتمنى من المجالس المنتخبة أن تسير في اتجاه حلول فعالة بهذا الخصوص.