الترتيب ونتائج البطولة الاحترافية الدورة ال16    نتانياهو سيخضع لعملية جراحية لاستئصال البروستاتا جراء عدوى أصابته في المسالك البولية    داخل جمعية!!.. محاولة فتاتين وضع حد لحياتهما بمادة سامة تستنفر السلطات بطنجة    الماص يقلب الطاولة على الوداد في البطولة الاحترافية    منتخب الكراطي يحصد 20 ميدالية في البطولة العربية    النيابة العامة تحيل سائقي "الطاكسيات" المعتقلين في الرباط على قاضي التحقيق    بوتين يعتذر عن حادثة تحطم الطائرة الأذرية دون تحميل روسيا المسؤولية    إحداث 7912 مقاولة في جهة الرباط    بعد لقاء الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني.. الرباط ونواكشوط يتجهان لإحياء اللجنة العليا المشتركة بينهما    ارتفاع مفرغات الصيد البحري بميناء الحسيمة    وحدة خفر السواحل تواجه عطبا مفاجئا وتعلق بين الصخور    زياش يشترط على غلطة سراي مستحقاته كاملة لفسخ العقد    الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان تؤدي مهمتها على أكمل وجه    حيار: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة لا تتعدى حدود الشريعة الإسلامية    بحضور أزولاي.. لقاء ثقافي بالصويرة يبرز أهمية المكان في تشكيل الهوية    خنيفرة تحتضن المهرجان الدولي للقصة القصيرة    كلميم..توقيف 394 مرشحا للهجرة غير النظامية    وفاة ملاكم بعد أسبوع من فوزه باللقب الذهبي لرابطة الملاكمة العالمية    القضاء يدين محمد أوزال ب3 سنوات ونصف حبسا نافذا    الكعبي ينهي سنة 2024 ضمن أفضل 5 هدافين في الدوريات العالمية الكبرى    عملية أمنية تنتهي بإتلاف كمية مخدرات بوزان    المغرب داخل الاتحاد الإفريقي... عمل متواصل لصالح السلم والأمن والتنمية في القارة    حملة مراقبة تضيق الخناق على لحوم الدواجن الفاسدة في الدار البيضاء    قوات إسرائيلية تقتحم مستشفى بشمال غزة وفقدان الاتصال مع الطاقم الطبي    غزة تحصي 48 قتيلا في 24 ساعة    الاحتفاء بالراحل العلامة محمد الفاسي في يوم اللغة العربية: إرث لغوي يتجدد    الداخلة : اجتماع لتتبع تنزيل مشاريع خارطة الطريق السياحية 2023-2026    تأجيل تطبيق معيار "يورو 6" على عدد من أصناف المركبات لسنتين إضافيتين    "العربية لغة جمال وتواصل".. ندوة فكرية بالثانوية التأهيلية المطار    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    ارتفاع ليالي المبيت بالرباط وسط استمرار التعافي في القطاع السياحي    اليابان.. زلزال بقوة 5.1 درجة يضرب شمال شرق البلاد    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون موضوع مراجعة مدونة الأسرة    حصيلة الرياضة المغربية سنة 2024: ترسيخ لمكانة المملكة على الساحتين القارية والدولية    حجم تدخلات بنك المغرب بلغت 147,5 مليار درهم في المتوسط اليومي خلال أسبوع    مطالب بإنقاذ مغاربة موزمبيق بعد تدهور الأوضاع الأمنية بالبلاد    ترامب يطلب من المحكمة العليا تعليق قانون يهدد بحظر "تيك توك" في الولايات المتحدة    فرح الفاسي تتوج بجائزة الإبداع العربي والدكتوراه الفخرية لسنة 2025    مجلس الأمن يوافق على القوة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام في الصومال    عائلة أوليفيا هاسي تنعى نجمة فيلم "روميو وجولييت"    دراسة: أمراض القلب تزيد من خطر اضطراب الخلايا العصبية    مبادرة مدنية للترافع على التراث الثقافي في لقاءات مع الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب    استثناء.. الخزينة العامة للمملكة توفر ديمومة الخدمات السبت والأحد    وفاة زوج الفنانة المصرية نشوى مصطفى وهي تناشد جمهورها "أبوس إيديكم عايزة ناس كتير تيجي للصلاة عليه"    البرازيل: ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر شمال البلاد إلى 10 قتلى    اقتراب مسبار "باركر" من الشمس يعيد تشكيل فهم البشرية لأسرار الكون    يامال يتعهد بالعودة أقوى بعد الإصابة    المدونة: قريبا من تفاصيل الجوهر!    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ظل ارتفاع الأسعار .. هل تخلت الحكومة عن الملف الاجتماعي؟
العدالة والتنمية الذي يقود التجربة الحالية بات أكثر استعدادا لوضع برنامجه الانتخابي وراء ظهره
نشر في المساء يوم 02 - 06 - 2014

في الأسبوع الماضي وقف رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران أمام عدد من المواطنين في مدينة أكوراي، بضواحي مكناس، داعيا إياهم إلى مقاطعة منتوجات شركة «دانون»، بسبب الزيادة التي قررتها في منتوجاتها المشتقة من الحليب، ومعلنا أن حكومته غير مسؤولة عن الزيادة التي همت هذه المادة. وأكثر من ذلك قال رئيس الحكومة إنه شخصيا ينضم منذ ذلك الوقت إلى دعوات المقاطعة لتلك المنتوجات، التي رفعها بعض الشبان على موقع الفيسبوك.
