المشكل الحقيقي، الذي يتحاشى بنكيران ومنتخبو حزبه الخوض فيه، في سياق تصاعد الاحتجاجات ضد أمانديس، هو الزيادات المهولة في الأسعار، والتي توالت منذ تنصيبه رئيسا للحكومة، في مختلف المجالات. هذه الزيادات تنهك جيوب المواطنين، ولا تأبه بالقدرة الشرائية المتضعضعة، وإنما شاغلها الشاغل هو معالجة الاختلالات بتغريم الشعب المتضرر عوض تغريم الناهبين الفاسدين. لب المشكل أن سياسة رئيس الحكومة قائمة على إجبار ضحايا الفساد والنهب على المساهمة القسرية القهرية في إعادة ترميم الصناديق التي التهم ملاييرَها فاسدون كبار محصَّنون من أية مساءلة ومتابعة ومحاسبة. وفي هذا السياق، يشكل شعار "عفا الله عما سلف" عنواناً بارزاً يوجه بوصلة البحث عن لب المشكل؛ ذلك أن هذا العفو المختل ينعكس أثراً سلبياً جداً على الطبقة المسحوقة وعلى الطبقة المتوسطة في آن معاً، حيث تصبح هذان الطبقتان ملزَمتان بالاقتطاع من عرقهم وجيوبهم ومعاشهم أقساطاً متتابعةً ولا تكاد تنتهي لتؤديها ضريبةً لإصلاح يصر رئيسُ الحكومة على أنه الواجب الفوري، وأنه الحل الممكن الوحيد. لقد بدا على رئيس الحكومة ارتياحٌ كبير، ونشوة غامرة بطعم الانتصار، وهو يرى الجماهير تصفق لكلامه، إبان الحملة الانتخابية لاستحقاقات 04 شتنبر 2015، حين فاخر بكون هذه الجماهير وعموم الشعب المغربي قد قبلوا منه الزيادات التي فرضها هو شخصيا في أسعار الماء والكهرباء. لكنه، للأسف الشديد، يغمض عينيه ويمتنع عن أن يقرأ رفض هذه الزيادات من الرسالة المباشرة الواضحة الصريحة لعشرات الآلاف التي لجأت إلى الشارع رأساً للاحتجاج عليها، وظلّ عوض ذلك يكرر في لقاء الولاية يوم الأحد فاتح نونبر 2015 بطنجة أنه هو من فرض الزيادات في الماء والكهرباء، وكرر كذلك خطاب الحملة الانتخابية ذاتَه، شاكراً الشعب الذي قبِل منه هذه الزيادات!!! والأعجب أن رئيس الحكومة، في لقاء الولاية نفسه، ظل يتساءل، كما لو أنه لا يدري، عن سبب استمرار الاحتجاجات في الشارع، والحال أنه، في زعمه، عالج المشكل من أساسه! المشكل، يا من تراوغون عن تسميته باسمه الحقيقي، هو ضجَرُ المواطنين من الاستمرار في المساس بقدرتهم الشرائية. المشكل هو إجبار الضحية على تعويض ما سرقه منه الفاسدون الكبار من ذوي الحصانة العالية. هي رسالة غير مشفَّرة للإصلاح الذي يبيض جرائم "الشّفّارة"، رسالة تردد في الشارع: مللنا من إفراغ جيوبنا لتعفو الحكومة عن الناهبين الضالعين في جريمة تخريب صناديق المال العام.