أكيد أن المشهد السياسي بالمغرب أصبح سريع التقلب، ومن الصعب إنجاز مقاربة دقيقة ثابتة عنه لأنه في جل الأحيان لا يخضع لأية أصول أو منطق. فالانتماء والانتساب الإديولوجي لم يعد ذو قيمة تذكر في بناء التحالفات، وأرضية البرامج فقدت قيمتها في إظهار التميزات والميزات الحزبية، بل حتى العهود والمواثيق التي تعلنها الأحزاب في إطار الأغلبية أو المعارضة لا يلتزم بها أي طرف. الكل مستعد أن يتخلى عن جميع الالتزمات المبدئية والأخلاقية من أجل الظفر بالكلمة السحرية : الرئاسة. عموما هذا الوضع أحدث ارتباكا لدى المواطنين والمراقبين على حد سواء. الكل استنكر بطريقته هذا التسيب الذي غمر الحقل السياسي الرسمي بالمغرب. بالطبع لم تكن تطوان لتمثل استثناء، فالفاعلين السياسين أصابتهم حمى المنافسة الغير الشريفة، فانسلخوا من كل القيم، واندفعوا بكل الحيل لبلوغ كرسي الغلبة والرئاسة بأي ثمن. هذه البرغماتية، أو ما يسمى أخلاقيا بحب الرئاسة أعادت إلى الأذهان مقولة " الغاية تبرر الوسيلة". فأصبحنا اليوم أمام واقع سياسي سيقود البلاد في اتجاه غير محمود، لأننا سنكون أمام مأزق سياسي اجتماعي تاريخي معقد وخطير يمكن أن نسميه " موت الأحزاب". موتها من حيث وجودها المعنوي الذي ينبني على الصدق والوضوح والثبات على المرجعية والتميز. في تطوان اليوم خليط غريب استهجنه الكثيرون ولم يجدوا له مبررا ولا مصوغا. فالأغلبية التي فازت بتدبير المرحلة المقبلة تجمع متناقضات غير مألوفة أو كانت متوقعة. حزب العدالة والتنمية مع غريمه الأصالة المعاصرة وعدوه الاستقلال شكلوا المجلس. الواقع قد يسمح بهكذا توافق، ولكن البنية والبناء السياسي الذي أصبح عرفا يرقى إلى مستوى الحق لا يسمح بمثل هذا المشهد المضلل. وكأننا أمام حافلة تريد أن تسافر بالناس فوق سكة القطار. ويبدو المشهد كئيبا حين نعلم أن حزب الأحرار استغنى عنه حليفه في الحكومة وزهد فيه ووضع في موضع حرج محرج، بحيث سيصطف للمعارضة مع الاتحاد الاشتراكي. ولقد ازداد المشهد انحدارا نحو المجهول حين قام حزب المصباح باستقطاب عناصر مهمة وذات وزن على المستوى الاجتماعي كعبدالكريم الشرقاوي والحسيوتي اللذان كان وراء رفع معدل حزب الحمامة في أحياء كويلما والطوابل وخندق الزربوح. إن انظمام هؤلاء للعدالة والتنمية سيكون له تأثيره في الانتخابات التشريعية المقبلة. ومن يتابع عن كثب ما يجري على مستوى تطوان يعرف أن حزب العدالة والتنمية استحكم قبضته على الكثير من الأحياء، وبالتالي على مجلس الجماعة الحضرية باعتماده على أمرين. أولها العمل المبكر عبر الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي والرياضي. وتواصله المبكر أيضا مع بعض الرموز التي تواجدت في أحزاب أخرى لكن ولاءها بقي بالكامل للمصباح، وهذا أمر أحرج تلك الأحزاب خصوصا الأصالة والمعاصرة الذي وجد نفسه عاجزا عن توجيه الفائزين من لائحته ليستنتج في النهاية أنهم أبناء اللائحة وليسوا أبناء الحزب. هذا الاختراق الذي تم إعداده بدقة من طرف المصباح حاصر رئيس البرلمان رشيد الطالبي العلمي الذي وجد نفسه أمام سد منيع، وجدار كثيف حتم عليه الاستسلام والانسحاب من التنافس على الرئاسة. وهكذا يكون إخوان العدالة والتنمية أذكى بكثير من جل الأحزاب في الإعداد للإنتخابات وإدارة عملية انتخاب الرئاسة لصالحهم. المشهد السياسي في تطوان اليوم يعتريه الكثير من التذبذب والغموض. والفائز الأكبر يبقى حزب العدالة والتنمية لأنه عرف كيف يرسخ ذاته اجتماعيا، وينسق مع الفاعلين الآخرين خارج مؤسساتهم الحزبية. والخاسر الأكبر حزب الحمامة الذي سيجد صعوبة كبيرة في الانتخابات التشريعية المقبلة لإعادة عناصره وأنصاره. وبين الطرفين حزب الاتحاد الاشتراكي الذي وإن بقي في المعارضة فقد أبان عن مستوى كبير من الجدية والانضباط والمسؤولية. أما باقي المكونات الأخرى فسيبقى وزنها ضعيفا في المشهد السياسي العام للمدينة.