ويظهر ذلك الموقف أزمة الحكومة الحالية في تبرير الزيادات المتتالية في عدد من المواد بشكل عام خلال السنوات الثلاث الماضية، وهو يكشف الخطة الفاشلة للحكومة في محاولة إقناع المواطنين بهذه الزيادات، من خلال الهجوم على بعض الشركات الخاصة التي أقدمت على إقرار زيادات في منتوجاتها، في محاولة غير موفقة للفصل بين الزيادات التي تقرها الحكومة وتلك الزيادات، في ما يشبه إقناع المواطن بقبول الأولى ورفض الثانية.
وبعد الزيادة في أسعار المحروقات لمرتين، الأولى عام 2012 والثانية في السنة الماضية، قررت الحكومة قبل أيام الزيادة في أسعار استهلاك الماء والكهرباء، في ضربة قاصمة للقدرة الشرائية والاستهلاكية للمواطنين. وقد اتسم موقف الحكومة بالارتباك فيما يتعلق بهذه الزيادات الأخيرة، إذ سبق لها أن نفت في شهر يناير الماضي، على لسان الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، محمد الوفا، أي زيادة في أسعار استهلاك الماء والكهرباء، ردا على «الشائعات» التي راجت في تلك الفترة، حيث أكد الوفا وقتها أن تلك الشائعات «لا قيمة لها». كما أن تبرير هذه الزيادات عكس الارتباك الحكومي، ففي الوقت الذي قال فيه مسؤول حكومي إن الهدف من تلك الزيادات هو»عقلنة» تدبير استهلاك الماء والكهرباء، تبين أن الهدف هو إنقاذ المكتب الوطني للكهرباء الذي يتجه نحو الإفلاس.
فيوم الأربعاء الماضي ترأس بنكيران اجتماعا رفيع المستوى حضره وزراء ومسؤولون كبار، لوضع اللمسات الأخيرة على التعاقد بين الحكومة والمكتب، الذي أطلق عليه «العقد البرنامج». وسيوفر هذا البرنامج للمكتب حوالي 40 مليار درهم، ستتحملها خزينة الدولة والمكتب نفسه والزبناء في حدود 50 في المائة، وبناء على هذا التعاقد سيتم رفع أسعار استهلاك الماء والكهرباء ابتداء من شهر غشت المقبل.
وتبرر الحكومة هذه الزيادة بإنقاذ المكتب الوطني للماء والكهرباء من أزمته الخانقة، لكن مثل هذا الإجراء كان حزب العدالة والتنمية يقف ضده عندما كان في المعارضة، لما أقدمت حكومة إدريس جطو على ضخ أموال من ميزانية الدولة في ميزانية البنك العقاري والسياحي الذي كان يطارده الإفلاس، بالرغم من أن الحكومة الحالية لم تتخذ هذا الإجراء اليوم على حساب الميزانية العامة، بل على حساب جيوب المواطنين.
ويبدو أن الحكومة قررت التخلي عن المضامين الاجتماعية لبرنامجها الحكومي، بل إن حزب العدالة والتنمية الذي يقود التجربة الحالية بات أكثر استعدادا لوضع برنامجه الانتخابي وراء ظهره، عبر هذه الإجراءات الاجتماعية الكبيرة التي تستهدف القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل العجز الواضح عن إبداع إجراءات جديدة لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني. والملاحظ أن الحكومة باتت مستعدة لدفع المواطن البسيط إلى دفع كلفة العجز في الميزانية، بالموازاة مع التراجع عن بعض القرارات الأخرى التي سبق الإعلان عنها في الفترات الأولى لتوليها مهامها، مثل الضريبة على الثروة وتوزيع المساعدات على الشرائح البسيطة، بالرغم من أن هذا الإجراء كان يرمي إلى تحويل الصدقة التي تقدمها الحكومة إلى بديل للتنمية الاقتصادية. فقد قسمت المغاربة إلى ثلاث فئات من الذين سوف يقومون بتسديد الأقساط في ميزانية المكتب الوطني للماء والكهرباء، وأعفت الفئة الأولى التي لا يتجاوز عددها أربعة ملايين حسب الحكومة من سداد هذه الأقساط، غير أن هذا التقسيم لا يطابق الواقع الاجتماعي الحقيقي في ظل الغلاء واستقرار الأجور وانتشار البطالة وزحف الديون على مختلف الطبقات الاجتماعية إلى درجة أن مفهوم الطبقة الوسطى لم يعد ذا مدلول محدد في المغرب، كما أكدت دراسات سابقة، حيث إن هناك فئات واسعة من المجتمع سوف تتضرر من هذه الزيادة الأخيرة، كما تضررت من الزيادات السابقة.
ادريس الكنبوري
هل تشعل مراجعة أسعار الماء والكهرباء غضب المغاربة على الحكومة؟
خيرون: الدعم سيستهدف الفئات المستحقة له وشعبيتنا ليست هاجسا
على الرغم من التطمينات التي بعثت بها الحكومة إلى الشارع المغربي، على خلفية قرار مراجعة أسعار الماء والكهرباء، في إطار عقد البرنامج الذي أبرمته مع المكتب الوطني للكهرباء والماء، إلا أن القرار بات يطرح أكثر من سؤال حول شعبية الحزب الحاكم، مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، وتواتر عدد من القرارات «اللاشعبية» التي شاءت الحكومة الحالية أن تتحمل مسؤولية تطبيقها.
حكومة عبد الإله بنكيران سارعت إلى توضيح حقيقة عقد البرنامج، والتأكيد على أن هذه الإجراءات تمس الطبقات الفقيرة وحتى الطبقات المتوسطة، دون المساس بالأشطر الاجتماعية التي يقل استهلاكها عن 100 كيلوواط شهريا بالنسبة للكهرباء، والتي تهم 4 ملايين و100 ألف من المشتركين و6 أمتار مكعبة شهريا بالنسبة للماء، والتي تهم مليونين و200 ألف من المشتركين.
مبررات الحكومة لهذه الإجراءات التي تدخل في خانة «القرارات غير الشعبية والصعبة»، تمثلت في كون المؤسسة كانت تتجه نحو الإفلاس، بل وحتى الاضطرار إلى وقف إمدادات الماء والكهرباء على المغاربة، بسبب الوضعية المالية المتدهورة التي يعرفها المكتب، حيث بلغت مديونيته 51.8 مليار درهم، بالإضافة إلى التزامات صندوق التقاعد الداخلي التي بلغت 17.95 مليار درهم، ناهيك عن تراكم ديون الشركات الممونة للمكتب لتبلغ 2.3 مليار درهم، على حساب 1422 شركة وطنية و181 شركة أجنبية.
رئيس الحكومة، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، استبق ردود الفعل الممكنة على هذه الإجراءات بتأكيده على أن شعبية حزبه تهون أمام القرارات التي يجب تتخذ من أجل إنقاذ الأوضاع المالية للبلاد، ووضعية بعض القطاعات، وعلى رأسها المكتب الوطني للماء والكهرباء.
سعيد خيرون، النائب البرلماني عن فريق العدالة والتنمية ورئيس لجنة المالية بمجلس النواب، اعتبر في حديث ل«المساء» أن «هذه القرارات في صالح البلاد والمواطنين، ولن يكون لها انعكاس على شعبية الحزب، وحتى بالنسبة لشعبيتنا فلا تشكل هاجسا بالنسبة لنا في العدالة والتنمية، مقارنة مع ما يمكن أن يتخذ من قرارات لصالح البلاد».
وأكد في هذا السياق أن «من سيفكر في شعبية حزبه فلا يجب أن يتخذ أي قرار، لكن تم اتخاذ قرارات صعبة منها الاقتطاع من أجور المضربين ومباريات التوظيف وغيرها من القرارات التي يظهر للبعض أنها تحد من شعبية الحزب، لكنها قرارات لصالح البلاد وتكرس المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين».
وأضاف «نظن في العدالة والتنمية أن جميع القرارات التي تتخذ، هي في صالح البلاد ولصالح المواطنين، سواء على المستوى البعيد أو القريب، فهي تخدم البلد، رغم أنه يمكن للبعض أن يستشف منها أنها لا تخدم حزبا معينا».
وأوضح خيرون أن هناك مجموعة من القرارات الاجتماعية المهمة التي اتخذتها الحكومة منذ 2012 إلى الآن، ومنها خلق صندوق التماسك الاجتماعي، الذي يهدف إلى ضمان تمويل برنامج «راميد»، ودعم العائلات التي تضم ذوي الاحتياجات الخاصة، ودعم الأرامل في وضعية هشاشة، إضافة إلى مجموعة من القرارات التي لها طابع اجتماعي مهم جدا، ويبقى على الحكومة أن تنزلها في أقرب الآجال الممكنة، ناهيك عن القرارات التي تهم المجال الاقتصادي والمقاولة.
وسجل النائب الإسلامي أن هناك تركيزا من طرف الإعلام على بعض القرارات من قبيل القرار المتعلق بالمكتب الوطني للماء والكهرباء، رغم أن عقد البرنامج يهدف إلى ضمان استمرارية هذا المرفق، لأن الوضعية المالية للمكتب توجد في وضعية إفلاس، وإذا أراد أن يستمر خلال السنوات المقبلة، فلابد من ضخ 11 مليار درهم سنويا خلال المدة المقبلة.
وأوضح أن البرنامج الاستثماري، الذي لم يلتزم به المكتب، كان له انعكاس على إنتاج الطاقة في بلادنا، وأيضا على مستوى المقاصة، فالمكتب الوطني للكهرباء يستفيد سنويا من 9 مليارات درهم في إطار الدعم الموجه للفيول، وانخفضت في سنة 2014 إلى 5 مليارات درهم، والآن العملية التي ستتم تهم فقط إحداث نوع من الاستهداف على مستوى الدعم، فعوض أن يوجه هذا الدعم للعموم، سيتم توجيهه للفئة التي تستحق.
وأكد أن عقد البرنامج يشكل دعما بشروط، منها تصحيح الوضعية المالية، وأيضا احترام البرنامج الاستثماري، إذ أن عدم إنجازه تسبب في خسارة تقدر ب 23 مليار درهم كما ورد في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، ناهيك أن عدم اتخاذ قرارات الاستثمار من الآن سيشكل خسارة في الخمس سنوات المقبلة تقدر ب23 مليار درهم.
وسجل المتحدث ذاته أن هذا القرار فيه إنقاذ للمكتب الوطني للكهرباء، باعتباره مؤسسة تشتغل ليس فقط داخل المغرب بل حتى خارجه، وفي حالة ما لم يتم إنقاذ وضعيته المالية، فسيكون لذلك انعكاس على صورة المغرب في الخارج، لأن هناك عدة قروض ملتزم بها، وفي حالة ما لم يتم اتخاذ القرارات المناسبة، فستكون هناك صورة سيئة بالنسبة للمكتب والمغرب عموما في علاقته مع الخارج.
لكن هذه المعطيات وتأثيرها على شعبية الحزب الحاكم، يعطيها فؤاد عبد المومني، الخبير الاقتصادي، تحليلا آخر في تصريح ل«المساء». واعتبر في هذا الإطار أنه لا يمكن للمغرب أن يستمر في الاستهلاك أكثر من قدرته الإنتاجية، دون أن يكون معرضا لهزات كبرى، «حيث يمكن لفترة معينة اللجوء إلى المديونية، ولكن الوصول إلى لحظة الحقيقة مسألة ضرورية عندما نضطر لمواجهة الأمور مباشرة».
وأوضح أن المغرب ظل لعقود يغطي على هذه الأوضاع، «ونقوم بالخوصصة من أجل الحصول على موارد مالية، ونذهب للاستدانة ونغطي على الخصاص الذي لدينا في مختلف صناديق التقاعد، وهو ما كان يسمح بالتغاضي على حقيقة الأمور».
وأكد المتحدث ذاته على مسؤولية النخب التي وجدت راحتها في تغطية المشاكل عبر اللجوء إلى الاستدانة، و»بالتالي فسؤال الحكومة ليس مرتبطا بحقيقة الأسعار، وإن كان من مسلمات العصر الراهن، لكن السؤال هو في أي استراتيجية ننخرط، هل هذه الحكومة جاءت بمشروع يخلق إمكانية توازن عميق وتصاعدي وإيجابي ومتوازن للفئات الاجتماعية؟ أم أنها تعالج فقط الأمور المستعجلة؟».
وأكد أن غياب الرؤية والاستشراف والقرارات الجريئة سيؤدي كلفتها من جهة العدالة والتنمية، لأنه لم يأت بمشروع مقنع بالنسبة للفئات التي تعاني من هذه القرارات، ولم يأت بخطاب الحقيقة الذي يقول للمغاربة حقيقة الوضع، ومن جهة أخرى، فإذا كان البيجيدي سيواجه الموجة الأولى من هذه التأثيرات على مستوى الانتخابات، فالمغرب فسيواجه 100 مرة هذه الموجة على مستوى كافة الشرائح الاجتماعية والسياسية، على حد تعبيره.
اليوم تجد حكومة عبد الإله بنكيران نفسها في وضع حرج أمام الأزمة التي يعانيها عدد من القطاعات، والخلل الذي تعرفه التوازنات الاقتصادية للبلاد، مقابل ضعف القدرة الشرائية لفئات عريضة من المواطنين. فهل سيتمكن الائتلاف الحكومي من إيجاد معادلة سحرية، تجنب الفقراء الانعكاسات السلبية للإصلاحات والقرارات الضرورية؟
المهدي السجاري
الخراطي: المستهلك المغربي ليس بقرة حلوبا كما يعتبره البعض
قال إن على الحكومة أن تدرك أنها باللجوء إلى «العمليات القيصرية» تضحي بالمستهلك
أكد بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك أن ما يحتاجه الشعب المغربي هو الجودة في الخدمات والمنتوجات المقدمة إليه، كما أنه محتاج إلى الوضوح والشفافية في القرارات المتخذة، أما أن يتم أداء ما استنزفه الآخرون من جيوب المواطن فهذا أمر مرفوض.
- كيف تنظرون إلى خطوة الحكومة الرفع من أسعار الماء والكهرباء لإنقاذ المكتب الوطني للماء والكهرباء، والتي تأتي بعد زيادات سابقة في المحروقات ومواد استهلاكية؟
القرار الأخير الذي اتخذته الحكومة، المتعلق بالزيادات الأخيرة لإنقاذ المكتب الوطني للماء والكهرباء من الإفلاس على حساب المستهلك، واتخاذ إجراءات أخرى تهم الزيادة في تسعيرة فاتورة الكهرباء، هو موضوع يتسم بالضبابية والارتباك.
فباستثناء الخطوة التي قام بها الحسين الوردي، وزير الصحة، لتخفيض أثمنة مجموعة من الأدوية، فإن المستهلك المغربي يعيش حالة من الرعب فيما يخص الزيادات الأخرى، حيث أصبحت هذه الحكومة تتخذ قرارات لم يسبق للحكومات السابقة اتخاذها من خلال الزيادات المتتالية في مقابل سوء الخدمات، وهذه الزيادات بطبيعة الحال تمس بشكل مباشر القدرة الشرائية للمواطن المغربي.
وإذا عدنا إلى صلب الموضوع، الذي يهم الزيادة في أسعار الكيلواط، فإن السؤال الذي يطرح هنا هو: هل الحكومة قادرة على أن تكون شفافة وواضحة مع المواطن وتقدم له سعر الكيلواط، خاصة في ظل وجود ضبابية في التكلفة الحقيقية وفي تركيبة ثمن الكيلواط. أما مسألة الزيادة في التسعيرة فليست المشكل المطروح، بقدر ما تطرح طريقة تدبير المكتب الوطني للماء والكهرباء للقطاع، والتي تتسم بالغموض وسوء التسيير، الذي أدى إلى حالة الإفلاس.
فمن غير المعقول أن تقرر الحكومة إنقاذ المكتب على حساب جيوب المواطنين بدل أن تطالب بمحاسبة كل من تولى المسؤولية في هذا المكتب من أجل استرداد المبالغ المالية.
لعل المشكل الأكبر والمطروح بحدة هو أن القطاعات التي تسيرها الوكالات عادة ما تفشل، رغم أنها تربح أموالا طائلة ولا تستفيد منها الدولة، باعتبارها وسيطا بين المنتج والمستهلك ومع الوساطة تكون التكلفة جد مرتفعة، كما أن هناك غموضا في طريقة تسيير هذه الوكالات للقطاع لأنها تابعة لوزارة الداخلية، والمثال على ذلك أنه رغم أن قطاع الطاقة الذي يوجد على رأسه وزير، إلا أن صلاحية التسويق والمراقبة تابعان لوزارة الداخلية، وهذا خلل يجب إصلاحه وإعادة النظر في القوانين المنظمة له.
من الناحية السياسية نستغرب إقدام الحكومة على تقسيم المجتمع المغربي إلى طبقتين وخلق صراع وعداوة بين الأغنياء والفقراء.
- ما تأثير قرارات الزيادات على القدرة الشرائية للمواطن؟
نتأسف على الزيادات المتتالية للحكومة بدون مواكبتها بأي مبادرة تهم تحسين القدرة الشرائية للمواطن. على كل فإن الخطابات والشعارات التي رفعتها الحكومة كلها تصب في ما هو سياسي وليس اجتماعيا، وهي بمثابة حقنة تخدير للمواطن المغربي، حيث تم التأكيد على أن دواعي إقرار هذه الزيادات لن يكون له أي أثر على المستهلك المغربي، وأنها الوسيلة المثلى لإنقاذ المغرب من عتبة الإفلاس.
وعلى كل، فإن من بين نتائج تدني القدرة الشرائية للمواطن المغربي، هو ارتفاع المديونية إلى درجة يمكن وصفها لدى البعض بحالة «المديونية المفرطة»، وهذا يتمخض عنه أيضا ارتفاع حالات الانتحار في صفوف الكثير من الأسر التي وجدت نفسها عاجزة عن مسايرة النمو الاقتصادي في ظل أجور تعرف نوعا من الجمود، كما أن المديونية ساهمت في تفشي عدة ظواهر كالسرقة والنصب والاحتيال وامتهان الدعارة وغيرها من الظواهر الاجتماعية.
بالنسبة إلي أعتبر أن القرار الذي اتخذته الحكومة يمكن مقارنته بالعملية القيصرية، لأن الحكومة تسعى إلى إنقاذ المغرب على حساب المستهلك، دون أن تدري أنه باللجوء إلى هذا النوع من العمليات قد تضحي بالمستهلك، وأن المعادلة صعبة لأنه بدون المستهلك لا وجود لمولود اسمه «الاقتصاد»ّ.
- إلى أي حد يهدد رفع الأسعار السلم الاجتماعي بالمغرب؟
كلما كان هامش الشق الاجتماعي على حساب ما هو صحي، كلما انخفض حتما السلم الاجتماعي، وإذا أعطينا الأهمية للجانب الاجتماعي بشكل قائم دون أن يكون على حساب أي شق آخر فهنا نكون قد حافظنا على السلم الاجتماعي.
ما يتعين التأكيد عليه هو أن أي ارتباك يقع على مستوى السلم الاجتماعي يعتبر قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت وحين، وللحفاظ على ذلك، فإن الأمر يتطلب الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، بدلا من إرضاء المؤسسات المالية التي تقع في أزمات. أخال أن الحكومة مطالبة باتخاذ إجراءات أخرى لإنقاذ مؤسساتها من الأزمات.
على ذكر القنبلة الموقوتة، يرى البعض - أن الزيادة في الأسعار قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه بنكيران وتدق آخر مسمار في نعش شعبيته؟
في الحقيقة هذا سؤال سياسي محض، لأن رئيس الحكومة لا يجب عليه أن يثقل كاهل المستهلك لإرضاء المؤسسات وإنقاذها من الإفلاس، فحقوق المواطن وصلت إلى درجة أصبحت لا تحترم.
أرى أنه من غير المعقول أن تجهل الحكومة الكثير من القوانين وتمس بالقدرة الشرائية للمواطن، لأنه بدون مستهلك لا يمكن أن يكون هناك اقتصاد وبالتالي يجب على الحكومة ألا تنسى أن المحور والمحرك الأساسي للنمو الاقتصادي هو المستهلك، وتعلم أنه ليس بقرة حلوبا كما يعتبره البعض، بل هو فاعل اقتصادي، وهي القيمة التي تجهلها الحكومة.
- أنتم كجامعة هل لديكم اقتراحات ترون أنها فعالة في هذا الشأن؟
يجب أولا على الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين تدبير ما يجري في السوق الاقتصادية وكذا حماية حقوق المستهلك الذي لديه حقوق وعليه واجبات، وهذا يتأتى من خلال إزالة الوسطاء الذين هم عبارة عن وكالات ومكاتب كيفما كان نوعها. هذا من جهة ومن جهة أخرى يجب أن تضع الحكومة معايير استهلاك الطاقة، الذي يعتبر من بين القطاعات الحساسة التي تتسم بالضبابية وتسعيرته غير محددة.
وإذا كانت عملية تسويق منتوج الماء والكهرباء، تتسم بالضبابية، فلا بد من تقنين القطاع ونفض الغبار عنه، هنا أقول لرئيس الحكومة إذا كنت تحارب التماسيح والعفاريت داخل المؤسسات، فهناك مسؤولون كبار يستفيدون من الماء والكهرباء بدون سند قانوني ويؤدون تسعيرة منخفضة دون رقيب ولا حسيب.
فعندما تحدث محمد الوفا، وزير الشؤون العامة والحكامة، عن وجود المواد الغذائية ووفرتها، فالكل يعرف أن المواد متوفرة لكن ما يحتاجه المواطن هو الجودة مقابل انخفاض التكلفة، فالشعب المغربي محتاج إلى الوضوح ومستعد لأداء ما عليه من واجبات، أما أن يتم أداء ما استنزفه الآخرون من جيوب المواطن فهذا أمر مرفوض، خاصة أن المجتمع المغربي أصبح واعيا وقادرا على الدفاع عن حقوقه. لقد سبق للمواطن المغربي أن أنقذ القناة الثانية من الإفلاس، فماذا استفاد بعد ذلك؟ وماذا قدمت هذه القناة لمشاهديها سوى البرامج التافهة والمنتوج الرديء والمسلسلات المدبلجة، فهل هذا ما يستحقه المواطن المغربي؟
نؤكد أننا لسنا ضد الحكومة، لكن لن نسمح بانتهاك حقوق المواطن، وعلى الحكومة أن تضع برنامجا لترشيد الاستهلاك في قطاع الكهرباء والماء.
حليمة بوتمارت
هل يهدد ارتفاع الأسعار السلم الاجتماعي بالمغرب؟
مع إعلان الحكومة الزيادة في فاتورة الماء والكهرباء بالنسبة للأشطر التي تفوق 100 كيلوواط بالنسبة للكهرباء شهريا، وستة أمتار مكعبة بالنسبة للماء شهريا ابتداء من شهر غشت القادم حتى سارعت مختلف التنظيمات النقابية إلى استنكار هذه الخطوة التي لها تأثير على الواقع الاجتماعي للمواطنين، سيما مع الزيادات التي عرفتها عدد من المواد الأساسية، ويظل السؤال المطروح حول ما مدى تأثير الزيادة في الأسعار على السلم الاجتماعي، رغم أنها لن تطال الفئات الأكثر هشاشة؟
اتخاذ الحكومة هذه الخطوة كان من أجل إنقاذ الوضع المالي للمكتب الوطني للكهرباء، غير أن هذا سيؤثر لا محالة على الوضع الاجتماعي، نظرا لوجود علاقة جدلية بين الزيادة في الأسعار والسلم الاجتماعي، لأن كل زيادة لها تأثير على القدرة الشرائية للمواطن، الذي يشكل عنصرا أساسيا في معادلة الاستقرار الذي يعرفه المغرب. وفي هذا الصدد، يعتبر عبد الحميد فاتحي، نائب الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل أن البلدان التي يغيب فيها السلم المتحرك للأجور بالنسبة لفئة من المواطنين وتفتقد الربط بين نسبة التضخم والأسعار، يكون فيها لارتفاع الأسعار وقع وتأثير على السلم الاجتماعي، لأن الأجور تتآكل وهو ما يؤثر على مواجهة تكاليف العيش لهذه الفئة، سيما مع الارتفاع الذي عرفته المحروقات والتي لها علاقة بارتفاع باقي المنتوجات والمواد الأساسية الأخرى.
ويعتبر نائب الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل أن الشرائح التي بيدها الاستقرار الاجتماعي ليست مثل الشريحة ذات الدخل المحدود من الطبقة العاملة، لأن كل مس بقدرتها الشرائية سينعكس على استقرارها، وهي «ليست لها القيم الكبرى للحفاظ على السلم مثل السياسي وغيره».
و«لعل الزيادات المتتالية في الأسعار، مثل المحروقات التي ينتظر رفع الدعم عنها نهاية هذه السنة، ستكون مقدمة لتوتر وإشعال فتيل اجتماعي رغم التطمينات التي تقدمها الحكومة لكون ذلك لن يمس الطبقات الهشة والمتوسطة»، يقول فاتحي، مشددا بالقول، في تصريح ل«المساء»: «رغم تطمينات الحكومة من كون الزيادات لن يكون لها أي تأثير على فئة واسعة من المواطنين، غير أن هذه الزيادة التي سيعرفها الماء والكهرباء ستؤدي إلى قلق اجتماعي حقيقي».
المبررات التي تقدمها الحكومة بخصوص الزيادات، والتي يؤكد فاتحي أن جزءا كبيرا منها موضوعي، لا يتقبلها المواطن البسيط لأنه لا تهمه، فالأهم بالنسبة إليه هو الحفاظ على قدرته الشرائية لتحمل تكاليف لقمة العيش.
وفي غياب أي ميكانيزمات لضمان توازن بين الارتفاع في الأسعار وضمان الحد الأدنى من العيش الكريم، فإن هذا سيؤثر حتما على الاستقرار الاجتماعي، يقول نائب الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل.
وبدوره يرى عبد الكريم العزيز، عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أن الحكومة تلعب بالنار ودخلت في «مغامرة مجانية» برفضها مواصلة الحوار الاجتماعي والزيادة في أسعار عدد من المواد من قبيل المحروقات والكهرباء والماء، وهو ما قد يترتب عليه «انفجار اجتماعي»، سيما أن فئات كبيرة من المجتمع من الطبقة العاملة من الأجراء والعاملين في القطاع غير المهيكل غير قادرين على مسايرة هذا الارتفاع الصاروخي في الأسعار وهو ما يهدد التوازن داخل المجتمع.
ومن بين أسباب هذا الوضع فشل السياسة الحكومية والحكومات السابقة لكونها لا تراعي حماية الأسعار ولا الجانب الاجتماعي، استجابة لضغوطات المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، الذي ينصب اهتمامه أساسا على التوازنات المالية فقط دون التفات للمواطن البسيط الذي يظل «كبش فداء» يؤدي ثمن فشل السياسات المتعاقبة.
وربط العزيز، في تصريح ل«المساء» بين القدرة الشرائية للمواطن التي تنقص في غياب الزيادة في الأجور وهو ما سيوصل إلى حد تهديد التوازنات الاجتماعية الهشة، معتبرا أن الزيادة التي أعلنتها الحكومة مؤخرا لا تشمل جميع الفئات وتظل زيادة «بسيطة لا تغير في الواقع شيئا».
ولعل الزيادة في فواتير الماء والكهرباء تعيد إلى الأذهان ما شهدته مدينة مراكش خلال سنة 2012 من مواجهات دامية بين السكان والقوات العمومية ما يعرف بأحداث «سيدي يوسف» بسبب الاعتصامات التي نظمها المواطنون أمام فروع الوكالة المستقلة لتوزيع الماء (لا راديما) احتجاجا على غلائها والتي جعلت الملف يأخذ بعدا وطنيا ووصل صداه إلى البرلمان، ويبقى هذا مثالا لحدث قدمه عبد الحميد فاتحي، نائب الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل، كدليل على تأثير ارتفاع الأسعار على واقع السلم الاجتماعي بالمغرب.
خديجة عليموسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.